رئيس التحرير
عصام كامل

درويش.. التاريخ بصوص البستاشيو!

18 حجم الخط

يقدم لنا فيلم درويش للكاتب وسام صبري، والمخرج وليد الحلفاوي، ومن بطولة عمرو يوسف ودينا الشربيني، ومصطفى غريب، ومحمد شاهين، وتارا عماد، حدوتة عن لص في عشرينيات القرن الماضي، يتحول بالصدفة إلى بطل شعبي، وينضم إلى واحدة من خلايا المقاومة التي تشكلت في سياق ثورة المصريين على الاحتلال عام 1919. 

لكن هذا اللص بذكائه يستغل أعضاء تلك الخلية لإتمام عملية السطو على جوهرة ثمينة كان على وشك الحصول عليها قبل أن يُتهم -بالخطأ- بقتل قيادي إنجليزي، ويتحول في نظر الناس إلى رمز للنضال والمقاومة.

 

قصة تذكرنا بالجدل الذي أثير حول شخصيات كثيرة في التاريخ مثل ريا وسكينة مثلًا اللتين يؤكد البعض برائتهن من تهمة قتل السيدات بهدف السرقة، ويرون أن قصة أشهر سفاحتين في مصر بدأت مع قيامهن باستدراج الجنود الإنجليز وقتلهم، وأن الاتهامات بالقتل والسرقة ربما كانت مجرد وسيلة للانتقام منهن وتشويه دورهن الوطني، وكذلك ما أثير عن حكاية النشال عبد العزيز النص الذي تحولت مذكراته إلى مسلسل تلفزيوني عُرض في شهر رمضان الماضي!


والحقيقة أن أي كاتب سيناريو يقرر استدعاء التاريخ في عمل فني، عليه أن يكون حذرًا، وأن يحدد من البداية هدفه من هذا الاستدعاء، فهو إما أن يكون مهتمًّا برصد وتوثيق واقعة تاريخية معينة، مع إتاحة الفرصة لخياله بالطبع، حتى لا يتحول العمل إلى عمل تسجيلي، وإما أنه مهموم بطرح رؤية جديدة لواقعة تاريخية معينة، ربما كانت رؤية مغايرة لما هو سائد في كتب التاريخ. 

وأخيرا قد يستدعي السيناريست أحداثًا تاريخية مهمة لتحديد الزمن الذي تدور فيه أحداث العمل الفني، معنى ذلك أن استدعاء التاريخ لا يجب أن يكون مجانيًّا، فيتحول العمل الفني إلى قصة بلا هدف!


والسؤال الذي خطر في ذهني بعد انتهائي من مشاهدة فيلم دوريش هو: هل كان استدعاء التاريخ ضروريًّا لاكتمال حدوتة اللص الذكي الذي خدع الجميع ليحقق هدفه؟ والحقيقة أنني أرى أن الخط التاريخي قد  تحول  إلى عبء على المؤلف، لأنه لم يجهد نفسه ليكوِّن وجهة نظر في الحدث التاريخي الذي استدعاه في فيلمه.

ووجد نفسه مضطرًّا إلى وضع بصمة ما تثبت وطنية الفيلم وتضامنه مع الحدث التاريخي الذي استدعاه – وهو هنا ثورة 1919 بكل ما تحظى به من تقدير وطني– ففعل ذلك باستسهال يبدو مضحكًا عندما وضع على لسان بطلة الفيلم كاريمان (تارا عماد) جملة طفولية جدًّا، فرأيناها تشرح لدرويش –اللص الجاهل– مساوئ الاحتلال الإنجليزي بجملة (الاحتلال ده حاجة وحشة قوي)!


وأظن أن صناع درويش –كما يبدو من الفيلم – لم يكونوا مهتمين من قريب أو بعيد بتقديم تناول جاد للحدث التاريخي حتى لو كان التاريخ قصة فرعية ضمن أحداث الفيلم، وإنما كان الأمر –من وجهة نظري– مجرد مسايرة لموضة الأعمال التي يعتقد أصحابها أن وضع الحدوتة الساذجة ضمن سياق تاريخي سوف يمنحها عمقًا بشكل أو بآخر، وهي الموضة التي ركز عليها الكاتب أحمد مراد في رواياته التي تحولت في ما بعد لأفلام سينمائية!


وبدلًا من أن يجتهد المخرج والممثلون في استلهام طريقة الحياة وأسلوب الحوار اليومي في مصر خلال العشرينيات التي تدور أحداث الفيلم خلالها، لجأوا جميعا إلى تقليد أداء الممثلين في أفلام تلك  الفترة واستخدام جمل وتعبيرات عرفناها من تلك الأفلام، وكأن الممثل يكفيه لكي يتقمص دور شخص في العشرينات أن يقول "ممنون يا هانم" بدلا من "شكرا"!
 

على مستوى الكوميديا، لم يكن الفنان مصطفى غريب في أفضل حالاته، رغم أنه حصل على الدور –في ما أظن– لإضافة لمساته الكوميدية للفيلم كله، وأخشى أن يتم استهلاك هذا الشاب الموهوب جدا، حتى يتحول –في يوم ما– إلى نسخة جديدة من بيومي فؤاد!
 

ورغم اجتهاد المخرج وليد الحلفاوي الذي أحب أعماله وأراه موهوبًا في الإخراج، وكتابة السيناريو بنفس الدرجة، بوضع بعض الحبكات في الفيلم لتحقيق بعض الإثارة والتشويق، إلا أن فيلم درويش يظل –للأسف– من نوعية الأفلام التي تنساها بمجرد خروجك من السينما، على عكس فيلم آخر مثلا لنفس الكاتب والمخرج (وليد الحلفاوي)، هو فيلم "وش في وش" الذي يحفر بداخلك انطباعا دائما يجعلك تعود لمشاهدته كلما سنحت الفرصة لذلك.

وأرى -كما أشرت- أن بعض صناع السينما في الفترة الأخيرة أصبحوا مغرمين بإضافة سياق تاريخي لأعمالهم، ليس من منطلق طرح وجهة نظر معينة، أو إثبات حقيقة ما حتى لو كانت تلك الحقيقة مغايرة لما عرفناه في قرائتنا التقليدية للتاريخ، لكنهم يفعلون ذلك –للأسف– على طريقة محلات الحلويات التي تصنع أطباق حلوى مدمرة مكونة من خليط من أنواع مختلفة من الحلوى.

فهذه طبقة من الكنافة، تليها طبقة من البسبوسة، وأخرى من الأرز باللبن الغارق في عصير الفواكه، وكلما أضافت طبقة جديدة ترفع السعر وتطلق حملات الدعاية، وبنفس المنطق يصنع البعض أفلاما عن قصص متوسطة القيمة، لكنهم لكي يرفعوا قيمتها وسعرها يضيفون إليها طبقة من التاريخ، تماما مثل صوص البستاشيو.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية