رئيس التحرير
عصام كامل

لعبة الجواسيس.. الشفرة السحرية لحسم الحرب الباردة بين أمريكا والصين.. الصين تتفوق ببدء مراقبة وتجنيد عملائها منذ المرحلة الجامعية

الحرب الباردة بين
الحرب الباردة بين أمريكا والصين

لا تنتهى الصراعات بين الولايات المتحدة والصين، إذ وصلت إلى مرحلة اللا عودة، بعد أن وصل التنين الصينى إلى قدرات تعتبرها أمريكا أمرا يهدد ريادتها وتفردها بإدارة العالم، لم يتوقف فقط على المجالات الصناعية والتجارية أو حتى العسكرية، بل تدور حرب شرسة حاليا فى التنافس الاستخبارى بين البلدين.

وترجمت أمريكا وحلفاؤها لعبة الجواسيس من خلال تحجيم شركة الاتصالات الصينية هواوى ومحاولة منعها من اختراق الأسواق العالمية، إذ قامت بفرض عقوبات عليها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، إذ تعرض الطلاب والموظفون الصينيون فى دول الغرب خاصة أمريكا وكندا للاعتقال من قبل السلطات على خلفية تهم تجسس، إلا أن الحكومة الصينية اعتبرت ذلك استهدافا متعمدًا لمواطنيها لتقييد حريتهم.

Advertisements

وفى هذا السياق أظهر تحقيق أمنى ووثائق تابعة لوكالة المخابرات الكندية أن عالمين كنديين من أصل صينى كانا يعملان فى أكبر مختبر للأحياء الدقيقة فى كندا، وقاما بـ”تمرير معلومات علمية سرية إلى الصين، أحدها يمثل تهديدا واقعيا وموثوقا للأمن الاقتصادى الكندي”.

وأوضحت الوثائق أن مجلس العموم الكندى تلقى مئات الصفحات من التقارير المتعلقة بالباحثين «شيانغو كاى»، وزوجها كيدينغ تشينغ، وهما اللذان ولدا وتزوجا بالصين.

يقول الدكتور عماد الأزرق، مدير مركز التحرير للدراسات والبحوث المتخصص فى الشأن الصينى، إنه لا يمكن الجزم بأن التقارير التى تكشف عنها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بشأن الجواسيس الصينيين صحيحة.

وأضاف عماد الأزرق: “أن هناك العديد من الدول الأوروبية وأمريكا وكندا تزعم بين الحين والآخر إلقاء القبض على جواسيس، وأغلبهم من مسئولى شركة هواوى الصينية”.

وأوضح أن ذلك جزء من الحرب الإعلامية والنفسية التى تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب ضد الصين، من أجل تشويه سمعتها وصورتها فى العالم وترهيب الدول من التعاون معها.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحاول التنصل من الانتهاكات والكوارث التى تسببت بها فى العديد من مناطق العالم ورغبتها فى ترميم صورتها التى أصبحت سيئة أمام الكثير من الدول، وليس أمامها إلا محاولة شيطنة الصين وتصديرها على أنها العدو الأكبر والشبح الذى يهدد العالم.

وأكد «الأزرق» أن الصين نجحت فى تحقيق تقدم كبير فى كثير من الملفات والقطاعات سواء الصناعة أو التجارة أو التقدم التكنولوجى ما تسبب فى إعلان واشنطن أن بكين عدوها الاستراتيجى.

ونوه إلى أن التقدم التكنولوجى الكبير الذى حققته الصين كان سببا رئيسيا فى تطور أجهزتها الاستخباراتية والأمنية بصورة لا تقل كفاءة عن الولايات المتحدة الأمريكية، متخطية العديد من دول العالم.

وتابع: “الصين تستخدم قدراتها الأمنية والاستخباراتية لحماية أمنها القومى وصد أى اعتداء على أراضيها وسيادتها، وهو ما أكدته بكين على مدار تاريخها الطويل”.

وقال عماد الأزرق، إن السياسة الخارجية الصينية تقوم على مبادئ عديدة من ضمنها عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول وعدم الدخول فى صراعات مع الدول وحل الأزمات من خلال التفاوض.

وأضاف أن الصين تقوى نفوذها ليس من خلال التدخل العسكرى أو فرض إملاءاتها على الدول الأخرى، وإنما على مبدأ التعاون وزيادة المنفعة المشتركة مع الدول الأخرى.

واستطرد: “الصين ترى فى سياستها الخارجية أن السلام هو مفتاح التعاون التجارى والتنمية والتعاون المتبادل مع العديد من دول العالم، وذلك على عكس الاقتصاد الأمريكى الذى يقوم على التجارة العسكرية وتغذية الصراعات وتفتيت أقاليم العالم للسيطرة على خيراتها ونهبها دون وجه حق”.

وذكر الأزرق أن النفوذ الصينى تزايد فى العديد من مناطق العالم بسبب السياسات المعتدلة التى تنتهجها الصين فى تعاملها مع دول العالم، وهو ما يمنحها فرصة قوية للتدخل فى الكثير من الأزمات وإنهائها كما حدث فى المصالحة السعودية الإيرانية، ما حفز العديد من دول العالم على الذهاب إلى بكين لتصبح طرفا فاعلا فى الأزمات الدولية بسبب سياستها المعتدلة التى تقوم على احترام القانون الدولى.

واستطاعت الصين أن تخلق تواجدا قويا فى أفريقيا، وذلك من خلال الاعتماد على سياسة المنفعة المتبادلة والتعاون المشترك، بما يعود على جميع الدول بالفائدة.

وأضاف أن الدول الأفريقية هى الأقل نموا فى العالم، وهى الأقل تقدما، ومن أجل النهوض تحتاج إلى إقامة مشروعات بنية تحتية وطرق وموانى للبدء فى مسيرة التنمية والنهوض.

واستكمل: عندما ذهبت الدول الأفريقية على مدار العقود الماضية إلى أوروبا وأمريكا للحصول على قروض لإقامة مشروعات استثمارية اصطدمت بالديون والفوائد الكبيرة، وهو ما دفعها للاتجاه إلى الصين.

وفى السياق ذاته، قالت الدكتورة نادية حلمى الخبيرة فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية، وأستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف، إن الصراع الاستخباراتى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تعدد الوكالات الاستخباراتية الرسمية الصينية وتنوع أنشطتها، واتباع العديد من التكتيكات غير المألوفة لأجهزة الاستخبارات الصينية فى مواجهة نظيرتها الأمريكية، والتى تعد أحد أكثر أجهزة المخابرات فى العالم كفاءة وتعقيدًا.

وأضافت نادية حلمى، أن أسباب نجاح هذا الاختراق الاستخباراتى الصينى للمجتمع الأمريكى ذاته، يرجع بالأساس إلى وجود أكثر من ١٧ مليون أمريكى من أصول آسيوية، بينهم أربعة ملايين من أصول صينية، بالإضافة إلى شبكة هائلة من الشركات الوهمية وشركات الواجهة للصين، يبلغ عددها قرابة ثلاثة آلاف شركة صينية تحت مسميات مختلفة، وغالبًا لا تتبع حكومة بكين بشكل مباشر.

وتابعت: “تأخذ العمليات الاستخباراتية الصينية العلامة التجارية رقم (٧) المميزة للعمل الاستخباراتى الصينى، والذى لا يعتمد فقط على تجنيد العملاء المؤثرين للحصول على معلومات مباشرة وحساسة، بقدر ما يعتمد على إغراق أجهزة الاستخبارات الأجنبية وأجهزة مكافحة التجسس الأخرى الخصمة بالآلاف من عمليات التجسس صغيرة النطاق التى يبدو الكثير منها بلا قيمة.

ولكن المحصلة النهائية التجسسية للصين على أعدائها تعد هى مجموع ما تم استخلاصه من تلك العمليات الاستخباراتية والتجسسية البطيئة والمعقدة، وهو ما يعرف بالصينية بتقليد “غوانسكي”، والذى يعود جذوره إلى قرون طويلة، ويعنى استغلال شبكات العلاقات الشخصية البطيئة والقوية للعملاء الصينيين للتأثير على الأحداث والحصول على المعلومات.

واستطردت: تقوم وزارة أمن الدولة الصينية بعمل جهاز الاستخبارات الوطنى لبكين، عبر الدمج بين عدة إدارات وأقسام، أبرزها: إدارة التحقيقات المركزية، ووحدات التجسس فى وزارة الأمن العام وغيرها، إذ أصبحت وزارة أمن الدولة الصينية فى منزلة جهاز الاستخبارات المدنى الرئيسى للصين، ويعمل تحت إشرافها جميع الهياكل الاستخباراتية الرسمية وغير الرسمية فى البلاد، باستثناء جيش التحرير الشعبى الصينى، والذى حافظ على جهازه الخاص للاستخبارات العسكرية.

وأضافت أنها تخضع مباشرة لإشراف الحزب الشيوعى الصينى وليس تحت السيطرة المباشرة للحكومة، وتعد أخطر إدارتين تديرهما الاستخبارات العسكرية الصينية، هما إدارة الاتصال الدولية التابعة للإدارة السياسية العامة لجيش التحرير الشعبى، وجبهة العمل المتحدة، وهى هيئة تابعة بشكل مباشر لإشراف الحزب الشيوعى الصينى.

وقالت نادية حلمى إن عمل المخابرات العسكرية فى الصين، يتلخص فيما يعرف بـ«المكتب الثالث»، والذى تتركز مهمته كذلك فى إعداد والإشراف على اختيار وتشغيل الملحقين العسكريين الصينيين فى السفارات الخارجية، وتدريبهم على جمع المعلومات الاستخباراتية، ولذلك تركز الاستخبارات العسكرية الأمريكية على كافة العاملين فى الملحقية العسكرية الصينية لديها، وتتهمهم على الدوام بالتورط فى أنشطة استخباراتية سرية.

واستكملت: هذا ما يحسب لصالح المكتب الثالث للاستخبارات العسكرية الصينية ونجاحه فى تطوير أساليب جديدة ومبتكرة، وتحقيق تقدم فى اختراق كافة وكالات الاستخبارات الأجنبية ومؤسساتها العسكرية والدفاعية، ولاسيما داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

أضافت: استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية عدة شركات صينية، واتهمتها باستخدامها من جانب بكين داخل الولايات المتحدة الأمريكية لتجنيد شركات أمريكية عسكرية للحصول على تكنولوجيا أمريكية مدنية ناشئة للأغراض العسكرية.

وتدير وزارة أمن الدولة الصينية كافة عملياتها الاستخباراتية اعتمادًا على وحدات العمل لعملائها، والمعروفة باسم “شبكات عمل دانوى”.

وغالبًا ما تقوم “وزارة أمن الدولة الصينية” بالبدء فى مراقبة وتجنيد ضباطها منذ المرحلة الجامعية، حيث يأتى معظمهم من طلاب جامعة بكين للعلاقات الدولية، ويعد هذا هو السبب الجوهرى فى التفوق الاستخباراتى للصين بسبب نهجها المبتكر لتجنيد ضباط الاستخبارات فى المراحل الجامعية من أجل اختيار المؤهلين بشكل أدق، فضلًا عن فحص خلفياتهم ومدى اتصالاتهم بجهات أجنبية أو سفرهم لفترة للإقامة فى الخارج.

كما تركز وزارة أمن الدولة الصينية على إتقان شبكة عملائها للغات الأجنبية، من خلال إدارتها لمدرسة مكثفة لتعليم اللغات للضباط، بخلاف وضعهم لفترة طويلة تحت رقابة قسم خاص للأمن الداخلى يعرف بالمكتب التاسع.

 

الجريدة الرسمية