رئيس التحرير
عصام كامل

العملات الأجنبية والاحتياطي.. رؤية مستقبلية

في مقابلة مع بعض طلبة كلية تجارة لأجيب عن أسئلة في مشروع تخرجهم كان السؤال الأول له عدة تفريعات وهو عن التوقعات في سعر العملات الأجنبية، والأبعاد المتعلقة بأسعار العملة الاجنبية، وكيف تجعل مصر عملتها قوية؟، كانت إجابتي أنه ينبغي بداية أن نوضح أن المقصود بالعملات الأجنبية كل العملات غير الوطنية وعلى رأسها الدولار واليورو.. 

 

والذي يحدد ارتفاع العملات الأجنبية وانخفاضها محددات عديدة  يأتي على رأسها علاقة العرض والطلب الخاصة بالعملة، فإن عملة أي دولة هي نفسها أي سلعة محددة في السوق، مما يعني أنه إذا زاد الطلب على عملة معينة، فسوف يرتفع سعر صرف العملة مقابل العملات الأخرى، مثل إذا كنا نتحدث عن الجنيه مقابل الدولار الأمريكي فإذا تجاوز الطلب الأمريكي الجنيه، فسوف يتسبب في ارتفاع الجنيه مقابل الدولار الأمريكي والعكس صحيح.. 

 

بمعنى أن ارتفاع سعر الدولار مرتبط بالطلب عليه، فكلما زاد الطلب عليه ارتفع سعره في مقابل الجنيه، ومن المعلوم أن مصر تستورد معظم حاجاتها وسلعها من الخارج؛ أي ٨٠ % من حاجاتها، ومعظم السلع يتم استيرادها بالدولار، وبالتالي يحتاجه المستوردون؛ مما يرفع من سعره، لكن لو افترضنا أن مصر قللت من استيرادها سيقل الطلب على الدولار، وبالتالي ينخفض سعرها، ولا يكون تقليل الاستيراد سوى بالاهتمام بالصناعة والزراعة.

تحرير سعر الصرف


وأتوقع مع الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي من تقنين وضع الدولار، فلا يستطيع المستورد أن يحضر دولارا للبنك سوى بمصدره، وإن كان من السوق السوداء فلا يتعامل معه البنك، كما أن البنك ملزم بتوفير الدولار للمستورد الجاد، كل ذلك قلل الطلب على الدولار في السوق السوداء، واضطر حائزو الدولار بيعه سريعا، بعد أن أشاعوا أن سعره سيرتفع بعد العيد الماضي، وطبعا لم يشهد ارتفاعا مما زاد العرض فانخفض السعر، ولو طفيفا في هذه الآونة، ولو ظل الحال كما هو وتم الاهتمام بالصناعة كالمتوقع ستنخفض العملات الاجنبية وتقوى العملة المحلية بالطبع، كما يزيد من قوة العملة حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر والتي تزيد مع توفير المناخ الاستثماري الملائم. 

 

كما نجد أنه أحيانا تتدخل عوامل سياسية واقتصادية في سعر العملة، فعلى سبيل المثال يحافظ البنك المركزي الصيني على سعر صرف منخفض لأسباب المنافسة، وبالمثل لعبت ثقة المواطنين بالعملة المحلية دورًا في تقلبات العملة، كما حدث في سوريا خلال الثورة، فهناك سارع المواطنون للتخلص من العملة السورية واستبدلوها بعملة أجنبية، مما تسبب في انخفاض قيمتها بشكل كبير.
 

الاحتياطى النقدى

 

وكان سؤال الطلبة الثاني حول المتصور للاحتياطي النقدي الأجنبي لرؤية مصر ٢٠٣٠، وهل يمكن الوصول إلى ١٥٠ مليار دولار احتياطي؟ وكانت إجابتي أن نبدأ بتعريف ما المقصود بالاحتياطي النقدي الأجنبي؟ فنذكر أن المقصود به هو الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط والناتجة من القروض وتحويلات العاملين بالخارج وأنشطة السياحة وعائدات قناة السويس الخ. وقد إرتفع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر بقيمة 41 مليون دولار خلال شهر أبريل الماضي، مقارنة بشهر مارس، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.. 

 

وكان احتياطي النقد الأجنبي تراجع لأول مرة في 22 شهرًا خلال شهر مارس الماضي بنحو 3.9 مليار دولار بسبب استخدم جزءًا منه لتغطية احتياجات السوق المصري من النقد الأجنبي وتغطية تخارج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية، وكذلك لضمان استيراد سلع استراتيجية، بالإضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة. إذا الاحتياطي النقدي ليس المقصود به الناتج القومي الخاص بالدولة والمتحصل من كل الانشطة السياحية والاقتصادية الخ، كما يظن البعض وإنما هو كل دولار أو عملة غير وطنية بالبنك المركزي.. 

 

وهذه العملة لا تدل كما يقال على قوة الاقتصاد أو ضعفه، فلا علاقة لتحويلات المصريين بالخارج الدولارية أو عائد السياحة أو قناة السويس بالاقتصاد المنتج، فقد يكون الاحتياطي الدولاري مرتفع والاقتصاد ضعيف؛ لأن الاحتياطي الذي يدل على قوة الاقتصاد ينبع بعيدا عن القروض والسندات، ويكون نتيجة استراتيجية الاستثمار واستراتيجيات الأمن الغذائى الكبيرة، وتقليل نسبة الاستيراد وزيادة الصادرات، ذلك الأمر الذى يوفر العملة الأجنبية.

تعويم الجنيه


وكان السؤال الأخير: شهدت مصر في ٢٠١٧ تعويم الجنيه فما أسباب التعويم وهل ممكن تكرار ذلك؟ وكانت الإجابة أن سعر الصرف العائم أو تعويم العملة هو سعر صرف العملة الذي طرأ عليه تعويم بحيث أصبح محررًا بشكل كامل، فلا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية. وتتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى أنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد. 

 

وهناك تعريف آخر لتعويم العملة، وهو ترك سعر صرف عملة دولة ما يتحدد وفقا لقوى العرض والطلب في السوق النقدية، أي جعل سعر صرفها محرر بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر. وإما أن يكون التعويم خالصا أو يكون مُوجَّها: والتعويم الخالص يتم فيه ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر. 

 

أما التعويم المُوجَّه فيتم فيه ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية. وقد قامت مصر في ٢٠١٧ بتعويم موجه حيث كانت توجه البنوك بثبات سعر الصرف في حدود ١٦ جنيه، وتغطي حاجة البنوك للدولار، لكن في ٢٠٢٢ اضطرت مصر للتعويم الخالص لقلة ما لدى البنك المركزي من دولار، وبالتالي رفع يده عن تغطية البنوك بالدولار وترك كل بنك يحدد سعر الدولار كما شاء، فارتفع الى ١٨ جنيه و٨٠ قرشا في ليلة.. 

 

 

وبالطبع بعد التعويم الخالص لا توجد فرضية جديدة للتعويم، وقد لجأت مصر للتعويم بسبب ندرة الدولار بسبب كورونا والحرب الأوكرانية، وقبلهما كان بسبب توجيه صندوق النقد لذلك حتى يسمح بإقراض مصر، وتحافظ الدولة من خلال الإجراءات المالية التي اتخذها البنك المركزي -وسبق أن أشرنا إليها في السؤال الأول- على عدم ارتفاع سعر الدولار بالقضاء على السوق السوداء للدولار ليظل في الحدود الامنة.

الجريدة الرسمية