رئيس التحرير
عصام كامل

علمانية القرويين الجدد!

لاحظت، دون ذكر أسماء بالطبع، أن كثيرا من القرويين، أو من سكنوا القرى والريف والنجوع أو حتى المدن والمراكز الصغيرة الإقليمية ردحا من الزمن، وهم الأكثرية وفقا للتوزيع الديموجرافى في مصر، فأغلبنا قرويين، هم أكثر المتطلعين لقيم الحداثة المناقضة للدين فى أغلبها، وأنهم يعتقدون أنهم كلما تفلتوا من قيم الآباء أو قيم الدين التى تربوا عليها، أصبحوا متحضرين ومدنيين وتفوقوا على سكان القاهرة والإسكندرية، رمز القيم  الكوزموبولتينة والإنفتاح عند الكثيرين، يظهر هذا بوضوح على مواقع التواصل الإجتماعى المختلفة والتى لم تفسد الناس، لكنها أظهرت فسادا كان مختبئا وراكدا لفترات طوال حتى وجد الفرصة للتعبير عن نفسه بكل بذاءة.

 

فى دمنهور مثلا، مدينتى الإقليمية، أعرف أحد المتنطعين الذين يقطنون قرية بجوار مركز يبعد عن دمنهور عشرات الكيلو مترات، هذا الشخص لا يجد فرصة للخروج من عباءة الدين إلا وإعتنقها، ويجاهر بكل بذاءة يمكن إقترافها حتى يجد الثناء، تحديدا من غير المؤمنين  بالأديان، ويعتبره غير المسلمين مفكرا تنويرا.. آه والله مفكرا وتنويريا كده فى بروجرام واحد، طبعا هو وأمثاله لا ينبسون ببنت شفه عن  أى عقيدة أخرى حتى وإن كانت تقدس الفئران..

 

المهم أننى علمت عن هذا الشخص من أصدقائه المقربين أنه لصا واقترض منهم جميعا نقودا ولم يردها.. لكنه  يبقى مفكرا تنويريا حداثيا كبيرا لكراهيته المعلنة للدين.. لكن المثير أكثر أن هذا المفكر التنويرى  الجهبذ عملاق زمانه، يدعى أنه جامعى وهو لم يقترب يوما من التعليم الثانوى أو الجامعى، لكن هراءه الموجه ضد الإسلام تحديدا، منحه أكثر من درجة علمية وهمية ووضعه فى مصاف المفكرين وطبقة الإنتلجنسيا!

 

ملابس الباليه فى ميكروباص!


طبعا، لم يكن يخطر ببالى أننى أرى هذا المشهد فى دمنهور ولا حتى فى قلب القاهرة، حيث رأيت فتاة مراهقة خرجت لتوها من دار أوبرا دمنهور، تركب الميكروباص فى رمضان معى ومعى غيرى، وهى بلبس  تدريب الباليه، وهو كما تعلمون لا علاقة له بالإحتشام نهائيا، ولا يناسب القيم المصرية الأصيلة، فضلا عن أنه لا يصلح للخروج به فى الشارع والجلوس به فى مواصلات عامة، خاصة أنه كان دون أى شىء فوقه!

 

الغريب أن الفتاة كانت ترتديه وتمشى به فى الشارع وبجوارها شقيقها الذى يصحبها لحمايتها.. هى حرة وأهلها أحرار فيما يفعلونه بإبنتهم ولكن.. هل الإنسلاخ من القيم صار هو سمة الأغلبية  من تلك الفئة القروية التى ترى ذلك تحضرا وتقدما ومدنية.. عفوا، أنا رجعى ولا أرحب بذلك ولك مطلق الحرية فيما تراه  وتظنه عن فكرى وقيمى.. ولكن سل نفسك هل هذه هويتنا أم صرنا مسخا لا علاقة لنا بقيم دينية أو تراثية، وهل كان أجدادنا وآبائنا متخلفون.. إسأل نفسك وتمهل وتخير ثم إفعل ما شئت!

 

التقليد الأعمى!


يعتقد هؤلاء المتفلتون الجدد من قيمهم الأصيلة أن التقليد هو الغاية العظمى لوجودهم فى الحياة، فهذه تقلد راقصة، وهذا يقلد ممثلا أو لاعب كرة، دون النظر لقيمة ما يقدمونه، خاصة أن هؤلاء يتمتعون بالثراء الفاحش والشهرة التى تجوب الآفاق، لذا هم يجدون قدوة سهلة لا تحتاج لتعليما أو إجتهادا أو بحثا علميا، فلا وجود لنجم من العلماء، أو مثقفا حقيقيا فى هذا الفضاء العبثى إلا نادرا..

 

 

بل إن جهاز محمول صغير يستطيع أن يخلق منك نجما ثريا تسعى الفضائيات لإستضافته ومنحه أمولا سهلة على أموال، طالما كان له مقاطع صغيرة تافهة أو بذيئة على موقع مثل التيك توك أو غيره.. إذا، نقلد هؤلاء حتى نصنع مجدا ومالا وننسى قيم الأخلاق والدين والعفاف والإحتشام وننجرف فى المسخ الجديد فى عالم بلا هوية.
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية