رئيس التحرير
عصام كامل

هكذا تعلمنا بغير دروس خصوصية!

فارق كبير بين التعليم في يومنا هذا وبين تعليم زمان، فقد كانت المدرسة زمان ملاذًا نحبه ونسعى إليه؛ لأننا ببساطة كنا نجد فيه أنفسنا ونمارس فيه هواياتنا وأنشطتنا الرياضية والموسيقية التي كانت الوزارة تحرص عليها أشد الحرص، ولا تتهاون مع أي تقصير في أدائها بأفضل صورة ممكنة..

وكان ما يتقاضاه المدرسون من رواتب يكفيهم ومن ثم فلم تكن لهم حاجة للدروس الخصوصية التي استشرت وتوحشت في أيامنا بدرجة لا تستطيع الوزارة وقفها.


معلمو زمان كانوا قدوة بحق، يبذلون أقصى جهدهم لإفهام تلاميذهم وتوصيل المعلومة لهم ببساطة واقتدار.. ومن ثم كان الغياب أو الانقطاع عن الدراسة أمرًا نادرًا وربما مستحيلًا فقد كانت المدرسة مكانًا محببًا لقلوب طلابها، ولم يكن في قاموسنا وقتها مصطلح الدروس الخصوصية.. وكان لضعاف المستوى من الطلاب مجموعات تقوية مجانية طواعية.. 

 

وكانت مدارس ذلك الزمان عامرة بمعامل كيمياء وأحياء ومسارح وحجرات اقتصاد منزلي تتولى تصنيع الزبادي وتشكيل رسومات وتقديم عروض فنية وأنشطة وترعى الموهوبين والمبدعين من الطلاب.. 

 

وهو ما يفسر لنا لماذا تخرجت فيها قمم عالمية مثل أحمد زويل ومجدي يعقوب وفاروق الباز ومصطفى مشرفة وغيرهم من نجوم زاهرة كانت عماد القوى الناعمة لمصر، وخير سفير لها في الخارج.. وبفضلهم كنا روادًا في الفن والأدب والثقافة، وقِبلة للعلم. 

 

وبعد الابتدائية التحقت بالمرحلة الإعدادية بمدرسة أحمد عرابي وفيها حصلت على أعلى الدرجات التي أهلتني للقبول بالمدرسة الثانوية العسكرية بالزقازيق وكان مديرها جودة بك آية في الحسم والانضباط والنظام ودقة المواعيد؛ فلم يتخلف يومًا عن الحضور قبل طابور الصباح.. 

تصحيح مسار

ولم يكن يقبل بتأخر المدرسين أو غيابهم عن حصصهم الدراسية.. خلافًا لما نراه اليوم في كثير من المدارس التى يغيب عنها أغلب طلاب الشهادات الإعدادية والثانوية من أول يوم دراسي، ولا يهتم أغلب المدرسين إلا بالدروس الخصوصية في السناتر والأماكن الخارجية.


ومضى قطار العمر حتى حصلت على الثانوية العامة بمجموع كبير رشحنى لكلية الآداب عبر مكتب التنسيق.. لكنني  فضلت دراسة الصحافة والإعلام، وبالفعل تقدمت بأوراقي لمعهد الإعلام بجامعة القاهرة الذي جرى إنشاؤه عام 1971، بديلًا لقسم الصحافة والنشر بكلية آداب القاهرة.. 

 

ولم يكن هذا المعهد الوليد يكتفي بالمجموع العالي بل كان يشترط اجتياز اختبارات شفوية وتحريرية يعقدها أساتذة وإعلاميون وصحفيون وشخصيات عامة لها وزنها، أذكر منهم مثلًا أنيس منصور وكمال عبدالرءوف وجلال الدين الحمامصي، والدكتور جمال العطيفي والدكتور ابراهيم إمام والدكتور عزالدين فودة والدكتور حامد ربيع.. 

 

وبالفعل اجتزت كل هذه الاختبارات مع زملاء آخرين، أذكر منهم عماد الدين أديب وعمرو عبدالسميع والدكتورة ليلى عبد المجيد والدكتورة نجوى كامل، والدكتور مرعي زايد، وعبدالله السناوي وثناء الكراس وحمدين صباحي.. 

 

ورغم أنني تخرجت عام 1976 لكننى ما زلت أذكر أبناء دفعتى كلهم الذين كان عددهم 55 طالبًا فقط، وقد اشتغل معظمهم بالصحافة والعلاقات العامة والسلك الدبلوماسي وبعضهم سفراء مرموقون.

 
وفي معهد الإعلام تعلمت فنون الصحافة وطرفًا من علوم السياسة والاجتماع، وقد إحتل المعهد في بدايته طابقًا كاملًا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم تحول إلى كلية للإعلام انضمت لمنظومة تنسيق الجامعات.. 

 

لتقدم مقررات متنوعة، إلى جانب المواد الإعلامية، مثل التشريعات الإعلامية والإحصاء والعلوم السياسية والاجتماعية وتتلمذت على أيدي أساتذة كبار بينهم الكاتب الصحفى الكبير جلال الدين الحمامصي والدكتور عبد الملك عودة والدكتور حامد ربيع والدكتور جمال العطيفى (وزير الإعلام فيما بعد) وغيرهم من القمم والقامات الأكاديمية والمهنية.. 

 

ورغم أن خريجي الكلية على أفضل مستوى من الفهم وامتلاك ناصية التكنولوجيا العصرية لكن معظمهم لا يجد للأسف فرصة عمل في تخصصه، في وقت يزاحمهم فيه آخرون من غير أهل التخصص؛ حتى أنك تجد لاعب كرة مشهورًا أو حتى موظفًا وقد أصبح مذيعا أو صاحب برنامج تليفزيوني أو صاحب قناة فضائية.. 

 

 

فهل المنظومة الإعلامية قادرة على تصويب المسار وإسناد الأمر إلى أهل التخصص القادرين على جذب مزيد من الجمهور بوجوه مقبولة وأسلوب علمي يملك أدوات عصرية تساير التطور وتلبي حاجة الناس للمعرفة والتنوير؟!

Advertisements

الجريدة الرسمية