رئيس التحرير
عصام كامل

صوت السيسي في الدراما الاستقصائية

يتابع المصريون، وباهتمام قصة حياتهم، في أجزاء ثلاثة، بدأت ب الاختيار١، عن البطولات والتضحيات وتخليد المنسي رمزا وروحا وطنية سامقة، ثم الاختيار٢، عن معركة المعلومات وكشف العملاء والتمويلات والخونة واستمرار نزيف البطولات والتضحيات، وفى الجزء الثالث الذي نتابعه الآن تحت عنوان القرار، يعيش المصريون ما عاشوه قبل عشرة أعوام، أي في عام ٢٠١٢، عام القرار واستعادة هوية مصر. كلنا عشنا تلك السنوات الدامية، بكينا وارتعبنا، وتكالبت علينا الأمم، وكان عدونا منا فينا!


الآن نتفرج ونحن في بيوتنا آمنون، مطمئنون، تكوينا الأسعار ولا تكوينا رصاصات الإرهاب.. الجزء الثالث من الاختيار هو استمرار لنوع من الدراما الاستقصائية، تحقيق معمق طويل النفس، يواجه عقبات هائلة. عادة تجري التحقيقات المعمقة، بواسطة النيابات فى مواجهة متهم أو متهمين يضعون الحواجز العالية السميكة للتهرب من الاتهامات والإفلات من المحاكمة. 

 

في حالة الدولة المصرية وقت حكم الإخوان كان الإرهاب هو من يحكم ويسيطر، بل إن رئيس الدولة نفسه كان جزءا من حكم الإرهاب وأداة نافذة له، ومن ثم فإن الأجهزة السيادية الوطنية العظيمة، قاموا بهذه التحقيقات الاستقصائية. عادة تضع الأجهزة العقبات أمام الأفراد من المحققين، لكن انقلب الوضع فالنظام هو من يعادي أجهزته ومؤسساته، لأنها رمز الدولة وهو رمز اللادولة.

 

نجاح ياسر جلال
 

من أجل هذا نستمتع بكم الصدق والمعلومات التى أتيحت عبر هذه الدراما الاستقصائية. من أول مشهد تتحقق العلاقة أو لا تتحقق في أي عمل درامي. النفس الدرامي يجذبك أو لا يجذبك. في الاختيار الثالث، توفر عنصر درامي جاذب، على نحو فريد، وهو تجسيد شخصية رئيس لايزال في الحكم. شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن ثم فإن أنهارا من الفضول فاضت، للتعرف على المغامر الذي سيجسد شخصية الرئيس، يرى ويتابع ويحكم، وقد يعجبه أو لا يعجبه.. 

 

ويمكن القول أن أعظم المقلدين كان أحمد زكي في نسخه الثلاثة: ناصر والسادات وحليم، وكان حلمه كما أخبرنى ذات يوم، أن يقدم مبارك بطلا للطلعة الجوية التى مهدت لنصر أكتوبر، لكن الفكرة لم تر النور، ولم يجرؤ أحد على تقديم شخصية حاضرة، حتى فعلها المجنون فنا ياسر جلال..


ياسر جلال أصلا سيرة صبر جميل.. تتواصل الآن بثمار الصبر والثقة بالنفس، وانتظار عطاءات الله.
نجح ياسر جلال فى تجسيد شخصية السيسي نجاحا لافتا جدا، وهو أمر كما أوضحت شديد الصعوبة لسببين اثنين أن الشخص الذي يقلده هو رجل على قيد الحياة، أمد الله عمره، وأنه رئيس البلاد الحالي. وكبشر فإنه قد يضيق أو يسعد، والعمل المستمر.. فإن ضاق فقد لا يستمر وإن أسعده فهو مستمر.. ومن الجلي أنه مستمر، إذن فالرئيس راض. 

 

أبرز الملامح الخارجية لشخصية السيسي صوته ثم إشاراته البدنية. فى الصوت لوازم متكررة، متأنية، تمهد للكلمة وتبحث عن اللفظ الصحيح. الموجز للتعبير عن معنى. المعنى قد يكون أمنيا، فترى البحث متكرر عن أدق لفظ لا يكشف بقدر ما يطمئن. وفى نبرة صوت الرئيس طيبة وحنية ملحوظتان، تعبر عنهما دموعه السريعة وملامح وجهه حين يحتضن كفن شهيد أو رأس انسان معاق.. ثم إن صوت الرئيس ينتقل بسرعة من الحنان الى الحزم، وفى ذلك نجح ياسر جلال بشكل لافت فى مشاهد جمعت الفريق السيسي بالمهندس خيرت الشاطر وبالمرشد بديع..

 


أهو وصوت ياسر جلال أم صوت الرئيس السيسي؟ يصعب على الناس التمييز حقا.. وهذه شهادة لتفوق الفنان فى التلبس الكامل. أما الملامح البدينة للرئيس السيسي فهى انحناءة خفيفة جدا، تعكس الرغبة فى الانكباب على ما يقول ويفعل بقدر ما هي تكوين بدني. أي بفعل المتحدث لا بفعل الجسد كخلقة. ثم اشارات الكفين والذراعين وتضييق العينين عند التحدث رمزا لتركيز العقل.
فى كل هذا نجح الفنان ياسر جلال، والكاتب هاني سرحان والمخرج المبدع بيتر ميمي، قدموا لنا دراما ممتعة كاشفة، ناجحة حتى الآن، ومن أول شهقة..
ونتابع..

الجريدة الرسمية