رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رائحة رمضان.. الزمان والمكان

الرائحة ليست مجرد عطر ينعش النفس ويرسل للغير إشارات عنا بالأناقة، بل هى عنوان على زمان وعنوان على مكان. ترتبط الأماكن برائحة معينة استقرت عميقا في الوجدان، فأنت إذا دخلت بيت العيلة القديم ستفعمك رائحة أيامك الأولى أو أية أيام في عمرك، ربما ليست موجودة وأنت الآن ناضج أو كهل.

 

لكن بمجرد أن تبلغ المكان حتى تتسرب الرائحة من ذاكرتك لتتسع دوائر تملأ روحك بكل الذكريات. وكما أن للمكان روائح، فإن للزمان أيضا رائحته، تجعله حاضرا، تسترده رغم أنه كان وانتهى!


من بين كل الأزمنة، يشع شهر رمضان الفضيل الكريم بروائحه الفواحة الخاصة. يعلن المفتي أن هلال رمضان ثبتت رؤيته، فتهبط على الزمان الرمضاني موجة روحانية بخورية، وتنتعش النفس، وتتسع حويصلات الرئات، ويقع شهيق عميق يعقبه زفير طارد لكل الآلام. والضغوط، لطالما قبضت الصدور، ولطالما ضيقت الدنيا علينا. إنه رمضان، وإنها لرائحة رمضان.

 

ليست منبعثة من حشايا الروح فحسب، وليست موروث القرون فحسب، بل هى نسائم الشوق إلى الوصل بالذات العلوية الإلهية. حين يهل رمضان تهل نسائم الطفولة والصبا والشباب الكهولة والشيخوخة، كلا حسب مرحلته وموقعه من خط العمر الممتد، نتناثر فوقه حبات بشرية، ونتدحرج عنه، لنتساقط موتي مع حلول الأجل المقدور.  

ذكريات رمضان

رائحة رمضان في الصيف غيرها في الشتاء، إذ تتفاعل رائحة الذكريات مع رائحة الأجواء الروحانية مع روائح الصهد عند الحر، وروائح البرد عند الشتاء، مع روائح الطهي، مع روائح لمة العيلة، مع زفرات المقرئين لقرآن المغرب، نترقب أن يختم القارئ الشيخ محمد رفعت قيثارة السماوات مرتلا "صدق الله العظيم"، عندئذ تفتح الأوعية، وتنثر الإطباق، وتحلق روائح الحساء، وتتهلل الوجوه بالشربة الهنيئة.

 

ما أجمل رمضان الذاكرة للكبار، وما أروعه للأطفال والشباب، يستدعي الكبار نسمات اختزنوها حين كانوا شبابا، ويعيشها الشباب، لا يدرون أنهم بدورهم يختزنون الصور والروائح، علي فلاشة الذكريات، تندس في فص المخ الأيمن لحين الاستدعاء.

 

ما أروع رمضان المنصورة، رمضان عزبة عقل، الحى الذي نشأت فيه، رمضان شارع العباسي، شارع المديرية، شارع سوق الخواجات، وميت حدر والسكة الجديدة، وفي القاهرة، ما أروع رمضان في حي سيدنا الحسين، وعند مقام ستنا نفيسة النفيسة، والسيدة زينب. في كل حي شعبي نعيش رمضان مختلفا، له مذاق وله وقع وله بهجة، والكل فى رحاب نسماته خشوع في خشوع.

 

يبقى أجمل رمضان حقا، ذاك الذي تفوح منه رائحة الحبايب، الذين رحلوا، وخلت مقاعدهم حول السفرة، وأماكنهم حول الطبلية، إذ تختلط الروحانيات بالشجن والحنين، وتنشأ عن الوجد والأشواق رائحة الوصال بالتمنى، ولو بالرحيل إلى من رحلوا..

 

كلها أيام الله، ونحن حبات منثورة على حبلها الممدود، فينا من يستمسك، بتمكين الله، وفينا من ينزلق ليهوى فيرحل بقرار الله، وعند البقاء أو الفناء، تتركز الروائح في الذاكرة، حزنا ووجدا، حبا ووصلا، وتبلغ موجة الاشتياق مدها الأعلى مع ابتهالات الصادقين، ودعوات المنشدين، ينثرون من حلوقهم عطور المحبة بين. 
كل عام وأنتم في حب وخير وبركة ومغفرة من الله.. 

Advertisements
الجريدة الرسمية