رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

متى يعلن الفنان اعتزاله أسوةً بلاعبي الكرة؟

جرت العادة والعرف أن يبدأ العد التنازلي للوقت والساعة التي سيعلن الاعتزال فيها لاعبو كرة القدم أو لاعبو الرياضات الجماعية مثل كرة اليد أو السلة أو الكرة الطائرة وبعض الألعاب الرياضية الأخرى، مع دخولهم عامهم الثلاثين حيث يقل المستوى اللياقي البدني والذهني ومعدلات القوة والقدرة على الالتحامات بالتدريج، ولكن كل هذه الأشياء تختلف من شخص لأخر بنسب مختلفة..

 

ولكن هذا لا يمنع من وجود استثناءات وحالات شاذة مع لاعبين أفذاذ عمروا في الملاعب لسن متقدمة في مجال كرة القدم تحديدًا، مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي مازال يبدع وقد اقترب من سن الـ 40، والحارس الإيطالي الشهير بوفون الذي اعتزل مؤخرًا وعمره 45 عامًا وعلى المستوى المحلي ظل الحارسان عصام الحضري ومحمد عبد المنصف في العطاء حتى سن 46عامًا، والهداف التاريخي لمنتخب مصر حسام حسن لعب حتى سن 42..

Advertisements

 

ومن ثم طالما الرياضي قادر على العطاء بقوة ويضيف لفريقه فليستمر ولكن من الأفضل والأكرم له أن يختار الوقت المناسب لاعتزاله وهو في أوج عطائه، حتى يحافظ على صورته المشرقة والناجحة دائمًا في وجدان الجماهير، قبل أن تضطره نفس هذه الجماهير إلى الاعتزال قسرًا بفعل تراجع المستوى والعطاء بشدة وهنا تكمن المشكلة والأزمة وقد يفقد اللاعب النجم مكانته وصورته البراقة عند محبيه وجمهوره إلى الأبد! ولكن وفي مجال الفن والتمثيل تحديدًا هل هناك سن أو وقت معين لاعتزال الفنان؟

العطاء والتأثير المقياس


لا جدال أنه لا يوجد سن معين أو محدد للفنان يجب عليه فيه الانسحاب من الساحة واعتزال الفن نهائيًا، فهو لا ينطبق عليه نفس المعايير المعمول بها لدى الرياضيين وإن تشابه الجانبان في عامل مشترك هو الأهم على الإطلاق ألا وهو القدرة على العطاء والتأثير بشكل واضح..

 

فطالما كان الفنان في كل مجالات الفن وفي التمثيل بصفة خاصة يمتلك القدرة والقوة على العطاء والإبداع والتأثير والإضافة في كل عمل يقدمه للجمهور وطالما كان حاضرًا ذهنيًا وفنيًا وإبداعيًا، وليس مجرد رقم في منظومة العمل الفني لا وجود حقيقي له ولا هناك تفاعل بينه وبين الجمهور، فإن وجوده مطلوبًا ومحمودًا حتى أخر لحظة في حياته والأمثلة على ذلك كثيرة.. 

 

فعلى المستوى العالمي نذكر أسطورة هوليوود الراحل مارلون براندو أحد أفضل الفنانين في التاريخ صاحب جائزتي الأوسكار والذي ظل يبدع حتى رحيله عام 2004، والسير أنطوني هوبكنز الذي نال الأوسكار الثانية أيضًا وهو في سن82 عن فيلم The Father، وكذلك نذكر النجمين الكبيرين أل باتشينو وروبرت دي نيرو الذين مازالا يتألقان ويبدعان بقوة حتى الآن بأدوار البطولة الأولى..

 
ولكن لا شك أن الظروف المواتية والنظرة الإيجابية الموضوعية التي ينظرها صناع السينما العالمية لهولاء النجوم الذين تقدموا في العمر لهي أحد أهم العوامل في تواجد وإبداع هؤلاء النجوم بهذه الصورة، حيث أنهم يعتبرون هؤلاء النجوم الكبار بمثابة الكنز والخبرة والعطر الجميل الذي كلما تقادم زادت رائحته قوةً وجمالًا، ومن ثم يحرصون على صناعة وتفصيل الأدوار التي تليق بهم وبمراحلهم العمرية التي تساعدهم على مواصلة الإبداع والتألق حتى النهاية.

خيل الحكومة


أما على المستوى المحلي فلآسف غالبًا ما يحدث العكس مع الفنانين الذين تقدموا في العمر، فيتم معاملتهم كخيل الحكومة التي إن تعبت أو وهنت قوتها وجب الخلاص منها فورًا!، فلا يتم الاستعانة بهم إلا قليلًا ونادرًا ما تتم كتابة أدوار تناسبهم، من ثم قد يضطر أغلبهم إلى قبول أدوار ضعيفة وغير مؤثرة، لا تتناسب مع تاريخهم لمجرد التواجد أو للاحتياج المادي، وهو ما حدث مع عدد كبير من النجوم الكبار الراحلين أمثال شكري سرحان وأحمد مظهر ويحيى شاهين ومحسن سرحان ومريم فخر الدين وغيرهم..

 

ولم يشذ عن هذا المصير سوى قلة قليلة جدًا نجحت في الحفاظ على نجوميتها حتى أخر لحظات حياتهم، على رأسهم الملك فريد شوقي والدون جوان رشدي أباظة والعظيم نور الشريف والفتى الأسمر أحمد زكي والساحر محمود عبد العزيز.. 

 

ومنهم من آثر الابتعاد وهو في قمة عطائه ونجوميته خوفًا من الزمن ومن التجاهل فحافظوا على صورتهم الجميلة في أذهان جمهورهم وهذا يحسب لهم تمامًا ومنهم.. سيدة الشاشة فاتن حمامة وقيثارة الفن ليلى مراد التي اعتزلت وعمرها لا يتجاوز ال 37عامًا! ومارلين مونرو الشرق هند رستم..

 

أما عن الأحياء فرغم النجومية الكبيرة للزعيم عادل إمام إلا أن قدرته على العطاء والإبداع تراجعت بشكل واضح في أعماله التليفزيونية الأخيرة منذ مأمون وشركاه، عفاريت عدلي علام، عوالم خفية، فالنتينو عام 2020، ومن ثم كان عليه التوقف والاعتزال منذ بداية فقدانه للياقته الذهنية والإبداعية حتى لا يصل إلى أدنى مستوى في هذه المرحلة مع مسلسل فالنتينو!


وهناك مجموعة أخرى كبيرة من الفنانين لا داعي لذكرهم لم يعد لديهم القدرة على مواصلة العطاء والإبداع ولا تقديم أي جديد يضيف لتاريخهم الحافل وذلك منذ عدة سنوات، ولكنهم مازالوا يكابرون ويصرون على التواجد لأسباب مختلفة، قد نحترم منها الحاجة المادية ولكن لا عذر لمن هم غير ذلك!

 

 

فهم فقط يعاندون الزمن الذي تجاوزهم والناس التي أخشى أن تلفظهم وتطالب باستبعادهم وتكيل لهم الانتقادات، كما يفعلون مع نجوم الكرة الذين تخونهم أقدامهم، أو مثلما تفعل الحكومة مع الخيل الذي يتقدمون في العمر ولا يستطيعون جر العربات بنفس القوة وذلك قبل ظهور السيارات في سالف العصر والزمان!

الجريدة الرسمية