رئيس التحرير
عصام كامل

الولد للفراش والـ DNA

مشكلتنا أننا لا نحسم كثيرًا من قضايانا ونتركها معلقة وكل فترة تثار قضية حول  الولد للفراش، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تحليل DNA لمعرفة نسب الأبناء يصطدم مع تلك القاعدة الفقهية الشهيرة والتي يحتج بها كثير من العلماء وهى: الولد للفراش؟

 

يري الكثيرون أنه ليس من المعقول بعد أن وصلت العلوم لهذا الطور المتقدم ولا يكون الولد ل DNA  خاصة وأن دار الإفتاء تري أن إثبات النسب أو نفيه بالبصمة الوراثية يجب ألا يقدم على القواعد الشرعية ولا وسائل الإثبات الأقوى منه، ولكن يجوز استخدامه في حالات التنازع على مجهولي النسب، أو حالات الاشتباه بين المواليد، أو ضياع الأطفال واختلاطهم، ولا يصح لإثبات نسب لمعروف النسب ولا لمولود الزنا. 

 

الشرع والعلم

 

وقد إتفق الفقهاء على أن ولد الزنا يثبت نسبه من أمه التى ولدته، وذلك لأن الأمومة علاقة طبيعية، بخلاف الأبوة فهى علاقة شرعية، فلا تثبت أبوة الزانى لمن تخلق مِن ماء زناه.. وهنا يصطدم الشرع بالقانون الوضعى الذى لا يسمح بتسجيل الطفل بإسم أمه وهكذا فاننا نتعامل مع إثبات النسب كمن يشق بطن الحامل ليعرف نوع الجنين ولا يعترف بوجود السونار!. نتعامل مع الطفل وهو الضحية وكأنه فضيحة تسير على قدمين، مفروض عليه أن يسدد ثمن خطيئة أمه مدى الحياة.. نتعامل مع العلم والقانون وكأنهما بدعة من عمل الشيطان. 

 

ورغم ذلك كانت هناك محاولات وسطية لحل المشكلة، ففي عام 2010 أعلنت مشيرة خطاب، وزيرة الأسرة والسكان وقتها، عن مشروع تعديل لقانون الطفل يعالج مسألة قيد مجهولي النسب لجد الأم، إلا أن المشروع إختفى مع أحداث يناير، وهناك اجتهادات تري أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش. فهذا القول لا شك أنه صحيح، ولكن في زمنه.. 

 

فهذا هو الرد المنطقي الوحيد في ذلك العصر ولم يكن بإمكان الرسول الكريم أن يقول ليذهب الزوج والزوجة والأبناء إلى مختبر لعمل فحص دم أو فحص DNA حتى ولو كان يعلم بأن مثل هذه الأمور سوف تكون متاحة في المستقبل. لذلك كان قوله: الولد للفراش. هو الإجابة الأكثر منطقية والأكثر عدلا في ذلك الوقت. ولكن علينا أن نستوعب نحن بأن هذا القول وغيره من بعض الأحاديث كانت محدودة بالفترة الزمنية التي قيلت فيها ولا يوجد -والله اعلم- ما يوجب الأخذ بها مع تغير الزمن وأدوات التكنولوجيا الحديثة. 

 

 

ولهذا مطلوب بنظرة أشمل وأوسع مما هو عليه الحال الآن وربما تقسيمها إلى أحاديث آنية وأحاديث قطعية، نحن نعلم بأنه لا ينطق عن الهوى. ولكن ذلك في الأمور الدينية وليست الدنيوية، وقد أخبر الرسول بذلك حيث قال: أنتم أدرى بأمور دنياكم –فيما يتعلق بتلقيح النخيل- ومن القواعد الفقهية ذات الصلة: “حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله”، أي أن قاعدة العرف دليل من أدلة التشريع الإسلامى وأصله قول الصحابى الجليل عبدالله بن مسعود رضى الله عنه: “ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن”.. على ضوء ذلك فإن التحليل الحمضى المعروف بالـ DNA  من حيث الأصل لا مانع منه ويجوز استخدامه في الأعمال الجنائية ودعاوى النسب. فمتى يقول رجال الدين هذا مبلغنا من العلم؟؟

الجريدة الرسمية