رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية المستريح وعجز الجهاز المصرفي

في حين كان أحمد حسن عائدا من عمله بشركة المقاولات بمدينة إدفو بأسوان في صعيد مصر إلى قريته، فوجئ بتجمع من الأهالي الذين يعرفهم جيدا يقفون أمام منزل قديم وفي يد كل منهم بعض الأوراق ونقود كثيرة، ويتذللون إلى شخص واقف على باب المنزل ليسمح لهم بمقابلة صاحب المنزل الذي يعرفه أحمد جيدا، فهو مصطفى توكتوك الذي زامل أحمد منذ الطفولة، وفشل في دراسته، ثم عندما صار شابا عمل على توكتوك.. 

 

ومن هنا صار اسمه مصطفى توكتوك، وكان سلوكه مشينا دائما بين أهل القرية فتجنبه الناس كما تجنبه أحمد، وتم إلقاء القبض عليه في إحدى الجرائم وسجنه، ثم بعد السجن غادر ليعيش بالإسكندرية، لكنه عاد مرة أخرى، ليقول إنه يعمل في مجال تجارة المواشي والجِمال، وإن الله قد فتح عليه باب الرزق الواسع ببركة السيدة زينب بنت رسول الله، وإنه عاد إلى قريته كي يساعد الفقراء على تحقيق أحلامهم!


وبالفعل كان مصطفى توكتوك يأخذ المواشي بأضعاف أثمانها، والغريب أنه أحيانا يعيد بيعها لمن اشتراها منه بأبخس الأسعار دون سبب معقول، وكان يأخذ من البعض الأموال ثم يعيدها مضاعفة في خلال 21 يوما؛ مما سحر الناس ولم يجدوا لذلك تفسيرا فانتشر بين الناس –وقد يكون مصطفى هو وراء ذلك– أن مصطفى عثر على مقبرة أثرية فرعونية، وإنه نشر موضوع تجارته في الماشية والأبقار من أجل غسل أموال تجارة الآثار المُجرمَة في القانون. 

المستريح وتوظيف الأموال

 

وإستطاع مصطفى توكتوك خلال ثلاثة أشهر أن يجمع أكثر من 200 مليون جنيه من أهل القرية والقرى المجاورة، بعد أن أعطى وعودا بتحقيق أرباح خيالية تصل إلى 400 في المائة من قيمة الأموال التي يقوم بجمعها من خلال مندوبيه. وأطلق عليه لقب البنك فصار بين الناس مصطفى البنك، وحتى يحبك النصب إدعى أنه يقوم بكل ذلك بتوجيهات السيدة زينب التي توجهه لذلك، وأنه صار إبنها، ووضع حول رقبته مسبحة طويلة جدا فوثق الناس فيه وقاموا بالاقتراض من البنوك أو بيع الحُلي والمجوهرات الذهبية لزوجاتهم وبناتهم..

 

كما قام بعض الشبان بتسليم سياراتهم وأصبحوا حاليا بدون أي مصدر للرزق، وبعضهم ينتظر الحبس بسبب قروض البنوك التي لن يتم الوفاء بها. كل ذلك بسبب الطمع الشديد من الناس في المكسب السريع وتقاسم الغنيمة الحرام التي هي الآثار مع البنك الذي اختفى بأموال الناس، قبل أن تلقي قوات الأمن القبض عليه من مخبئه في إحدى المناطق الجبلية المتاخمة للقرية، بعد ما شهدته القرية من احتجاجات لأصحاب الأموال تخللها اعتداؤهم على الوحدة الصحية للقرية وسيارات الإسعاف والشرطة، وقيامهم بحرق بعض المنازل والممتلكات الخاصة بمندوبي مصطفى البنك.


وبالطبع فظاهرة المستريح وتوظيف الأموال ظاهرة ترجع إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي شهدت بروز ما كان يعرف بـ شركات توظيف الأموال، وأشهرها الريان، السعد والهدى. وقد عمدت هذه الشركات إلى أخذ الأموال من المودعين بغرض استثمارها مقابل عائد مادي عال، خاصة بالمقارنة بأسعار الفائدة في البنوك التي كانت منخفضة حينها. 

 

تمتعت هذه الشركات أيضا بغطاء ديني، قدمه عدد من المشايخ، الذين قدموا خدماتها كوسيلة للربح الحلال مقابل البنوك الربوية. وعادت هذه الظاهرة لتطل برأسها من جديد عام 2014، من خلال أحمد مصطفى، الذي اشتهر بلقب المستريح، واستطاع أن يجمع من أهل قريته في صعيد مصر أكثر من 53 مليون جنيه لاستثمارها في تجارة بطاقات شحن الهواتف المحمولة، وتم القبض عليه في 2015، وحصل على حكم نهائي بالحبس لمدة 15 عامًا ورد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدني في قضايا تتعلق بالاحتيال المالي. 

 

الأموال المخزنة

 

وقد تكررت وقائع النصب والاحتيال المالي. ونجد أن هذه الظاهرة تحمل شقين أحدهما وجود أموال ضخمة بين يدي شريحة البسطاء ومن يظهرون على أنهم فقراء، وخاصة سكان الريف والمناطق الشعبية والأحياء الفقيرة، وهؤلاء لا يثقون في البنوك، إذ يرى بعضهم أن أموالها حرام لأنها تقوم على الربا المُحرَم في الإسلام. والبعض لا يضع أمواله في البنوك خوفا من الضرائب أو نتيجة للحصول عليها بطرق غير مشروعة من خلال التجارة في المخدرات أو الآثار أو التربح من الوظيفة العامة من خلال الرشوة والفساد، هذا فضلا عن اعتقاد البعض بالحسد والخوف منه، ولذلك فإنهم، يقومون باستثمار هذه الأموال لدي المستريح ومن هم على شاكلته، بعيدا عن القنوات الشرعية.

 

وتبدو ظاهرة الأموال المخزنة واضحة ففي خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ضخ المصريون من خارج القطاع المصرفي مليارات الجنيهات في اكتتاب تفريعة قناة السويس الجديدة أو شهادات بنكي مصر والأهلي ذات العائد المرتفع، ونأتي للشقين الثاني من هذه الظاهرة وهو أين كانت هذه الأموال؟ ولماذا كانت خارج البنوك والجهاز المصرفي المصري؟


وللإجابة على ذلك نقول إن وضع الأموال لدى المستريح وعدم ضخها في البنوك لأسباب غير التي ترجع للاعتقاد بالحرمة والحسد، ومن هذه الأسباب ارتفاع تكاليف التعامل مع الجهاز المصرفي، وارتفاع قيمة الرسوم والمصروفات الإدارية والعمولات. فضلا عن عدم نجاحه فى تقديم الخدمات المصرفية المطلوبة فى الريف والقري، ولا الوجود بالقرب منهم وفى أماكن يسهل الوصول اليها.

 

فرغم توسع البنوك فى انشاء العديد من الفروع فإنها تعانى مشكلة التركز، إما فى القاهرة الكبرى أو بعض المحافظات الحضرية وفى مدن هذه المحافظات ولم تحقق الانتشار المصرفى المطلوب فى جميع مدن وقرى مصر. 

 

 

كما لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد كيانات استثمارية مناسبة تتمكن من جذب هذه الأموال، فرغم الحديث حول تشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، فإنها لم تتحول بعد الى سياسات محددة، رغم صدور القانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، خاصة فيما يتعلق بالمزايا الضريبية والجمركية، وكذلك قانون تنظيم وتشجيع عمل وحدات الطعام المتنقلة رقم 92 لسنة 2018.كما انها، وهذا هو الأهم، لم تتجه الى هذه المناطق ومازالت جميع السياسات والإجراءات المطبقة حتى الآن تركز على القاهرة الكبرى وبعض المدن الأخرى.

الجريدة الرسمية