رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون.. حسن العطار، رائد تطوير التعليم وله مؤلفات في الطب والصيدلة والنحو

الشيخ حسن العطار،
الشيخ حسن العطار، فيتو
18 حجم الخط

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينية والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.

وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

حسن العطار (1180 هـ - 1250 هـ)

كان يردد باستمرار: "إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها".
اعتبره الدكتور محمود حمدي زقزوق، المفكر الإسلامي، ووزير الأوقاف الأسبق، من المجددين في كتابه "الفكر الديني وقضايا العصر".
كان، رحمه الله، أدبيًا وشاعرًا ورحالة؛ زار تركيا وفلسطين وجاب بلاد الشام، وخالط ضباط الحملة الفرنسية وعلمائها وقام بتدريس اللغة العربية لهم، وتعلم حب المعرفة وضرورة التجديد.

تتلمذ على يديه الكثيرون من بينهم "رفاعة الطهطاوي" رائد النهضة المصرية الحديثة.

من هو الشيخ حسن العطار؟

هو حسن بن محمد بن محمود العطار المولود  (1766م / 1180 هـ) - (1835م / 1250 هـ) بالقاهرة، وهو أول شيخ  يتولى مشيخة الأزهر من أصل غير مصري، حيث كان مغربى الأصل، وهو  السادس عشر من شيوخ الجامع الأزهر على المذهب الشافعي.

أبوه هو الشيخ "علي محمد العطار" فقيرا يعمل عطارًا، من أصل مغربي وكان له إلمام بالعلم.
وكان حسن يساعد والده في دكانه، ولما رأى منه الوالد حبًا للعلم، وإقبالًا على التعلم شجعه على ذلك، فأخذ حسن يتردد على حلقات العلم بالأزهر الشريف، ودرس علوم الأزهر المقررة آنذاك، مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضًا درس علوم المنطق، والوضع والميقات، على أيدي  كبار علماء عصره.
واستمر في تحصيله للعلم  الشرعى، واهتم بعجائب الفنون والتقاط فوائدها كالطب والفلك والرياضة.
اهتم بمطالعة أمهات الكتب العربية ودراستها، فهو لم يحصّل علمه من الحواشي والشروح فقط، وإنما رجع إلى المصادر الأصلية يدرسها ويتعلم منها، ويدعو إلى تواصل فعال معها ليحدث التواصل الحضاري الحقيقي الذي كان يطمح إليه.

الشيخ حسن العطار، فيتو
الشيخ حسن العطار، فيتو


وتعود ميزة الأصالة الفكرية والميل إلى إعمال العقل عند العطار، بالإضافة إلى ملكاته الخاصة، وما استفاده من بعض شيوخه ونقده للجو الثقافي في عصره، إلى اشتغاله بالتجارة في شبابه بما تضفيه التجارة على ممارسيها من ضرورة اليقظة واستخدام العقل، وربط الأمور المختلفة ببعضها.
كان العطار يجيد عدة اللغات؛ كالتركية والفرنسية والألبانية، فلم يكتفِ بالكتب العربية، بل اتجه إلى الكتب التي ترجمت في أوائل عصر النهضة في القرن التاسع عشر، فقرأها وأفاد منها، وجمع بها بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب، وكانت علاقته بعلماء الحملة الفرنسية قد أطلعته على أحدث ما وصلت إليه العلوم المدنية.  
وكان شاعرًا، ومؤلفًا للكتب، ومحققًا للمخطوطات، كتب الشعر التعليمي والموشحات وشعر الوصف والرثاء والمدح والهجاء، بل وشعر الغزل أيضًا. 
وتميز أسلوبه بالدقة والاستطراد من أجل الإحاطة بكل جوانب الموضوع، وإعمال فكره الخاص عندما يتناول أعمال من سبقه من المؤلفين، فلا يكتفي بتفسيرها وشرحها كما كان سائدًا في عصره.
وكان يستخدم السجع والمحسنات البديعية في كتاباته، لكنه يعتبر أقل مؤلفي عصره استخدامًا لها، كما كان يطرح هذا الأسلوب المتكلف جانبًا في كتاباته العلمية ويترك للموضوع اختيار الأسلوب.

شخصيته السياسية

ظهرت ملامح شخصية الشيخ العطار السياسية مبكرا، فعندما احتل الفرنسيون مصر سنة 1798 كان حسن العطار في الثانية والثلاثين من عمره، ومثل كثير من العلماء في ذلك الحين، فر إلى الصعيد، وتحديدا أسيوط؛ خوفًا على نفسه من أذاهم، وأثناء وجوده بأسيوط أصاب البلاد مرض الطاعون الذي كان يحصد عشرات الآلاف في اليوم، فوصَفَه في رسالةٍ له.
واستمر العطار في الصعيد نحو ثمانية عشر شهرًا، لكنه عاد بعدها إلى القاهرة بعد استتباب الأمن.

مع علماء الحملة الفرنسية

وفي القاهرة تعرف ببعض علماء الحملة، واطّلع على كتبهم وتجاربهم وما معهم من آلات علمية فلكية وهندسية، كما اشتغل بتعليم بعضهم اللغة العربية، فأفاد منهم واطلع على علومهم، واشتغل أثناء الحملة الفرنسية بالتدريس في الأزهر.
وبعد رحيل الجملة الفرنسية تجول في الشام والحجاز واوروبا وتركيا، وردد البعض أنه هرب إلى هناك بسب علاقاته  الجيدة مع الفرنسيين، وغضب رجال الأزهر منه.

مع علماء الحملة الفرنسية، فيتو
مع علماء الحملة الفرنسية، فيتو


ثم زار تركيا ونزل بعاصمتها القسطنطينية، وأقام في ألبانيا مدة طويلة، وسكن ببلد تدعي اشكودره من بلاد الأرنؤد، وتزوج بها ثم دخل بلاد الشام سنة 1810م، وعمل هناك في التدريس وأقام بها خمس سنين.
وأخيرا، عاد إلى مصر سنة 1815 وكانت الأمور في مصر قد استقرت بعد أن تولى محمد علي منصب الوالي.
فعاد العطار إلى التدريس بالأزهر، وكان له اتصال خاص بسامي باشا وأخويه باقي بيك وخير الله بيك، من رجال محمد علي، وعن طريقهم استطاع التقرب من  محمد علي باشا وكان يقابله ويبدى حرصه على مساعدته في تطوير مصر، فكلفه الوالي بالمساهمة في إنشاء المدارس الفنية العالية مثل الألسن والطب والهندسة والصيدلة. 
استغل العطار قربه من محمد علي والي مصر، وثقته به، وطلب منه إرسال البعثات إلى أوروبا لتحصيل علمها، وأوصى بتعيين تلميذه رفاعة الطهطاوي إمامًا لأعضاء البعثة العلمية إلى باريس، وأوصى الطهطاوي بأن يفتح عينيه وعقله، وأن يدوِّن يوميات عن رحلته، وهذه اليوميات هي التي نشرها الطهطاوي بعد ذلك في كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".

محرر الوقائع المصرية

وقع عليه الاختيار كأول محرر لأول جريدة عربية مصرية، وهي الوقائع الرسمية التي أنشأها محمد علي سنة 1828 وجعلها لسان حال الحكومة والجريدة الرسمية للدولة، ولعل سر اختياره كأول محرر للوقائع المصرية يكمن وراء جمال أسلوبه في الكتابة.
وكان الشيخ حسن العطار أحد المشاركين الأساسيين في نهضة مصر الحديثة، وكان أول صوتٍ طالَب بإصلاح الأزهر الشريف، وشدد على الإصلاح في الأزهر بقوله: "مَن تأمَّل ما سطَّرناه وما ذكرناه من التصدِّي لتراجم الأئمة الأعلام عرف أنهم مع رسوخ قدَمِهم في العلوم الشرعيَّة والأحكام الدينية لهم اطِّلاع على غيرها من العلوم، حتى في كتب المخالفين في العقائد والفروع، وقد انتهى الحال في زمنٍ وقعنا فيه من تقليد ونقل علوم، وجدنا أنَّ نسبتنا إليهم كنسبة عامَّة زمنهم، فإنَّ قصارى جهدنا هو النقل عنهم دون أنْ نخترع شيئًا من عند أنفسنا، وليتنا نصل إلى هذه المرتبة، بل اقتصرنا على النظر في كتبٍ محصورة".

مصير دعوته لإصلاح الأزهر

لكنه لم يوفق  في إصلاح برامجه وخطط الدراسة فيه كما كان يريد، كان شأنه في ذلك مثل محمد علي الذي خاف من إثارة سخط العلماء، ولكنه نال حظًا كبيرًا من التوفيق في الدعوة إلى إصلاح التعليم بالبلاد كلها، فالمدارس العالية الفنية التي أنشئت بمصر في ذلك العهد كالهندسة والطب والصيدلة، هي استجابة لدعوة العطار وتطلعاته ومناداته بحتمية التغيير للأحوال في البلاد.

الشيخ المجدد حسن العطار، فيتو
الشيخ المجدد حسن العطار، فيتو


كما كانت الكتب التي ترجمت بالمئات في عصر محمد علي، هي الصدى المحقق لأفكار العطار، حين رأى كتب الفرنسيين في الرياضة والعلوم والآداب، وإذا كان الطهطاوي صاحب فضل كبير ويد طولى في حركة ترجمة الكتب في عصر محمد علي، فإنه بلا شك تأثر بآراء وطروحات شيخه العطار، ويدين له بهذا الانفتاح على الآخر وإرسال البعثات العلمية.
وفى عهده حاول أحد الطلاب أن يقتل الطبيب كلوت بك، وهو يمارس تشريح جثة في مشرحة مدرسة الطب بأبي زعبل، فهم بأن يطعنه بخنجره مرتين ولكن الطلاب دافعوا عنه، وحالوا دون أن يصاب بسوء، فوقف شيخ الأزهر "حسن العطار" في امتحان مدرسة الطب يصدع برأي الدين في تعليم الطب، ويشيد بفائدته في تقدم الإنسانية، فكانت هذه الشجاعة في إحقاق الحق بمثابة الفتوى التي اعتُبرت نقطة انطلاق للتعليم الطبي، وذلك بفضل الله على لسانه.
طالب كثيرا بضرورة تغيير مناهج الأزهر، ورسم برنامج هذا التغيير، وأهمية وقيمة العلوم العصرية، وإلى البعد عن الجمود قد آتى ثمرته، وخاصة على يد تلميذه رفاعة الطهطاوي الذي كان رائد النهضة في العصر الحديث.

أقواله عن الإصلاح والتطوير

  "إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها" 
"ومن سَمَتْ هِمته به إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات، وعجائب المصنفات، انكشفت له حقائق كثير من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته إن كانت سليمة في رياض الفهوم".

تلاميذه أشهر منه

منهم: رفاعة الطهطاوي والشيخ حسن قويدر مغربي الأصل والشيخ محمد عياد الطنطاوي والشاعر المصري الشيخ محمد شهاب الدين والذي كان مساعدا له في تحرير الوقائع المصرية وخلفه في إدارتها.

شيخا للأزهر

تولى مشيخة الأزهر في عام 1830م (1246 هـ)، وكان في الخامسة والستين من عمره، وظل شيخًا للأزهر حتى وفاته يوم 22 مارس سنة 1835م (1250 هـ).

قالوا عنه

ذكره المستشرق "فولرز" في دائرة المعارف الإسلامية بقوله:  "وكان العطار رجلًا مستنيرًا، اشتهر بعلمه، وكان أيضًا شاعرًا ناثرًا".
المستشرق كراتشكوفسكي: "لم يكن الشيخ حسن العطار عالمًا فحسب بل وشاعرًا أيضًا". 
ويقول محب الدين الخطيب في كتابه عن "الأزهر": "وكان العطار متضلعًا في العلوم الرياضية فضلًا عن العلوم الشرعية والعربية".
ويقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي: "وكان الشيخ حسن العطار من علماء مصر الأعلام، وامتاز بالتضلع في الأدب وفنونه، والتقدم في العلوم العصرية، وكان هذا نادرًا بين علماء الأزهر".
وقال عنه الجبرتي: "صاحبنا العلامة، وصديقنا الفهامة، المنفرد الآن بالعلوم الحكمية، والمشار إليه في العلوم الأدبية، وصاحب الإنشاء البديع والنظم الذي هو كزهر الربيع, الشيخ حسن العطار".
وقال عنه الطهطاوي: "كان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية. 
وقال عنه على مبارك: "إنه اشتغل بضرائب الفنون والتقاط فوائدها".
وعبد المتعال الصعيدي الذي قال عنه: "لا شك أن موقف الشيخ العطار من العلوم الرياضية بشكلها الجديد يدل على ما كان يمتاز به من مرونة عقلية ودينية، وعلى انه كان في هذا احسن حالًا من أهل الأزهر الذين حاربوها بعده باسم الدين".
وقال عنه الشيخ محمد شهاب الشاعر: "إنَّه كان آيةً في حدَّة النظَر وقوَّة الذَّكاء، وكان يزورنا أحيانًا ليلًا، ويتناول الكتاب دقيق الخط الذي تصعُب قراءته في شدَّة ضوء النهار فيقرؤه على ضوء القمر والسراج الخافت، ويستعير المجلدات الضخمة ويعيدها بعد أسبوعٍ، وقد استوعبها وعلَّق عليها".
وتروى طرفة عن الشيخ حسن العطار، حيث إنه كان ذا ولع بالسماع، فقال ذات يوم: "من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار".

مؤلفاته

ألف العديد من المؤلفات والكتب، ورسائل في قواعد الإعراب والنحو والمنطق والاستعارة وآداب البحث والتشريح والطب.
وله كتاب في الصيدلة ردًا على تذكرة داود الانطاكي، وقد ألف رسائل في "الطب والتشريح"، ولا يزال هذا الكتاب مخطوطًا في مكتبة رواق المغاربة في الجامع الأزهر وفي الهندسة والبلاغة وكيفية عمل الإسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب وإتقان رسم المزاول الليلية والنهارية بيديه ورسائل في الرمل وذلك إلى جانب تصانيفه في العلوم الرياضية والفلكية مع تصانيفه في العلوم الشرعية والعربية، ومنها: حاشية على شرح الأزهرية في النحو.. حاشية على شرح إيساغوجي في المنطق.. شرح تفسير البيضاوي.. حاشية العطار على جمع الجوامع في أصول الفقه.. حاشيته على شرح الآجرومية والسمرقندية.. ديوان العطار.. نبذة في علم الجراحة والطب.


 

 وفاته

توفي، رحمه الله، في 22 مارس 1835م، في القاهرة، وأقيم على قبره ضريح فيه حجرة مربعة تُغطيها قبة صغيرة تعتمد على مقرنصات في الزوايا، وفي الجدار الجنوبي الشرقي يوجد محراب صغير.  
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية