رئيس التحرير
عصام كامل

الخيارات المصرية البديلة

لا يوجد في تاريخ مصر الحضاري الممتد عبر آلاف السنين وإلي الآن ما هو أخطر وجوديا عليها من سد الخراب الإثيوبي فتدميره مُصيبة.. وبقاؤه مُصيبة أكبر وقد سلكت مصر كل السبل الدبلوماسية المتحضرة من مفاوضات ودعم وعروض بالمشاركة ثم اللجوء للاتحاد الافريقي عبر أربع دورات، ثم طلب وسطاء جدد والذهاب لواشنطن وكاد أن يتم الاتفاق لولا التهرب الإثيوبي ، ثم إبلاغ مجلس الأمن عدة مرات والاتحاد الأوروبي بأن المراوغة الإثيوبية لكسب الوقت لفرض الأمر الواقع سوف يخل بأمن المنطقة ويهدد السلم، والقانون الدولي يمنع إثيوبيا من أيّ سد على النيل الأزرق، وذلك دون أن ترجع لدول المصب..

 

واللافت أن الخطاب المصري إلى مجلس الأمن تضمن احتفاظ "مصر بحقها الشرعي المكفول في ميثاق الأمم المتحدة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومي، بما في ذلك إزاء أية أخطار قد تتسبب بها مستقبلًا الإجراءات الأحادية الإثيوبية"، على الرغم من أن تقديرات الخبراء خلال السنوات الماضية حذرت من أن ملء خزان بحيرة السد قد يحصنه من أي عمل عسكري أو تخريبي، لأن التدفق الهائل للمياه قد يؤدي إلى نتائج كارثية على السودان الذي يقع على بعد نحو 15 كيلو مترًا من موقع السد في إقليم بني شنقول غرب إثيوبيا. إلا أنه في ظل التقنيات العسكرية المتقدمة يوجد عدد من الخيارات لاستخدامها عند الحاجة وذراع مصر طويلة وقادرة على مواجهة أي تهديد وأن المساس بالمياه خط أحمر، وسيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل.

الملء الرابع

 

مع العلم بأن إجمال كمية المياه المخزنة بنهاية الملء الثالث هذا الشهر إلى 16 أو 17 مليار متر مكعب كحد أقصى، مما يعني أن المياه معظمها أمام السد الرئيسي، أما الكمية المخزنة أمام السد الركامي فستكون قليلة وربما لا تصل إليه، وبالتالي فإن توجيه ضربة له ستظل قائمة، إضافة إلى أنه حتى في حال زيادة الكميات في بحيرة السد فمن الممكن توجيه ضربات دقيقة تسمح بمرور كميات قريبة من التي تمر وقت الفيضان وبالتالي لن يتضرر السودان من هذا التحرك العسكري. 

 

ثم إنه بعد الفيضان ستفقد بحيرة السد نحو ملياري متر مكعب بسبب التبخر خلال أشهر، بخاصة أن إقليم بني شنقول من أكثر المناطق الحارة عالميًا، إضافة إلى احتمال فقد 10 مليارات متر مكعب نتيجة توليد الكهرباء خلال عام حتى ما قبل الفيضان المقبل في صيف 2023، وبالتالي فإنه قبل الفيضان قد يكون أمام السد نحو 6 مليارات متر مكعب، وتلك الكمية لا تمثل خطورة على السودان أو مصر في حال انهيار سد النهضة أو الإضرار به، لأنه بمجرد تنفيذ الملء الرابع العام المقبل فسيكون السد أكثر تحصينًا من ذي قبل.

 

 

وكان من اللافت أيضا أن خطاب إثيوبيا لإخطار مصر ببدء الملء الثالث في الـ 26 من يوليو الماضي جاء بعد يوم واحد من زيارة المبعوث الأميركي الجديد للقرن الأفريقي مايك هامر إلى القاهرة، وصدر بيان عن السفارة الأميركية بالقاهرة بعنوان “التزام الولايات المتحدة بأمن المياه في مصر ودعم تسوية في شأن سد النهضة الإثيوبي” ونقل البيان عن هامر قوله “نشارك بنشاط في دعم طريق دبلوماسي للمضي قدمًا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق يوفر الحاجات طويلة الأجل لكل مواطن على امتداد نهر النيل”!

الجريدة الرسمية