رئيس التحرير
عصام كامل

د.جودة عبد الخالق: أتحفظ على تخارج الدولة من هذه الأنشطة لارتباطها بالأمن القومى (حوار)

د. جودة عبد الخالق
د. جودة عبد الخالق (أرشيفية)

وثيقة ملكية الدولة هدفها إرضاء البنك الدولى ولا تنطوى على تصور إستراتيجى 
التعامل مع الشركات الخاسرة على أنها أصول غير مستغلة أمر خطير ومطلوب إصلاح أسباب الخسائر 
3 سنوات غير كافية لخروج الدولة والأمر يتطلب تشريعات وقرارات 
لا بد أن تتضمن الوثيقة مجموعة من المبادئ الملزمة لكل الأطراف ويجب إجراء حوار وطنى حولها 
لن تحدث ثورة صناعية فى ظل معاناة 30% من الشعب من الأمية

 

كشفت مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة، عن اتجاه الحكومة للتخلص تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها في نحو 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة، على رأسها أنشطة الاستزراع السمكى والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد- عدا مشروعات الإسكان الاجتماعي- وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.

 

وتضمنت المسودة، إبقاء الحكومة على استثماراتها في 45 نشاطًا، مع الاتجاه لتخفيضها والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، من بينها صناعات الأسمنت والحديد والألومنيوم واللحوم والطيور والأعلاف والألبان والسجائر والدخان ومحطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع ومحطات معالجة مياه الصرف.

 

ووفقًا لمسودة الوثيقة، قررت الدولة الإبقاء على استثماراتها في نحو 27 نشاطًا مع الاتجاه لزيادتها مستقبلًا، ويتعلق أغلبها بأنشطة البنية التحتية والقطاعات ذات الأبعاد الاستراتيجية والاجتماعية، مثل التعليم والصحة، مع السماح أيضًا بمشاركة القطاع الخاص في بعضها، منها أنشطة تجارة الجملة ومحطات إنتاج مياه الشرب وشبكات توزيع المياه، وإنشاء الأرصفة، والبنية التحتية في النقل البحرى والسكك الحديدية ومترو الأنفاق والنقل الجوي وصناعات السفن، وخدمات التليفون الأرضي والاتصالات اللاسلكية والبث الإذاعي والتلفزيوني.

وفى هذا الصدد قال الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التموين الأسبق، فى حوار لـ "فيتو" إن وثيقة سياسة ملكية الدولة لن تصلح ما فسد فى الاقتصاد فى سنوات ماضية إلا إذا توحدت المعايير والضوابط الحاكمة لعمل الشركات سواء القطاع العام أو الخاص.
“عبد الخالق” أضاف في الحوار أن الاقتصاد الخاص قادم بقوة، ولإنجاحه لا بد من توفير التمويل اللازم لنشاطه من جانب البنوك التى إنصب استثمارها خلال الفترة الماضية على شراء ديون الحكومة من خلال سندات وأذون الخزانة. 
وغيرها من الآراء والأسرار بشأن وثيقة ملكية الدولة في نص الحوار التالي:


 

*فى البداية نريد أن نتعرف منك على أهمية ودلالة ما ورد فى وثيقة سياسة ملكية الدولة؟
لابد أن أشير فى البداية إلى أن الوثيقة وُضعت على عجل فى إطار المباحثات الجارية مع صندوق النقد الدولى، وهذا أمر متبع مع كل الدول؛ أن الصندوق يضع مجموعة من الشروط بعضها قبل الاتفاق والبعض الآخر بعده، مثل دور الدولة فى الاقتصاد والمجالات التى تدخل فيها والمجالات التى يدخل فيها القطاع الخاص، وبالتالى أتصور أن الوثيقة لإرضاء شروط البنك الدولى، وهى أحد الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولى وفقا للاتفاق الجديد، وبالتالى أعتقد أنها لا تنطوى على تصور إستراتيجى بحيث يصبح لدينا اقتصاد قوى وزراعة وصناعة قوية، بدليل أن الحكومة موجودة لكن مع القطاع الخاص.
 

*وهل الوثيقة من شأنها تصويب ما فسد من شئون الاقتصاد السنوات الماضية؟
بالطبع لا، لأن من أخطر الأشياء هو عدم وجود اقتصاد واحد؛ فنحن لدينا عدة اقتصاديات، كل منها يعمل وفق آليات خاصة، وهذا يخلق نوعا من التضارب بينهما، خاصة أن البلاد المستقرة تحتاج إلى ما يسمى بالاقتصاد المستوى أو المنبسط، والمقصود به أن تخضع كل الشركات العاملة لنفس القواعد والمعايير سواء فى الضريبة أو العمالة، وعلاقتها باقتصاد الدولة، وهذا معناه وجود ضوابط ومعايير موحدة لعملها، وهذا من شأنة أن ينعكس على الأداء بالإيجاب.


وعلى سبيل المثال الشركات العاملة فى قطاع الغزل والنسيج منها التابع للقطاع العام، ومنها التابع للقطاع الخاص، لكن كليهما لا يخضع لنفس المعايير والضوابط، وبالتالى وثيقة سياسة ملكية الدولة ربما تكون خطوة لحل هذه الإشكالية، وهو إخضاع كل الشركات لنفس المبادئ والالتزام بمبادى الحوكمة والشفافية والإصلاح وهذا أمر جيد لأنه من المهم أن تكون هناك حوكمة وتخضع كل الشركات لنفس المعايير، وهذا يعنى أن الميزانيات المرتبطة بالنشاط ستوضح طبيعة ما يجرى بداخلها


ولكن هناك نقطة تصفية الأصول غير المستغلة مثلما حدث مع شركة الحديد والصلب وإن كانت خاسرة فهى تنتج، وبها عمالة ومتواجدة فى السوق، وبالتالى التعامل مع الشركات الخاسرة على أنها أصول غير مستغلة أمر خطير، فلا يجب أن تكون نزعة التصفية مع الشركات الخاسرة وإنما البحث عن أسباب الخسائر وإصلاحها، خاصة أن شركات القطاع الخاص عكس شركات القطاع العام بها مساهمين يحضرون جمعيتها العمومية ويمكنهم تغيير مجالس الإدارة.
 

*وهل تعتقد أن الوثيقة ستؤدى إلى استعادة القطاع الخاص لدوره ونشاطه قريبا؟
بالتأكيد، لأن هذا هو أحد مقاصد الوثيقة هو التوضيح للمستثمر أين يقع اللاعبون الأساسيون فى شركات القطاع العام وشركات القطاع الخاص العاملة فى مجالات إنتاج السلع، وبالتالى إذا كان الهدف من إصدار الوثيقة هو طمأنة كل اللاعبين أو المستثمرين على الساحة الاقتصادية فهذا أمر جيد، سيوضح للمستثمر أن هناك حدودا مضمونة لتواجد الدولة فى مجال من المجالات، وهذا يعطى درجة من الوضوح حول خريطة النشاط الاقتصادى ومجالاته المختلفة، ويسمى مبدأ إحياء المنافسة
وكلها تخضع لنفس قوانين التشغيل والعمالة، وقواعد شراء الحكومة للسلع والخدمات، ولكى يحدث هذا التحول إلى واقع على الأرض لا بد أن نعرف أن خروج الدولة خلال 3 سنوات أمر صعب ومعقد، ويتطلب تشريعات وقرارات، وهنا تكون الفترة غير كافية، وبالتالى لا بد أن تتضمن الوثيقة ما يفيد أنها ستكون مجموعة من المبادئ الملزمة لكل الأطراف.

 

*وما تعليقك على تخلص الحكومة من استثماراتها فى نحو 79 شركة منهم شركات للاستزراع السمكى والثروة الحيوانية؟
فعلا هناك خطوات فى هذا الاتجاه، ولكن الأمر يتطلب إجراء حوار وطنى حول الوثيقة وتشارك فيه الأحزاب التى تملك القدرة على المناقشة ويشارك الاتحاد العام لعمال مصر؛ لأن الكثير من الوثيقة متصل بالعمال ومستقبلهم، ولابد من الاستماع إليهم، إلى جانب اتحاد الصناعات الذى يعبر عن رجال الأعمال فى مجال الصناعة
خاصة أن هذه المجالات من الممكن أن يترتب عليها قفزة فى الأسعار فى ظل القدوم للاقتصاد الخاص، والذى يحتاج نموه لمعاملة ضريبية مناسبة وتمويل يتناسب مع ما يقوم به وتوضيح الأمور فيما يتعلق بسياسة تعيين العمالة، خاصة أن نشاط البنوك خلال الفترة الأخيرة انصب على شراء دين الحكومة من خلال سندات وأذون الخزانة لأن عائدها كبير لدرجة أن 70% من استثمارات البنوك كانت منصبة على هذا الأمر، و30% للسلع والسيارات.

وهنا علينا أن نستفيد من دور بنك مصر الذي عند إنشائه كان يمول الشركات الكبرى مثل المحلة الكبرى وكفر الدوار، ولا بد أن أشير إلى تحفظى على خروج الدولة من الأنشطة الأساسية والتى تتضمن الحديد والأسمنت والألومنيوم لأنه يترتب عليها صناعات عديدة، ولابد أن تظل الملكية للدولة فى هذه القطاعات لارتباطها بالأمن القومى، وبالتالى الصناعات العامة لا يمكن الخروج منها وإن كان مسموحا للقطاع الخاص بالدخول بشرط ألا تتجاوز نسبته 49% كما لا يجوز أن تخرج الدولة من مجالات التعليم أو الصحة.
 

*وما رأيك فى دور الصندوق السيادى فى تعزيز مشاركة القطاع الخاص؟
الصندوق السيادى به درجة من الشفافية لنشاطه فهو ينطوى على درجة من الازدواجية بوجود أكثر من مسمى مثل الصندوق السيادى وهيئة الاستثمار وهيئة التنمية الصناعية وبنك الاستثمار القومى، وبالتالى هناك تداخل مع الصندوق السيادى والدولة التى بدأت فى ذلك ولديها فائض وتريد استثماره فى الصندوق السيادى.

 

*وما تعليقك على تأسيس مجلس أعلى للثورة الصناعية بوثيقة سياسة ملكية الدولة؟
الدول التى دخلت الثورة الصناعية لم تدخل من باب المجلس الأعلى لأن المحصلة ستكون «صفر»، ولكن الأمر يحتاج إلى مجموعة من الحوافز والروادع، وهنا لا بد أن نشير إلى أنه طالما ظل لدينا 30% نسبة الأمية فلن تحدث ثورة صناعية إلا إذا تخلصنا من الأمية.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية