رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأمان ماركة مصرية مسجلة

قبل أيام شاهدت فيديو لأحد أبناء باتريس لومومبا أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو، يحكي فيه عن ظروف وملابسات هروبه هو ووالدته وشقيقيه إلى مصر، وذلك في مطلع ستينيات القرن الماضي. 

قال رولان بلهجة مصرية ممتازة: “باتريس لومومبا حس إنه في خطر، أتباعه قالوا له حياتك في خطر ويجب أن تغادر البلاد فرفض.. لكنه وافق فقط على أن تخرج عائلته.. بدأ التفكير في أي بلد نذهب إليه.. فكر الأول أن نذهب عند الرئيس الراحل سيكتوري في غينيا اللي يعرفه وزاره سنة 1958”.

 

وأكمل رولان في حديثه لموقع إخباري روسي شهير: “سيكتوري قاله أنا زيك في دائرة الخطر.. عندنا صديق، جمال عبدالناصر أوضاعه أفضل.. والجدير بالذكر أن جمال ولمومبو لم يتقابلا في حياتهم.. بس وافق على اننا نسافر لمصر ويتكفل واحد لا يعرفه أن يعطيه زوجته وأولاده.. مصر منحتنا بيتا في أرقى أحياء القاهرة.. وكنا نلعب مع أولاده  ونتعلم”.

 

هذا الفيديو ذكرني بمقاطع مصورة منتشرة للكثير من أشقائنا السوريين، أعقاد الياسمين التي انتشرت في ربوع مصر، والذين يتغنون ليل نهار بأخلاق إخوانهم المصريين، الذين احتضنوهم منذ تدهور الأوضاع في سوريا 2011.. تلك الكلمات التي يسيل معها دمع العين دون بكاء.. دموع الحزن على سوريا، ودموع الفرح بأن دماء العروبة والأخوة لا زالت تسري في عروقنا.

مصر الأمان

 

ومن هذا الفيديو إلى تلك المقاطع، تحولت ذاكرتي إلى سائح يتجول في التاريخ، فشاهدت أنبياء وملوك ورؤساء وسياسيين وغيرهم، حين يضيق بهم الحال يولوا وجههم شطر مصر، التي لا ترد قريب أو غريب، حتى ولو كانت تمر بظروف صعبة. فقبل آلاف السنين، هاجر خليل الله إبراهيم، عليه السلام، وقومه جراء المجاعة والاضطهاد إلى دولة منظمة مستقرة وبها من الخيرات الكثير.

 

ثم قدمت السيدة العذراء وابنها المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام إلى مصر، قبل نحو ألفي عام هربًا من الاضطهاد الروماني، فوجدت في أرض الكنانة الأمان. فيما يذكر أن أول لاجئ سياسي احتضنته مصر، كان أحد أمراء أسرة قيصر روسيا، وجاء في عام 1917 في عهد السلطان حسين كامل، ومن ثم نزحت أعداد كبيرة من الروس إلى مصر، خصوصا الإسكندرية.

 

كذلك استقبلت مصر شاه إيران رضا بهلوي، والرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، الشيخ إدريس السنوسي ملك ليبيا،  وعبد الخالق المحجوب رئيس وزراء السودان الأسبق، وعبد الحميد رئيس وزراء العراق الأسبق، وغيرهم ممن توسموا في مصر الخير والأمان.

 

 

الخلاصة أن مصر استقبلت الملايين من أشقائنا في سوريا والعرق وليبيا واليمن، وغيرهم من السياسيين والمشاهير، ولا يمكن أن نسمي واحدا منهم لاجئ، بل ضيف وربما صاحب بيت. فمن يجرؤ مثلا على القول إن وردة وصباح وفايزة أحمد وستيفان روستي وماري منيب وبيرم التونسي عبدالسلام النابلسي ليسوا مصريين؟!

ضيوف مصر حبات من اللؤلؤ أضاءوا سمائها في الليالي المظلمة، وأثبتوا أنها أرض آمنة حتى في أصعب المراحل من تاريخها.

Advertisements
الجريدة الرسمية