رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

كثير من الفنانين بضاعة جاذبة أتلفتها السياسة!

استكمالًا لمقالي السابق الذي تناولت فيه التاريخ الطويل للفنانين في دعم وموالاة الحكام على مر العصور في مصر وأشكال هذا الدعم سواء بإعلان التأييد والمناصرة بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال عمل فني، خاصة الأغاني منذ كوكب الشرق أم كلثوم وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والعندليب عبد الحليم حافظ حتى وقتنا الحالي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.. 

 

وتقاطر الدعم والتزكيات من قبل عدد كبير من الفنانين للمرشح المحتمل الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدة طرق، منها الصحافة ووسائل الإعلام بكافة أنواعها أو بواسطة الوسيلة الأكثر فاعلية وانتشارًا وتأثيرًا السوشيال ميديا، فإنني سأتعرض في مقال اليوم إلى تاريخ العلاقة الشائكة والحساسة بين الفنانين والسياسة وكيف أثر وتأثر كل منهما بالآخر.

Advertisements


تجاذب وتنافر


العلاقة بين الفن والفنانين والسياسة في هوليوود تبدو أكثر وضوحًا وعمقًا وأثرًا وتأثيرًا متبادلًا من نظيرتها في عالمنا العربي، حيث أن الظروف والأجواء المحيطة والتاريخ والثقافة المجتمعية تسمح بمساحات واسعة من الحرية وتقبل الآخر والنقد.. 

 

الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى حد التجريح والتشويه والهدم أيضًا! دون أن يتم معاقبة الفنان بمنع عرض أعماله أو إقامة حفلاته أو نشر  أخباره في الصحافة ولا إيذاءه معنويًا أو ماديًا  أو قد يضطر إلى دفع فاتورة مواقفه السياسية غاليًا مثلما يحدث في بلادنا العربية!


وليس هناك من دلائل على صحة كلامي من الانتقادات الحادة واللاذعة جدًا التي تلقاها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من نجوم هوليوود ومازال، بحيث أصبح أكثر الرؤساء تعرضًا للانتقادات في التاريخ متفوقًا على الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بطل فضيحة ووترجيت جيت الشهيرة أوائل سبعينيات القرن الماضي! 

 

فقد وصفه النجم القدير روبرت دي نيرو بأنه خاسر وفاشل ونفسه يكون زعيم عصابة !، وقال عنه النجم شون بين إنه عدو لكل الأمريكيين وعدو للبشرية! ونعته النجم جورج كلوني بالفاشي والانتهازي وكاره الأجانب!  

 

وبهذا الشكل تحولت العلاقة القديمة القائمة منذ الخمسينيات بين البيت الأبيض وهوليوود إلى علاقة تنافر وتصادم بعد أن كانت دومًا علاقة تكاملية وتعاونية وإيجابية!. ثم إلى علاقة حيادية وعادية ومتوازنة في ولاية الرئيس الحالي جو بايدن.


أما في مصرنا الحبيبة فكما أكدنا فيما سبق على تطور العلاقة بين السلطة والفن والفنانين بشكل كبير خاصةً في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان أكثر الزعماء استخدامًا للفن والفنانين لمساندة ودعم سياساته وتوجهاته ومغامراته ومشاريعه.. 

 

سواء من خلال أغنيات كبار المطربين أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وحليم أو كبار الممثلين مثل اسماعيل ياسين وسلسلة الأفلام التي تبدأ باسمه.. اسماعيل ياسين في الأسطول، في الجيش، في الطيران أو فريد شوقي عندما كلفه بعمل فيلم بورسعيد عن العدوان الثلاثي أو عندما أمر بفيلم رد قلبي لتشويه العهد الملكي وتعظيم حركة الضباط الأحرار عام 1952! 

 

ومن ثم كان الفن والفنانين أدوات في يدي الحاكم وليس مسموح لهم بالتعبير عن آرائهم السياسية لا عن طريق الإعلام الذي تركز تمامًا في يديها ولا من خلال أعمالهم الفنية ومن هذا المنطلق تم في عهد عبد الناصر منع عرض مجموعة من الأفلام تحمل أفكارًا مناهضة للحكم منها.. شيء من الخوف قبل إجازته بعد ذلك، ميرامار لورود جملة 'طز في الاتحاد الاشتراكي' على لسان أحد أبطال الفيلم، باب الحديد لمساندته للقضية العمالية في وقت ثورة عمال كفر الدوار واستشهاد إثنين منهم!
أبناء الصمت وظلال على الجانب الآخر لتشويهما المجتمع بعد هزيمة ٦٧!


ضحايا السياسة


واستمر هذا الأسلوب في المنع لمعاقبة الفنانين في عهدي السادات ومبارك وإن جاء الأخير أكثر مرونة وتفتحًا عن سابقيه! فلم يمنع أو يوقف عرض أفلام إلا في حالات محدودة جدًا، كان أبرزها فيلم ناجي العلي عام 1992 بطولة العظيم نور الشريف وإخراج الرائع عاطف الطيب.. 

 

وذلك لتناوله حياة رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، الذي اشتهر بنقده الساخر اللاذع للحكام العرب في رسوماته مما أدى إلى اغتياله في لندن عام 1987! وقد دفع هذا الفيلم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى المجيء للقاهرة طالبًا من الرئيس مبارك وقف عرض الفيلم! 

 

وهو ماحدث بالفعل وعلى أثره شن الكاتب إبراهيم سعدة حملة ضارية على نور الشريف ومنع نشر أخباره في جريدته الأخبار وكذلك منعت أعمال الشريف من العرض في التليفزيون وفي بعض الدول العربية الأخرى. وتم اتهامه بالعمالة لأمريكا! 

 

وظل نور الشريف بلا عمل في بيته لأكثر من عام كامل وكاد يعتزل الفن! وكشف لي الفنان الراحل على أن عدد من القوى السياسية طالبته كثيرًا بالترشح لمجلس الشعب ولكنه رفض مؤكدًا وأنا مؤيدًا لهذا الرأي أن الفنان لا يجب أن يدخل معترك السياسة وألاعيبها وتقلباتها والا سيفقد نجوميته وشعبيته وثقة جمهوره فيه.. 

 

ولكن ليس معنى ذلك ألا يعبر عن أرائه وقناعاته السياسية وينتقد السلبيات في المجتمع من خلال أعماله واختياراته الفنية، وهو ما فعله وكان دومًا يفعله الشريف عبر سلسلة من أفلامه مثل.. سواق الأتوبيس، أهل القمة، كتيبة الإعدام، الحقونا، زمن حاتم زهران وغيرها.


ومن أكثر النجوم أيضًا تعبيرًا عن رؤيته السياسية والاجتماعية الزعيم عادل إمام من خلال سلسلة أفلامه مع الثنائي وحيد حامد وشريف عرفة.. اللعب مع الكبار، الإرهاب والكباب، المنسي، طيور الظلام بالإضافة إلى الإرهابي مع نادر جلال ولينين الرملي، مما جعله مهددًا بالاغتيال في تلك الفترة من الجماعات الإسلامية!


ومن الفنانين الذين امتهنوا مهنة السياسة وأخذت من رصيدهم الفني ولم يحققوا فيها مثل نجاحاتهم الفنية.. حسين صدقي الذي انتخب نائبًا في مجلس الأمة عام 1961، وحمدي أحمد أصبح عضوًا في مجلس الشعب بالانتخاب عن دائرة بولاق عام1987، كما تم تعيين عدد من الفنانين الكبار بمجلس الشوري ثم الشيوخ منهم.. محمود المليحي، محمد عبد الوهاب، مديحة يسري، أمينة رزق، وأخيرًا يحيى الفخراني وسميرة عبد العزيز.


أخيرًا ولأن السياسة لعبة خطيرة وغير مأمونة العواقب ولا يصلح لها إلا من لديهم سمات معينة خاصة جدًا وبالتأكيد ليس من بينهم أهل الفن إلا في حالات نادرة مثل الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان الذي تولى المسؤولية لمدتين رئاستين وحاكم كاليفورنيا لفترتين أيضًا أرنولد شوارزنيجر..

 

في حين أن رئيس أوكرانيا الحالي فلاوديمير زيلينسكي الممثل الكوميدي السابق أدت سياسته إلى شن روسيا لحرب مدمرة على بلاده منذ مارس الماضي!، وعلى المستوى المحلي دفع عدد من الفنانين ضريبة باهظة للإعلان عن ميولهم السياسية المعارضة بشكل مفاجئ! 

 

 

حيث لم يعرف عنهم أي نشاطات أو أراء سياسية قبل أحداث يناير 2011 ثم ثورة 30يونيو2013، حيث أضطر بعضهم إلى الفرار إلى تركيا دون أن يطلب منهم أحد ذلك مثل هشام عبد الحميد وهشام عبد الله ومحمد شومان، والبعض الآخر هاجر إلى الولايات المتحدة مثل عمرو واكد وخالد أبو النجا وبسمة التي ابتعدت عن الفن لعدة سنوات بعد زواجها من الكاتب المعارض عمرو حمزاوي قبل طلاقها وعودتها للتمثيل مرة أخرى ولكن فاقدة لجزء كبير من نجوميتها وبريقها السابقين!

الجريدة الرسمية