رئيس التحرير
عصام كامل

الثقافة.. سلاح المواجهة المستمر!!

كتبت كثيرا واعيد نشر ما كتبته مادامت القضية مستمرة.. سلاح الثقافة هو السلاح الحاسم في أى معركة تخوضها الأمم سواء كان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر.. ووعي الانسان هو حائط الصد أمام أعداء الداخل وأعداء الخارج.. ومحاربة التطرف والإرهاب والتخلف لا يكون بسلاح الأمن والاقتصاد والقوة فقط لكن بأسلحة متعددة في مقدمتها الثقافة حتى تضمن الأمم كسب المعركة بالضربة القاضية وتقضى على أسباب العرض والمرض من جذوره..


نعم المعركة شرسة مع أعداء الداخل والخارج ويلزمها وجود أسلحة الإعلام والثقافة والتعليم على خط النار إلى جانب المواجهة المسلحة..  ولكن الثقافة هى الوسيلة المهمة لاقتلاع التطرف والإرهاب والتخلف من جذورهم.. نعم الثقافة مثل التعليم والصحة من الصناعات الثقيلة التى تحتاج لأموال طائلة ولا تظهر نتائجها إلا بعد سنوات، لكن لا مفر منها خاصة وإننا لن نبدأ من الصفر لأننا نمتلك الكثير من المقومات لكننا نهدرها عن عمد أو بدون قصد، بالإضافة أن كل جنيه سيتم إنفاقه على الثقافة  سيكون عائده بالمليارات بعد فترة.


فى البداية علينا الإعتراف أن سبب المشكلات التى نعانى منها هو تهميش العمل الثقافى وتسطيح الإعلام وإضعاف التعليم، حيث تركت الحكومات المتعاقبة المساجد لتتحول إلى مراكز صحية وتعليمية وإعلامية وثقافية من نوع خاص فى ظل أزمات اقتصادية طاحنة جعلت الخدمات الحكومية فى هذه المجالات شبه معدومة.. 

تأثير الثقافة

 

وهنا استغلت الجماعات الدينية الموقف وبدأت تبث سمومها مع هذه الخدمات لتكتسب أرضية تركتها الحكومات عن طيب خاطر أو بقصد. وحتى لا نظل نبكي على اللبن المسكوب أتمنى دراسة هذه الاقتراحات:


أولا: إنشاء مجموعة وزارية خاصة بالوعى والتثقيف والتعليم على غرار المجموعة الاقتصادية مثلا، وتتكون هذه المجموعة من وزراء التعليم والثقافة والشباب والأوقاف والإعلام.. يعنى من وزارات لها صلة مباشرة بالوعي العام للمواطن المصرى،  وتكون مهمة هذه المجموعة وضع استراتيجية شاملة تحدد فيها الواجبات والمسئوليات.
 

ثانيا: اقترح على وزيرة الثقافة الدعوة لحوار ثقافي لوضع استراتيجية عامة للعمل الثقافي ببنود واضحة المعالم ومحددة الأهداف وفترات تنفيذ بعيدا عن الجمل الانشائية.
ثالثا: بدء المواجهة والنزول للناس فى كافة التجمعات الجماهيرية، فمثلما ذهبت الجماعات الدينية في الماضى للناس فى أماكنهم علينا الذهاب للناس فى تجمعاتهم سواء فى الشوارع والميادين، وفى المقاهى والنوادى.. فى المدارس والجامعات.. فى المساجد والكنائس.. هنا ستكون المواجهات الحقيقية وهنا ستكون النتائج مبهرة في إعادة الوعي وبث الحماس في النفوس.


وهنا سيكون سلاح العقل والتفكير الذى تتقهقر أمامه جحافل التخلف والتكفير.. ولن يتم ذلك بإمكانيات هيئة واحدة مثل قصور الثقافة ولا بإمكانيات وزارة واحدة مثل الثقافة ولكن بإمكانيات الدولة المصرية ككل.. ومن خلال خطة عامة مستمرة يصل من خلالها  النشاط الثقافى والوعي الفكري إلى كل بقعة فى مصر.


رابعا: وضع خطة عامة للترجمة إلى العربية حتى نقدم للقارىء العربى أحدث ما صدر فى العالم ويكون شرط الترجمة أن يكون العمل المترجم لم يمض على صدوره أسابيع أو شهور قليلة حتى نقضى على الفجوة المعرفية بيننا وبين الغرب وحبذا لو تم التنسيق مع بعض الدول العربية التى لها باع  وإمكانيات فى هذا المضمار حتى نوحد الجهود لأن المستهدف هو المواطن العربى عامة.

تأثير الفن


خامسا: لابد ان تعود  وزارة الثقافة والوزارت المعنية إلى لغة الفن التى تصل للجميع -أقصد السينما طبعا– بعد أن تركت لسنوات  فى يد تجار اللحم الرخيص وأصحاب فكر العشوائيات والقبح الأخلاقى والمخدرات.. ولمن نسى أقول إن الدولة المصرية  فى الستينات عندما كانت تنتج السينما الجادة كانت تحفز المنتجين على المنافسة وكان المشاهد المصرى بل والعربى هو الفائز.. 

 

سادسا: لا يمكن أن تحدث نهضة ثقافية بدون مسرح وما يحدث فى بلادنا طوال السنوات الماضية أمر غريب؟ حيث لدينا كتاب مسرح وتراث مسرحى عربى وعالمى ومخرجين وممثلين من مختلف الأجيال ومسارح وجمهور وإمكانيات مادية متنوعة تصلح للمسرح الفقير والمسرح الغنى ومع ذلك لا يوجد مسرح إلا نادرا. 


سابعا: لا أتصور بلدا مثل مصر لا يوجد مثلها فى العالم في إمتلاك تراث من الفن التشكيلى.. من الفراعنة وحتى الآن مرورا بكل الحقب الحضارية المتوالية، ومع ذلك نجد جدران المبانى والكبارى والشوارع والميادين والحدائق والجامعات والمدارس بل والمصانع خالية من هذا التراث الذي يقضي على القبح الذي تخلل مسامنا فى السنوات الماضية.. 

 

تعالوا نتخيل الشوارع والميادين وجدران المنشآت وقد تركناها لخيال وألوان وتماثيل وأعمال عشرات الآلاف من طلاب الفنون الجميلة والفنانين وعشاق الجمال.. فلا يمكن لمن تصافح عيناه الجمال والفن في كل مكان أن ينجرف إلى أعداء الحياة أو خفافيش القبح والظلام.. تعالوا نتخيل كل المبانى في مصر وقد دهننت جدرانها ولا يمنح الترخيص المعمارى إلا مصحوبا بدرجة محددة للألوان بحيث يكون كل حى له لون أو ألوان محددة تحتمل البيئة من جهة وتنشر الجمال فى النفوس..


ثامنا: تعالوا نتخيل وجدان تلاميذنا بعد سنوات وقد درسوا  فى مناهجهم نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحي حقي إلى جانب شكسبير والأبنودى وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وصلاح جاهين إلى جانب بودلير وغيرهم  ودرسوا تماثل مختار والسجينى ولوحات صلاح طاهر إلى جانب دافنشى وغيرهم واستمعوا لموسيقى عبد الوهاب والسنباطى وبليغ حمدى إلى جانب بيتهوفن وغيرهم.. فهل من درس كل  ذلك وتذوقه يكون يوما ما  متطرفا أو متخلفا أو ظلاميا أو كارها للحياة.


تاسعا: منذ سنوات كان هناك فى الحدائق العامة وبعض الميادين أكشاك للموسيقى تقدم الموسيقى.. فماذا يحدث لو أعددنا مكان فى كل ميدان أو حديقة يكون ساحة للفرق الموسيقية  تعزف فيها وتغنى للمارة.. فهل من يستمع للموسيقى والفن الشعبى والإنشاد الدينى  يمكن أن يكون يوما ما  متطرفا أو متخلفا أو ظلاميا أو كارها للحياة.

 

 

عاشرا: ماذا يحدث لو نقلت قنوات التليفزيون هذه الأنشطة الثقافية ليعم تأثيرها إلى الملايين، ألا يكون هذا أجدى من برامج الطبيخ والكره والتعصب والمعارك الهشة.. باختصار إذا نجحنا فى رفع الوعى العام وحولنا القاعدة الشعبية إلى دفة الثقافة سيكون الوطن فى أحسن حالاته لإننى أعتقد أن المثقف الحقيقي لا يخون ولا يبيع ولا يدمر ولا يقتل لأنه يعرف ببساطة معنى الوطن وقيمة الإنسان ومعنى الحياة.. نقول كمان ولا كفاية !!
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية