رئيس التحرير
عصام كامل

ولا يصعب على قلبي وعيني إلا فراق الأحباب

في مسرح الحياة، تعرض مسرحيات متنوعة، ونحن كجمهور نشهد فصولها وقد نتحول إلى ممثلين فنشارك في بعضها. ومن أكثر المسرحيات شيوعا، تلك التي تتناول موضوع الفراق، سواء كان فراقا عاطفيا أو فراقا بين الأصدقاء.

 

في الفراق العاطفي، قد يجد أحد الطرفين نفسه وقد تغيرت مشاعره، أو ربما أدرك أن ما كان يظنه حبا لم يكن سوى إعجاب أو احتياج عاطفي. في هذه الحالة، قد يكون الابتعاد هو الخيار الأمثل لكلا الطرفين، ليتسنى لكل منهما إعادة ترتيب مشاعره وفهم ذاته بشكل أفضل.

 

أما في فراق الصداقة، فإن الأمور تختلف. ففي حين أن الفراق العاطفي قد ينبع من مشاعر صادقة، قد يكون فراق الأصدقاء دافعا وراءه المصلحة، سواء كانت مادية أو معنوية.. ففي حالة انتهاء المصلحة المشتركة، قد يختار أحد الطرفين الابتعاد دون سابق إنذار، تاركا وراءه شعورا بالخيانة والارتباك لدى الطرف الآخر.

 

فما هو الموقف المقبول في مثل هذه الحالة؟ هل يسامح من خان صداقة لأجل مصلحة؟ وهل يمنح فرصة ثانية؟ 

في رأيي، إن التسامح مع من خان عاطفة أمر سهل نسبيا.. فالقلب لا يسيطر عليه، ومشاعر الحب قد تتغير بمرور الوقت.. أما التسامح مع من خان صداقة لأجل مصلحة، فهذا أمر مختلف تماما. ففي هذه الحالة، لا يكون دافع الفراق مشاعر صادقة، بل هو حساب دقيق للربح والخسارة.

 

فكيف يمكن الوثوق بمن خان مرة لأجل مصلحة؟ وكيف يمكن ضمان عدم تكراره لفعلته في المستقبل؟ إن البعد عن مثل هذا الشخص هو التصرف الأمثل.. فوجوده في حياتنا قد يشعرنا بعدم الأمان ويفقدنا الثقة بأنفسنا وبالآخرين.

 

فالحياة قصيرة جدا لأن نضيعها مع أشخاص لا يقدرون قيمة الصداقة الحقيقية.. ولنذكر أنفسنا دائما أن الصداقة الحقيقية لا تقاس بالمصلحة، بل تقاس بمشاعر المودة والاحترام والتقدير المتبادلة.. فمن يقدم على خيانة هذه المشاعر لأجل مصلحة عابرة، لا يستحق مكانا في قلوبنا أو في حياتنا.

 جرح عميق يصعب التئامه

وفي المقابل، فإن خسارة الصديق الحقيقي تمثل جرحا عميقا يصعب التئامه، وتترك ندوبا عميقة على الروح.. فالصديق الحقيقي هو السند والعون، هو المرآة التي نرى فيها عيوبنا ومحاسننا، هو من نلجأ إليه في أوقات الشدة والرخاء، ونشارك معه أفراحنا وأحزاننا دون خوف أو وجل.


فقدان هذا الصديق يفقدنا شعورا بالأمان والاستقرار، ويخلف فراغا هائلا لا يمكن ملؤه بسهولة. فالأصدقاء الحقيقيون قلائل، ووجودهم في حياتنا ثروة لا تقدر بثمن.

 

 

مشاعر الحزن والألم التي تصيبنا عند فقدان صديق حقيقي تفوق بكثير مشاعر الحزن التي نشعر بها عند فقدان شخص كنا مرتبطين به عاطفيا.. فالعلاقة العاطفية، مهما كانت عميقة، تبقى محصورة بين طرفين، بينما الصداقة الحقيقية تشكل شبكة من العلاقات والدعم تحيط بنا وتغمرنا بدفئها.. فقدان الصديق الحقيقي يشبه فقدان جزء منا، وفقدان شعور بالأمان والحب الذي لا يمكن تعويضه.

الجريدة الرسمية