المدينة الصامتة السويداء.. حلم إسرائيل الكبرى في بلاد الشام.. يمتلك الكيان المحتل طائفة درزية لها وجود فى جيشه
فى بلادٍ أنهكها التاريخ وأعاد تشكيل خرائطها آلاف المرات، تقف السويداء كأنها ضمير معلق بين الماضى والحاضر، بين صمت الجبل وصخب العواصم.
ليست السويداء مجرد مدينة، وليست الطائفة الدرزية مجرد أقلية دينية، بل هما فى قلب معادلة دقيقة تتجاوز حدود سوريا نحو صراع إقليمى معقد.
فما الذى يجرى هناك، ولماذا تتحول هذه المدينة المنسية جغرافيا، إلى نقطة اشتعال تهمس فيها إسرائيل وتركيا وواشنطن وطهران بلغات لا يفهمها سوى العارفين بخبايا الجغرافيا السياسية؟
الدروز طائفة دينية انبثقت من الإسلام الإسماعيلى فى بدايات القرن الحادى عشر، وتأسست فى عهد الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، يرفض الدروز التصنيف الطائفى التقليدي، ويمتازون بعقيدة باطنية لا تقبل الاستعراض أو التبشير، ما جعلهم يعيشون فى مجتمعات مغلقة ويمنعون التزاوج من خارج طائفتهم، يتوزعون اليوم فى سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، مع أقلية صغيرة فى الأردن.
يقدر عدد الدروز فى سوريا بنحو 700 ألف نسمة، يتمركزون أساسًا فى محافظة السويداء جنوب البلاد، التى تشكل معقلهم التاريخي، وفى مناطق جبل الشيخ بريف دمشق والقنيطرة.
رغم عددهم القليل، يتمتع الدروز بنفوذ سياسى واجتماعى يتجاوز حجمهم، بفضل موقعهم الجغرافي، وتاريخهم فى الحروب والصراعات، ودهائهم فى التحالفات المتبدلة.
منذ الاستقلال، اتسمت العلاقة بين الدروز والدولة السورية بالشد والجذب، فى أربعينيات القرن الماضي، برز سلطان باشا الأطرش كقائد وطنى فى الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، وأسس لشرعية وطنية للطائفة، لكنها سرعان ما دخلت فى توتر مع الأنظمة المتعاقبة، خاصة فى ظل محاولات بعض الحكومات كسر طابع استقلاليتهم المحلي.
ومع استلام حزب البعث للسلطة عام 1963، هدأت العلاقة تدريجيًا، خصوصا فى ظل التوجه القومى الذى تبناه النظام، ما ساعد على دمج الدروز فى أجهزة الدولة، لا سيما فى المؤسسات الأمنية والعسكرية.
فى زمن بشار الأسد، تحولت العلاقة إلى نوع من التواطؤ الحذر. فقد التزمت السويداء الحياد خلال السنوات الأولى من الثورة، ورفضت الانخراط المباشر فى المعارك الطائفية، بل حافظت على ما يشبه “الحياد المسلح”، حيث انتشرت الميليشيات المحلية كدرع يحمى المنطقة من التدخلات الخارجية دون الانجرار إلى مواجهة مع النظام.
فى المشهد السورى المعقد، برزت السويداء مؤخرا كمنطقة رخوة استراتيجيا لكنها صلبة من حيث الهوية. تعانى المدينة من فقر اقتصادى حاد، ونقص فى الخدمات، وغياب التنمية، وارتفاع نسب البطالة.
لكن على مستوى الجغرافيا السياسية، أصبحت السويداء نقطة ارتكاز فى مشروعين متناقضين، مشروع إقليمى تقوده إسرائيل يسعى لفتح ما يسمى بممر داوود، ومشروع مقاومة تسعى إيران لدعمه عبر امتداداتها فى جنوب سوريا.
أهمية السويداء تكمن فى موقعها الحيوي، فهى تطل على الحدود الأردنية، وتقترب من قاعدة التنف الاستراتيجية التى تديرها واشنطن، وتجاور محافظة درعا التى كانت مركزًا للحراك الشعبي، وتتداخل مع الجولان المحتل. هذا الموقع يجعلها عقدة مواصلات محتملة لأى تحرك عسكرى أو لوجستى بين إسرائيل وشمال شرق سوريا.
ما كان يظنه البعض مجرد خيال سياسى أو نظرية مؤامرة، أصبح اليوم محل تداول رسمى فى الصحافة العبرية.
“ممر داود”، بحسب بعض التحليلات الإسرائيلية، هو مشروع لربط إسرائيل بالفرات عبر الجنوب السوري، وصولا إلى كردستان العراق، تمر خريطة هذا الممر بمحافظات درعا والسويداء والتنف ودير الزور، عبر تحالفات مع القوى المحلية أو عبر عمليات عسكرية مدروسة.
إسرائيل تسعى إلى هذا الممر لعدة أهداف، أولًا تأمين عمق استراتيجى شمالي، ثانيًا كسر النفوذ الإيرانى فى سوريا، ثالثًا ضمان اتصال برى مباشر مع المناطق الكردية، ما يتيح لها لعب دور أكثر تأثيرًا فى خريطة الطاقة والنقل الجديدة فى الشرق الأوسط.
وقد بدأت الخطوات العلنية تظهر، مثل تصريح بنيامين نتنياهو فى مارس 2025 حول “حماية الدروز”، ومقترح استقبال عمال دروز من جنوب سوريا للعمل داخل إسرائيل، كما ظهرت أعلام إسرائيلية مرفوعة فى قلب السويداء، فى مشهد مثير للتساؤلات، ووسط صمت رسمى سورى مطبق.
تمتلك إسرائيل طائفة درزية تعتبر شريكة فى الجيش الإسرائيلي، حيث يجند الشبان الدروز إجباريا منذ عقود، ويُعد هذا الواقع المختلف بين الدروز فى إسرائيل وسوريا سببًا فى فتح خطوط تواصل غير مباشرة، خاصة فى لحظات الأزمات.
فى أكثر من مناسبة، لم تخفِ تل أبيب سعيها لاستخدام الورقة الدرزية كورقة ضغط أو كجسر نحو الداخل السوري. وقدمت دعمًا محدودا للجماعات الدرزية فى ريف القنيطرة والسويداء، إما عبر تسهيلات علاجية أو دعم لوجستى عبر التنف.
لكن الدروز فى سوريا، رغم التنوع السياسي، لا يتفقون جميعًا على قبول هذا الدور، فهناك تيارات ترفض أى شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل، وتعتبر ذلك تهديدًا للهوية والوجود.
تركيا من بعيد.. تراقب وتناور
بين التهميش والانكشاف.. ما مصير السويداء؟
وسط هذا الصراع، تقف السويداء كمدينة معلقة فى الزمن. فهى لم تنخرط فى الحرب الأهلية بشكل مباشر، لكنها تدفع اليوم ثمن موقعها الجغرافي، وتتحمل كلفة تحوّلها إلى رقعة شطرنج بين اللاعبين الكبار، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، وتدهور الخدمات، وغياب أى مشروع وطنى جامع، تبدو المدينة أمام لحظة مفصلية فى تاريخها.
هل تتحول السويداء إلى بوابة لمشروع إقليمى كبير.. هل ينجح الدروز فى الحفاظ على استقلالهم النسبى دون الوقوع فى فخ التبعية؟ هل يخرج السوريون بمشروع وطنى يعيد دمج الهامش بالمركز؟ أسئلة لا تملك المدينة الفقيرة أجوبةً عنها، لكنها تتحمّل نتائجها وحدها.
مختتما السويداء ليست سوى مرآة تعكس ارتجاج الأرض تحت أقدام المشاريع الكبرى، فى زمن لم تعد فيه الشعارات تملأ الفراغ، ولا الصمت ينقذ المدن من الانهيار.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
