رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى رحيله.. لماذا شكل الرئيس عبد السلام عارف حالة نادرة في السياسة العراقية؟

عبد السلام عارف
عبد السلام عارف

يظل الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف، رقم صعب وحالة نادرة في السياسة العراقية، كانت حياته ومشواره السياسي تشي بالكثير من الانجازات، اتبع نهجا سلميا في مرحلة كانت شديدة القسوة بالحياة السياسية العراقية، وبقى في حكمه دون عزل أو قتل أو نفي كما حدث مع أقرانه، ولم يترك السلطة إلا بسبب وفاته التي كانت في مثل هذا اليوم أثناء تحليق طائرته بين القرنة والبصرة.

 

عن عبد السلام عارف 

عبد السلام عارف، من مواليد 21 مارس عام 1921، وهو ضابط عسكري وعضو في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي ووزير الداخلية بالوكالة ونائب رئيس الوزراء عام 1958 ورئيس جمهورية العراق والقائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية من عام 1963 إلى 1966، ويعدُ عبد السلام عارفّ ثاني حاكم عراقي من بعد الحكم المَلكي، ومن أحد قادة ثورة 14 يوليو 1958، وكان الرجل الثاني في الدولة بعد العميد عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء وشريكه في الثورة.

 

 تولى منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهو برتبة عقيد أركان حرب، ثم حصل خلاف بينه وبين رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم جعله يعفيه من مناصبه، وأبعده تماما بتعينه سفيرًا للعراق في ألمانيا الغربية، بعدها لفقت له تهمة محاولة قلب نظام الحكم وحكم عليه بالإعدام ثم خفف إلى السجن المؤبد وأخرج من السجن ليتم وضعه في الإقامة الجبرية حتى قيام حركة 8 فبراير1963 التي خطط لها ونفذها حزب البعث العربي الاشتراكي بالتعاون مع التيار القومي وشخصيات مدنية وعسكرية مستقلة.

 

رئاسته للجمهورية 

 

توتر الأوضاع وحالة الغليان التي تسبب فيها عبد الكريم قاسم كان وراء اختيار عارف رئيسًا للجمهورية من قبل المجلس الوطني لقيادة الثورة، حيث كان يتسم بشخصية كاريزمية مؤثرة في الأحداث وذوعاطفة وانفعال ومشاعر وطنية جارفة، لكنه بعد توليه الرئاسة عام 1963 عرف بشخصية متوازنة ومؤثرة، حيث أصبح أكثر عمقا وتفهما لضرورات الأمن القومي العراقي والسياسة المحلية والدولية، وبدأ يطرح مبادئه وايديولوجياته عن ما أسماها الاشتراكية الإسلامية، والوحدة العربية. 

تاثر أسلوب ومنهج عبد السلام محمد عارف في الحكم بشخصيته وتطورها، وأرسى مدرسةً خاصةً به في الحكم تعتمد على المبدئية والتسامح واتاحة المجال أمام الطوائف والقوميات والأعراق للتعبير عن نفسها.

تميز منهجه في الحكم بأعطاء مساحة من الحرية والصلاحيات لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء بالعمل على اختلاف انتماءات الوزراء بشرط الالتزام بمعايير القانون والدستور واكتفى باعفاء الخصوم السياسيين الذين دبروا محاولات انقلابية ضده، وكان أحيانا يعيدهم إلى وزاراتهم بعد فترة من الزمن أو بعد مصالحة ومنهم اللواء أحمد حسن البكر، رئيس مجلس الوزراء الذي وضعه تحت الإقامة الجبرية، ثم أعاده بصفة نائب رئيس الجمهورية. 

سجل التاريخ للرئيس عبد السلام عارف تطلعه لبناء عراق قوي مرفه بعيدًا عن المشاكل الدولية منطلقًا من فلسفته في بناء الوحدة الوطنية كأساس لتحقيق الوحدة القومية، ولهذا كانت له عدد من المبادرات لترسيخ الوحدة الوطنية من خلال التقارب مع الزعامات الكردية والمراجع الشيعية والمسيحية.

اهتم عارف بوسائل الاعلام وحرية الصحافة فأسس وكالة الانباء العراقية عام 1965 وفسح المجال للصحافة الحرة بالعمل وافتتح استوديوهات جديدة للتلفزيون العراقي مجهزة بأنظمة حديثة واهتم بالفن والفنانين ودعم فرق التمثيل العراقية المسرحية والتلفزيونية وكان نتاج ذلك عددا من الأفلام العراقية المهمة والمسلسلات التي لا زالت تلقى شعبية لحد الآن مثل سلسلة تحت موس الحلاق للفنانين حمودي الحارثي وسليم البصري.

اهتم أيضا بالشئون الدينية وافتتح عام 1966 جامع أم الطبول أو أم القرى ويعد أكبر مسجد في العراق في حينها وهو نسخة طبق الاصل للجامع الأزهر في القاهرة من حيث الزخارف وفن العمارة وحجم البناء كما اهتم باثار حضارة وادي الرافدين ودعم فرق التنقيب والبحث وافتتح المتحف الوطني للاثار وأصلح النظام القضائي بادخال اقتباسات من الشريعة الإسلامية من خلال لجنة شرعية اشرك فيها علماء من الطائفتين الشيعية والسنية، ولهذا يعتبر أول من نشر أفكار عن الاشتراكية الإسلامية وما اسماها بالعلاقة الصميمية بين الوحدة الوطنية والوحدة القومية.

 

كان له اتباطا وثيقا بالرئيس  جمال عبد الناصر وأفكاره وحاول معه الارتقاء بالأمة العربية، لكن القدر لم يمهله فتوفي في حادث طائرة هليوكبتر مساء 13 أبريل 1966، حيث سقطت الطائرة بين منطقة القرنة والبصرة، ليتولى شقيقه الرئيس عبد الرحمن عارف مقاليد الحكم في العراق بعد التصويت عليه من قبل مجلس الوزراء، ويبقى عبد السلام في ذاكره الأمة العراقية والعربية، يحكم عليه التاريخ بما له وما عليه. 

الجريدة الرسمية