رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأحزاب.. المطاردة فى كل العصور

صحفي محظوظ من كان يكلف بتغطية أنشطة أحزاب المعارضة، إذ إن الحياة السياسية فى حينها كانت مناطق ثرية خبريا، وتحظى باهتمام جماهيري وسلطوي. وتفاصيل وأسرار الحياة الحزبية كانت تدور فى فلكين متعارضين، صحف الحكومة تغطى كل ما من شأنه التحقير من شأن العمل الحزبي، فى حين تكون التغطية إيجابية من جانب صحف المعارضة.

المهم أن الحياة السياسية كانت تتسم بالحيوية والديناميكية، وتجد فيها مساحات من العمل الصحفي والشعبي، فكل حزب -خاصة من الأحزاب التى كانت تحظى برؤى واضحة ومحددة- يتبارى فى طرح وجهة نظره فيما تتناقله ساحات الحوار. 

كان حزب الوفد صاحب شعبية كبيرة تبدو واضحة للعيان كلما دعا الباشا فؤاد سراج الدين إلى مؤتمر حزبى بقصر الحزب بالدقي، كان الحضور يفوق أرقام بعض مباريات كرة القدم. وكانت منصات الحضور تحظى بحضور من خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع، ومصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار، وإبراهيم شكري رئيس حزب العمل، وغيرهم من الأسماء الكبيرة.

الحياة الحزبية

مثل هذه المؤتمرات كانت تسبب صداعا أمنيا، غير أن النظام كان يراها واحدة من أهم أدوات استقراره، وواحدة من الصور التى يتباهى بها أمام الأمم الأخرى. ومع ظهور قوى أخرى كانت لا تزال فى الغيب أطيافًا، تراجع دور الأحزاب لصالح منظمات حقوقية بدأت فى اعتلاء المشهد، واختلط ما هو سياسى بما هو معلَّب ومستورد من الخارج.

ووجدت الدولة نفسها أمام قوة لا يستهان بها على الساحة، فكانت الطامة الكبرى عندما لجأ النظام إلى ضرب الحياة الحزبية لصالح منظمات المجتمع المدنى صالحها بطالحها. وحدث الحراك الذى لم يكن منه بد، وبدأ الشارع يتلقى رسائل هذه المنظمات دون أن يفرز الغث من الثمين، ودون أن يكون للنظام أجندة واضحة فى التعامل معها بحسم.

خلت الساحة، وظهر مفرد جديد كما لو كان هو الوحش الذى نهش ما تبقى من أحزاب أراد لها النظام أن تستكين، وأن تهمل وفق أجندته هو، فحاصرها فى مقارها، فكانت مواقع التواصل الاجتماعى بديلا لم يعمل النظام حسابا دقيقا له، اجتذبت وسائل التواصل الاجتماعى أعدادا كبيرة من شباب غض لا ناقة له ولا جمل فى المعارك السياسية، وبدأ هذا القطاع يفرض نفسه على الساحة بإمكانات تفوق إمكانات الدولة.

كان النظام قديما يتندر على أحزاب المعارضة فيقول عنها «صحف تصدر أحزابا وليس العكس»، فوجد نفسه فجأة أمام منحنى خطير لا يملك أدوات التعامل معه، بعد يناير تغير المشهد تماما حينما انضوى عدد كبير من شباب الميادين فى أحزاب جديدة يمكن وصفها بحالة «الإسهال الحزبى»، فظهر على الساحة أكثر من مائة حزب.

فشلت منظومة الأحزاب الجديدة فى الوصول إلى الناس عبر أول انتخابات برلمانية نزيهة، وبدا واضحا أن النضال الإلكترونى أسهل بكثير من فكرة العمل الحزبى التى تتطلب وجودا فعليا بين الجماهير. ومن استعراض ما حدث قديما وحديثا يمكننا القول إن ثورة يوليو التى تعاملت مع مبادئها المعلنة بشيء من الاستخفاف وعدم إقامة حياة ديمقراطية سليمة قد حصلت على لطمة كبرى عام ١٩٦٧م بهزيمة عسكرية مخيفة.

بدأ «عبد الناصر» يدرس من جديد أسباب الفشل، وانتقد الكثير من الأمور التى فرضها ثوار يوليو، وتحدث عن فساد التجربة وكارثيتها، ولكنه لم يكن فى موقف الإصلاح والحرب لم تضع أوزارها بعد، جاء «السادات» بتجربة حزبية مريضة سلمها لسلفه «مبارك» الذى تعامل معها بنفس المنهج، فأصبح لدينا حزب واحد تنافسه مجموعة من أحزاب كارتونية أو أريد لها أن تظل كارتونية، فكانت النتيجة ثورة يناير.

 

 

لم يجد الحزب المهيمن على كل شيء معينًا له فى أزمته فى يناير، وكانت النتيجة أن تسلمت جماعة الإخوان المشهد، فأرادت هى أيضا الاستئثار بكل شيء، وفرضت وصايتها على الشعب، فجاءت ثورة «٣٠ يونيو» لتخلص البلاد والعباد من فكرة التنظيم الواحد الأوحد.

التاريخ صفحة مقروءة لمن يعي ولمن يدرك، والأهم أن تقرأ صفحاته قبل حدوثها، لأن القراءة بعد التدوين لا توفر استقرارا ولا وطنا هادئا وقادرا على صون أمنه وحماية حدوده.

Advertisements
الجريدة الرسمية