رئيس التحرير
عصام كامل

كيف نتخلص من التعصب الرياضي الأعمي؟

أثلج صدري ما أعلنه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن التزام معظم وسائل الإعلام والصحف بالضوابط والمعايير المقررة في المجال الرياضي وتلك بادرة طيبة لها ما بعدها من إطفاء نار التعصب التي دأب البعض على إشعالها في الفترة الماضية.. وهو ما يفتح الباب لتساؤل أكبر: كيف ننهض بالوسط الرياضي ككل حتى أنديتنا ومنتخباتنا على قدر المسئولية وتضاهي نظيرتها في الدول المتقدمة؟َ!


لا أحد ينكر أن الرياضة عمومًا وكرة القدم على وجه الخصوص صارت صناعة ثقيلة، صانعة للبهجة وجاذبة لملايين البشر حول العالم.. لكنها في الدول المتقدمة مغايرة لما يجري عندنا تمامًا؛ فهناك المتعة والاحتراف وحسن الأخلاق في التشجيع أما ما يحدث عندنا فهو خليط من الفوضى والعشوائية والتعصب الأعمى وسوء الأخلاق التي يتحلى بها البعض وتظهر أمام الشاشات لتعطي انطباعًا مشوشًا عن طبيعة الشخصية المصرية.


وفي تراثنا الشعبي ما يقول إن الرياضة أخلاق؛ فأين ذهبت أخلاقنا..ولماذا تنضح ملاعبنا بالتعصب وضيق الصدور بالنقد؟!


لاشك أن المتعة غابت عن ملاعبنا بغياب الروح الرياضية.. والنتيجة هو الفشل في تثقيف الجمهور وجهله بأصول الرياضة ومعانيها السامية التي تجمع الشعوب وتبني جسور التعارف والمودة وتجمع ما فرقته السياسة وترسم البهجة على الوجوه وتخفف عن الإنسان معاناته اليومية مع الحياة.


الروح الرياضية سمة إنسانية تضفي على الرياضة عامة وكرة القدم خاصة متعة وبهجة وجمالًا ومن دونها تفقد كرة القدم حظوتها وجاذبيتها.. وليكن ما أعلنه الأعلى للإعلام هو البداية لنبذ التعصب واجتثاثه من حياتنا كلها وليس من ملاعبنا فقط؛ فالتعصب الأعمى لنادٍ لا يقل خطرًا عن التعصب لفكرة أو مذهب أو طائفة.. فالنتيجة واحدة وهي إلغاء العقل ورفض الآخر وإقصاء الجميع وتلك ولا شك توطئة لانقسام حاد واستقطاب لا تحمد عقباه.

تطهير الإعلام الرياضي


أما الأهم في محاربة التعصب؛ فهو الإعلام النزيه المستنير الخالي من التعصب والداعي للتحلي بالأخلاق الرفيعة؛ إعلام لا يغضب ولا ينحاز؛ فلا يعلق المذيع أو الناقد أو المحلل وفقًا لهوى قلبه ولا يبدي انحيازًا لأحد الفريقين المتنافسين ولا يناصر فريقًا على حساب الآخر حتى لا تبقى الرياضة أسيرة للأهواء والتحزبات والانفعالات والتعصب المقيت.


لأخلاق الحسنة أهم مقومات أي عمل ناجح في أي مجال، وفي الرياضة على وجه أخص؛ ذلك أن الرياضة تتضاعف أهميتها لارتباطها أكثر بشريحة الشباب وهم يشكلون نحو ثلثي السكان في مصر، وعلى أكتافهم ينهض الحاضر ويبنى المستقبل.. فهل ندرك أهمية الرموز الرياضية في حياة هؤلاء..وماذا تصنع بهم القدوة؟!


لا عجب والحال هكذا أن نركز على ضرورة أن يتحلى العاملون بالرياضة بالأخلاق العالية.. ينبغي أن تكون تلك أهم صفاتهم ثم يأتي دور الإعلام الذي نرجوه محايدًا لا يشوه الصورة الجميلة للرياضة، إعلامًا لا يتعصب لهذا أو ذاك فينشر الإحباط والحزن، لأن من حولنا في كل مكان يشاهد ويسمع ويقرأ ويأخذ انطباعًا عن واقعنا المرير من خلال الرياضة النظيفة؛ ومن ثم فلا مناص من تطهير الإعلام الرياضي من الشريحة التي ينافي عملها الروح الرياضية؛ فإعلام بلا أخلاق يهدم ورياضة بلا أخلاق لا تستحق أن تُسمى رياضة. 


عودة الروح الرياضية بين اللاعبين أولا، ثم بين الإعلاميين يجعل من السهل عودتها للمدرجات والشوراع والمقاهي وحتى داخل البيوت بحسبان لاعبي الكرة نماذج يقتدي بها صغارنا وشبابنا، ومتى عادت تلك الروح ستصبح الرياضة منهجًا ومنبرًا للأخلاق والقيم والمثل العليا، كما ينبغي لكل من يعمل بالحقل الرياضي وللجماهير أيضًا احترام القوانين والالتزام بها وتقبل الهزيمة بروح رياضية، والكف عن العادة المرذولة بالتشكيك في ذمم الحكام والمسئولين عمّال على بطال..فهل يلتزم الوسط الرياضي بالروح الرياضية.. نتمنى!!

الجريدة الرسمية