مع الزاهدين.. وكيع بن الجراح
هو أستاذ الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وله مشهد في مصر بشارع الأشراف، في الطريق إلى مسجد ومقام الشافعي.
كان وكيع بن الجراح يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة. وكان أسمر ضخمًا سمينًا، ورغم ضخامة جسمه، ولونه الأسمر، إلا أنه كان مضيء الوجه، بنور الإيمان.. وصفه أحد معاصريه، بالقول: أتينَا وكيعًا فخرج بعد ساعة وعليه ثياب مغسولة، فلما بصرنا به فَزِعنَا من النور الذي رأيناه يتلألأ من وجهه، فقال رجل بجنبي: أهذا ملَك؟ فتعجبنا من ذلك النور.
مولده ونسبه
وكيع بن الجراح بن مَلِيح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي من قبيلة قيس عيلان.
ولد سنة 129هـ، وقيل 128، وروى عنه أنه قال: ولدت بأبة قرية من قرى أصبهان.
قال أحدهم: قدم وكيع مكة وكان سمينًا، فسأله الفضيل بن عياض: ما هذا السمن وأنت راهب العراق؟ قال: هذا من فرحي بالإسلام.
قالوا عنه
قال محمد بن سعد: كان ثقة مأمونًا عالمًا رفيعًا كثير الحديث حجة.
يحيى بن يمان: نظر سفيان إلى عيني وكيع، فقال: ترون هذا الرؤاسي (العظيم الرأْس)؟ لا يموت حتى يكون له شأن.
وقال أيضا: مات سفيان الثوري فجلس وكيع بن الجراح في موضعه.
وقال القعنبي: كنا عند حماد بن زيد سنة سبعين، وكان عنده وكيع، فلما قام قالوا: هذا راوية سفيان: فقال: هذا إن شئتم أرجح من سفيان.
أحمد بن أبي الحواري: سمعت مروان يقول: ما وصف لي أحد إلا رأيته دون الصفة إلا وكيع، فإنه فوق ما وصف لي.
وقال يحيى بن معين: والله ما رأيت أحدًا يحدث لله غير وكيع، وما رأيت رجلًا أحفظ من وكيع، ووكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه.
جرير الرازي: قدم ابن المبارك، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن! من خلفت بالعراق؟ قال: وكيع، قلت: ثم من؟ قال: ثم وكيع.
وقال محمد بن عامر المصيصي: سألت أحمد: وكيع أحب إليك أو يحيى بن سعيد؟ فقال: وكيع، فقلت: كيف فضلته على يحيى، ويحيى ومكانه من العلم والحفظ والإتقان ما قد علمت؟ قال: وكيع كان صديقًا لحفص بن غياث، فلما ولي القضاء هَجَرَهُ، وإن يحيى كان صديقًا لمعاذ بن معاذ فلما ولي القضاء لم يهجره يحيى.
وعن الحافظ عبد الرزاق بن همام، قال: رأيت الثوري، وابن عيينة، ومعمرًا، ومالكًا، ورأيت ورأيت، فما رأت عيناي قط مثل وكيع.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كان وكيع حافظًا حافظًا، ما رأيت مثله.
بشر بن موسى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع.
وقال الذهبي: يقول هذا أحمد مع تحريه وورعه، وقد شاهد الكبار مثل هشيم، وابن عيينة، ويحيى القطان، وأبي يوسف القاضي وأمثالهم.
الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن: سئل أحمد بن حنبل عن وكيع وابن مهدي، فقال: وكيع أكبر في القلب، وعبد الرحمن إمام.
وعن جرير قال: جاءني ابن المبارك، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن! من رجل الكوفة اليوم؟ فسكت عني، ثم قال: رجل المصرين وكيع.
وقال عباس الدوري: ذاكرت أحمد بن حنبل بحديث من حديث شعبة فقال لي: من حدثك بهذا؟ فقلت: شبابة بن سوار. قال: لكن حدثني من لم تر عيناك مثله وكيع بن الجراح.
علي بن عثمان النفيلي: قلت لأحمد بن حنبل: إن أبا قتادة يتكلم في وكيع بن الجراح، وعيسى بن يونس، وابن المبارك فقال: من كذَّب أهل الصدق فهو الكذاب.
وقال أحمد العجلي: وكيع كوفي ثقة عابد صالح أديب من حُفاظ الحديث وكان مفتيًا.
وقال الذهبي: رضي الله عن وكيع وأين مثل وكيع.
وعن يحيى بن أيوب: حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه أن وكيعًا كان لا ينام حتى يقرأ جزأه من كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل، فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر.
وعن أحمد بن سنان قال: رأيت وكيعًا إذا قام في الصلاة ليس يتحرك منه شيء، لا يزول، ولا يميل على رجل دون الأخرى.
يومه
وعن ابنه سفيان: كان أبي يجلس لأصحاب الحديث منذ الصباح الباكر إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف فينام القيلولة، ثم يصلي الظهر، بعدها يهتم بتحفيظ القرآن إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده فيصلي العصر، ثم يجلس يدرس القرآن، ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل منزله، وهو صائم. فيقدم إليه إفطار، وكان يفطر على نحو عشرة أرطال من الطعام، ثم تقدم إليه قرابة فيها نحو من عشرة أرطال من ماء أو نحوه، فيشرب منها ما طاب له على طعامه، يجعلها بين يديه، ثم يقوم فيصلي ورده من الليل كلما صلى شيئًا شرب منها حتى ينفذها ثم ينام.
مظاهر زهده
جاءه رجل يناظره في شيء من أمر المعاش أو الورع، فقال له وكيع: من أين تأكل؟ قال: ميراثًا ورثته عن أبي، قال: من أين هو لأبيك؟ قال: ورثه عن أبيه.
فسأله: من أين هو كان لجدك؟ قال: لا أدري، فقال له وكيع: لو أن رجلًا نذر لا يأكل إلا حلالًا، ولا يلبس إلا حلالًا، ولا يمشي إلا في حلال، لقلنا له: اخلع ثيابك وارم بنفسك في الفرات، ولكن لا تجد إلا السعة.
ثم قال وكيع: لو أن رجلًا بلغ في ترك الدنيا مثل سلمان وأبي ذر وأبي الدرداء ما قلنا له زاهدًا؛ لأن الزٌّهد لا يكون إلا على ترك الحلال المحض، والحلال المحض لا نعرفه اليوم، فالدنيا عندنا حلال وحرام وشبهات، فالحلال حساب، والشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، وخذ منها ما يقيمك، فإن كانت حلالًا كنت قد زهدت فيها، وإن كانت حرامًا كنت قد أخذت منها ما يقيمك؛ لأنه لا يحل من الميتة إلا قدر ما يقيمك، وإن كانت شبهاتٌ كان فيها عتاب يسير.
وروى يحيى بن معين: سمعتُ وكيعا يقول كثيرا: وأي يوم لنا من الموت؟! ورأيته أخذ في كتاب "الزهد" يقرؤه، فلما بلغ حديثا منه، ترك الكتاب، ثم قام، فلم يحدِّث، فلما كان من الغد، وأخذ فيه، بلغ ذلك المكان، قام أيضا، ولم يحدث، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام.

وسئل يحيى: وأي حديث هو؟ قال: حديث "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
وقد عُرض القضاء على وكيع، فامتنع؛ زهدا وورعا.
هذه بعض من مظاهر الزهد لديه، فما بالنا إذا علمنا أن والده كان ناظرا على بيت المال بالكوفة، وله هيبة وجلالة.
وقد ورث وكيع من أمه مائة ألف درهم.
ورعه وخشوعه
قال إبراهيم بن الشماس: لو تمنيت أتمنى عقل ابن المبارك وورعه، وزهد ابن فضيل ورقته، وعبادة وكيع وحفظه.
وقيل عنه أيضا: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع، وكان جهبذا.
وقال عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي وذكر وكيعًا فقال: ما رأيت أحدًا أوعى للعلم منه ولا أحفظ.
وعن بشر بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: ما رأيت رجلًا قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب، مع خشوع وورع.
وعن علي بن خَشرم: ما رأيت بيد وكيع كتابًا قط، إنما هو حفظ، فسألته عن أدوية الحفظ فقال: إن علمتك الدواء استعملته؟ قلت: إي والله. قال: ترك المعاصي، ما جربت مثله للحفظ.
وعن يحيى بن معين قال: ما رأيت أحفظ من وكيع.
وقال إسحاق بن راهويه: حفظي وحفظ ابن المبارك تكلف، وحفظ وكيع أصلي.. قام وكيع، فاستند وحدَّث بسبعمائة حديث حفظًا.
أخلاقه
عن السائب سلم بن جنادة قال: جالست وكيع بن الجراح سبع سنين فما رأيته بزق، وما رأيته مس والله حصاة بيده، وما رأيته جلس مجلسه فتحرك، وما رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله.
وقيل عنه: كان وكيع بن الجراح إذا أراد أن يحدث احتبى، فإذا احتبى سأله أصحاب الحديث، فإذا نزع الحبوة لم يسألوه، وكان إذا حدَّث (روى الحديث النبوي) استقبل القبلة.
ورُوي عن وكيع أن رجلًا أغلظ له فدخل بيتًا فَعَفرَ وجهه، ثم خرج إلى الرجل فقال: زد وكيعًا بذنبه، فلولاه ما سُلطت عليه.
عن سعيد بن عفير قال: أخبرني رجل من أهل هذا الشأن ثقة من أهل المروءة والأدب، قال: جاء رجل إلى وكيع بن الجراح، فقال له: إني أمُتُ بحرمة قال: ما حرمتك؟ قال: كنت تكتب من محبرتي في مجلس الأعمش: قال: فوثب وكيع فدخل منزله فأخرج له صُرةَ فيها دنانير فقال: اعذرني فإني ما أملك غير هذا.
من أقواله
- من لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها لم يكن وقرها.
- من تهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه.
- إنما العاقل من عقل عن الله أمره، وليس من عقل أمر دنياه.
وفاته
روى بعض المؤرخين: مرض وكيع فدخلنا عليه فقال: إن سفيان (الثوري) أتاني فبشرني بجواره فأنا مبادر إليه.
وتوفي وكيع سنة 197هـ يوم عاشوراء، عن عمر يناهز 68 عاما، تقريبا، فدفن ببلدة تسمى فيد، أثناء عودته بعد أداء فريضة الحج.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
