وقت الانقسام
الحروب اختبار قاس صادق، شديد القسوة شديد الصدق، عنيف شديد العنف، تختبر فيه القيادات السياسية والعسكرية على السواء لأى دولة، ناهيك عن وطأتها وتكاليفها البشرية والمادية الباهظة، وأصعب وأخطر من هذا كله أن يقع خلاف وانقسام بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، وفى نهاية الأمر فإن قرار الحرب هو في الاصل قرار سياسي، ولابد من خضوع القيادة العسكرية للقرار السياسي..
وفى حالة الدولة الاسرائيلية، تكشفت حالة عدم الثقة بين القيادتين، وبات واضحا للجيش الاسرائيلي أنه يدفع من دماء الجنود والرهائن ثمن استمرار نتنياهو على رأس حكومة المتطرفين، ولقد إنتقل الانقسام من مجلس الحرب المصغر إلى مجلس الوزراء المصغر.
والحق أن نتنياهو نجح ببراعة في احداث أخطر صدع وأعمق شرخ في العلاقة بين الدولة المصطنعة والدولة الراعية، بين إسرائيل وأمريكا، كما نجح في اظهار الولايات المتحدة وهى القوة الكبرى، عاجزة عن كبح جماح الحيوان المسعور الذي ترعاه!
و تنقسم اسرائيل في الشارع، حيث عشرات الألوف يخرجون منادين باقالة نتنياهو واجراء انتخابات مبكرة وليتعمق انقسامها ولتتفتت وتغور، لكن يحزننا أن تلوح بوادر انقسام علنى بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين قيادات حماس، في وقت المحنة والبؤس العظيم.
سبب الانقسام ليس فقط قرار الرئيس الفلسطيني بتعيين رئيس حكومة تكنوقراط، الدكتور محمد مصطفى بل هو سابق على ذلك بعقود منذ اتفاقات أوسلو، ورفض حماس الاعتراف بها وبإسرائيل.
توقيت تعيين محمد مصطفى تراه حماس في إطار رغبة الغرب في إجراء اصلاحات هيكلية في الحكم برام الله، تمهيدا لتمكين السلطة من حكم غزة والضفة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، على أن تتحول حماس إلى حزب سياسي، يخوض الانتخابات، ينجح فيحكم، يسقط فيعارض، كأي عملية ديمقراطية.
انقسامات وخسائر
إتهمت حماس السلطة الأم، في رام الله بالانفراد بالقرار، وردت السلطة بأن حماس لم تأخذ رأي السلطة حين بدأت مغامرتها يوم السابع من أكتوبر وجلبت النكبة وأعادت إحتلال غزة، وهذه المكاشفة الصارخة هى في جانب كبير منها اعلان عن عدم الرضا عما جري، هجوما من حماس، وثمنا فادحا تدفعه غزة موتا ودمارا وجوعا وخوفا ومرضا وإبادة. ونلاحظ استخدام لفظ مغامرة، وليس عملية 7 أكتوبر.
هذه الحرب غير المتكافئة، مع شئ من التبصر والتأمل، تعد كاشفة لكل الانقسامات، فهى جردت الجيش الاسرائيلي من هيبته ومن ملابسه، كما كشفت خلل بنيته التجنيدية، والصدع العميق في المجتمع الاسرائيلي، حيث شباب يجند، وشباب متطرف دينيا يحرم التجنيد (الحريديم).
وهي كاشفة أيضا لأنها فضحت إسرائيل أمام العالم كله، حكومات وشعوبا، وباتت صورتها نازية بامتياز، وأحرجت راعيتها وسيدتها الأولى واشنطن بأن تحدت القرار الأمريكي وأضعفت المركز الانتخابي للرئيس بايدن في سنة عصيبة يواجه فيها خصما جامحا متلهفا علي السلطة، الرئيس السابق دونالد ترامب..
بل إن من اعضاء الكونجرس من صار يتحدث عن تجميد توريد السلاح لاسرائيل.. مهما قالت أمريكا من إدانات للفظائع الاسرائيلية فإن العالم لايصدق أنها تعنى حقا ما تقوله، فهي مع تدمير حماس وهزيمتها، بثمن أقل من أرواح المدنيين!
في التحليل النهائي فإن اسرائيل تريد إعلان الانتصار، وحماس تريد إعلان الانتصار، وكلاهما يضغط، والجوع يفتك بمليون و300 ألف أدمي، وأمريكا تريد انتصارا سياسيا يجمل وجهها القبيح، ومع كل هذه النوايا فأن أحدا لن يفوز بهذه الحرب، فاسرائيل تخسرها وحتى لو حصلت على الرهائن بالتفاوض فإنها لن تجرؤ على إعلان الانتصار، وحماس لن تجرؤ على إعلان الانتصار، لأنها حصلت على انقاض، بشر وحجر.. كل الأطراف خاسرة، الإ الشيطان ابليس وإبنه الشرعي نتنياهو!