رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أوروبا في العاصفة!

تبدو القارة الأوروبية متجهة بخطى قافزة نحو ما يمكن أن نطلق عليه الربيع الأوروبي، وهي التسمية التي أطلقوها على الخطط الخبيثة لزعزعة استقرار الدول الوطنية فى العالم العربى، بزعم نشر الديمقراطية فيما عرف بالربيع العربي، وكان في الحقيقة خماسين السموم والخراب، ونجحت تلك الخطط في دول عربية عديدة عدا مصر. 

وإذا كانت شرارة الربيع العربي أو العبري ناتجة عن تسويق فكر مناهض للديكتاتوريات الحاكمة بغرض نشر الديمقراطية ، ولكن حلت الفوضى والشعوبية الغوغائية، وبالذات في دول الجمهوريات، مع خلخلة غير عميقة في دول الملكيات، فإن مبرر الربيع الأوروبي الظاهر حتى الآن على الأقل، ليس طلب الديمقراطية، بل رغيف الخبز ولتر البنزين، وفاتورة الكهرباء والغاز.


تثور الشعوب من أجل الطعام، هذه بديهية تاريخية، وربما كانت الأفكار السياسية والدينية عاملا مساعدا في إثارة الجماهير وتجميعها مليونيات وقطعانا، ثم سوقها سوقا، لكن الهدف دائما كان المجيء بنظام حكم يطعم ويحمى ويفلسف القمع تحت عباءة رجل دين أو مفكر. فى هذا السياق، تثور الجماهير حاليا، فى طوابير من الاحتجاجات في فرنسا وفي ألمانيا وفي جمهورية التشيك وفي رومانيا، ينددون بعجز حكوماتهم عن الحد من التضخم، الذي جعل الحياة جحيم أسعار لا يطيقونه.. 

الحرب الروسية الأمريكية

 

وهناك مشاعر آخذة في النمو مناهضة لانجرار الدول الأوروبية إلى حرب الزعامة التى تخوضها واشنطن ضد روسيا، ويدفع تكلفتها المواطن الأوروبي. بل إن ثلث الشعب الألماني غير موافق على العقوبات ضد روسيا ولا موافق على تزويد أوكرانيا بالأسلحة، في تصريح أمس للمستشار الألماني شولتس.


تتسع رقعة الاضطرابات السياسية كلما ضاقت على المواطنين سبل وأسباب المعيشة، ورغم مليارات الدولارات التى خصصتها حكومات أوروبا لسداد فواتير الطاقة ودعم الطعام، إلا أن خروج الاحتجاجات لمجرد مطالبة الأنظمة بمواجهة التضخم، ليس السبب الحقيقي، بل نزعم أنه مع الوقت وشدة الزخم، سترتفع الشعارات الحقيقية المسكوت عنها، ولعل أهمها وقف الحرب على روسيا لأنها باتت حربا على مواطنى أوروبا، ولأنها باتت إفقارا لأوروبا وإثراء لواشنطن التى اتهمها وزير الاقتصاد الفرنسى بأنها تبيع الطاقة لأوروبا أغلى أضعافا مما تبيع به روسيا غازها وبترولها.

 

من تداعيات الحرب الروسية الأمريكية على أرض أوكرانيا إذن أن تولدت دعوات ترفض مناهج المعالجة الاقتصادية للأزمة الطاحنة للناس، وترفض المزيد من التورط في حرب أمريكا على روسيا.

 

عادة تخرج من رحم الاضطرابات السياسية الناجمة عن الجوع والحاجة أنظمة ثورية متطرفة، غير أن أوروبا في واقع الأمر تعيش حاليا تحت حكم خمسة أنظمة ذات ميول يمينية بالغة التطرف، في كل من إيطاليا والسويد والمجر وبولندا وأسبانيا.. 

 

وإيطاليا هي أحدث دولة تختار حكومة ترأسها جورجيا ميلوني وهى صحفية وسياسية زعيمة حزب إخوة إيطاليا، وبذلك يصبح عدد الدول الأعضاء في نادي اليمين الأوروبي خمسة دول، مرشحة للزيادة، مع تنامي الاحتجاجات التي هي الأخرى مرشحة للتصاعد مع دخول حرب أوكرانيا إلى نفق مغلق النهاية! حكومات اليمين الأوروبي عادة هي حكومات حرب على الأقليات العرقية والدينية، وترى المهاجرين منافسين للعمالة الوطنية في الأجور والمناصب والوظائف والسكن، وأن الدولة الوطنية حق خالص لأبنائها..

 

 

 فازت جورجيا ميلوني بحكم روما لإصرارها على وقف تيار المراكب غير الشرعية التى تصب المئات من المهاجرين إلى السواحل الإيطالية. التطهير العرقي والديني يكون عادة المرحلة الثانية، بعد أن تتمكن الشعوبية من التعبير عن نفسها ،مدعومة بسكوت الأنظمة اليمينية وتغاضيها عن ممارسات الانتزاع والتنكيل والملاحقة ضد الملونين والمسلمين، وقد يظهر على القائمة اليهود فى مرحلة تالية.
خلاصة الحال، أن الاحتجاجات الشعبية المتفشية في أوروبا تنذر باختيار التطرف حاكما.. وهو لن يحل أزمة التضخم، بل سيقود إلى مزيد من المغامرات العسكرية واسعة النطاق.. سيناريو التاريخ الذي لا يتغير، الممثلون فقط هم من يتغيرون..

Advertisements
الجريدة الرسمية