رئيس التحرير
عصام كامل

أول يوم صيام

ليس أول يوم في العمر، فذاك قد ذهب بعيدا في الوجدان وفي الذاكرة، وهو تقريبا تجربة كل طفل فصبي فشاب.. ساعات متدرجة حتى يكتمل اليوم صياما باكتمال القدرة على التحمل.. فإن لم يكن هو أول يوم في العمر، فماهو إذن؟ هو أول يوم في رمضان ذاته.. إنه تجربة أخرى فاصلة. دواعى سرد هذه التجربة بدأت بسؤال وجدته يتردد في ذهني بعد أن نهضت من النوم أمس صائما.. 

 

لماذا لا أشتاق إلى طقوس الصباح اليومية التى أمارسها بحب وبشغف احد عشر شهرا؟ أين افتقاد القهوة والفطور وملعقة العسل المذاب في ماء دافئ ؟ لقد صحوت وأنا مدرك أنى صائم، وكلنا نمنا على نية الصيام، وكلنا لما بدأ الشهر الكريم رددنا النية بصومه كاملا ودعونا الله أن يعيننا وأن يثيبنا وأن يغفر ذنوبنا المتراكمة أحد عشر شهرا..


لماذا إذن لم أجد نفسي متجها إلى المطبخ، أشغل الكاتل وأصب الماء الساخن على النسكافية.. لماذا لم أشرب. لماذا لم أطعم بسكويتة حتى؟ حين عقدنا العزم على طاعة الله بأداء الصوم، برمجنا أنفسنا على أنه لا طعام ولا شراب، بل صيام وصلاة وقراءة القرأن الكريم. قوة العزم، أو قوة النية، تخلق، إذن برمجة نهائية لتوجهاتنا الجديدة. 

 

خشية الله

 

البرمجة القوية تمسح العادات السابقة بمجرد تحديد اللحظة التى تبدأ عندها النية. هي بالتاكيد لحظة أن يرفع المؤذن آذان الفجر. تمتنع تماما وأنت راض، بل وأنت طالب الرضا من الله.. وربما تنام وأنت عطشان وريقك حطب وخشب.. لكنك تخشى أن تفطر، لأنك عقدت النية الخالصة على الطاعة لله في شهر من أحب الشهور إلى الله.. 

 

لأن صيامنا لله وهو، سبحانه، يجزى به. انتصف اليوم والبرمجة شغالة، لا عطل ولا تهنيج، والواحد يمضي يومه وصيامه وفق اعادة الهيكلة البدنية الجديدة، ومع حلول ساعات العصر، يطرأ على البرمجة، ما يطرأ على الآلة من افتقاد الطاقة، كهرباء. بنزين. بطارية. تتحرك مغصة في البطن. إنها إشارة الجوع. لماذا لم تطلق المعدة هذه الإشارة في الصباح. البرمجة منعتها. فرحة البدء منعتها. مع تقدم ساعات النهار يشحب أداء البرمجة وتتخفف قبضتها عن المعدة فتصرخ طلبا للطعام. 

 

عندئذ تستدعى خشية الله ونية الصوم تتجدد، وبعد مغصة او مغصتين، تجدك تجاوزت الزلل العارض، وتدخل إلى ما قبل المغرب.. شعور ما قبل المغرب فيه فرحة تشبه فرحة بدء الصيام مع الفجر، لانك مع دخول المغرب وطقوسه القرأنية البديعة، بأصوات الشيخ محمد رفعت، أوالشيخ مصطفى اسماعيل أو الشيخ الحصرى أو الشيخ البنا أو الشيخ المنشاوى، تمتلئ روحك بالطعام الرباني.. 

 

سكينة وتدبروشرحة صدر، ويقترن هذا كله بجو عائلي، فيه ألفة وفيه مودة، ومن فوق الجميع روائح الخير من طعام وشراب وفرحة كسر الصيام بثمرة او شربة ماء ما ألذها.. وتحل البركة في كل شئ.. وترتاح النفس وتهدأ الروح..
عقد النية على الطاعة، أو برمجة النفس على الانضباط، حيلة نفسية تصلح للعمل بها ليس فقط في رمضان، بل طيلة شهور العام..

الجريدة الرسمية