رئيس التحرير
عصام كامل

الله محبة

سألني صديقي "عبد الرحمن المكي" منذ عدة أيام، هل ستغضب أن لم أهنئك بمناسبة بدء العام الميلادي الجديد، أو بميلاد المسيح يوم 7 يناير؟، فأجابته بالاجابة التي هو يعلمها مسبقًا، وهي أنني بالطبع لن أحزن ولا أغضب إذا لم يهنئني بالعيد. فالعيد قائم سواء أتت لنا المعايدة من أصدقائنا المسلمين أو لم تأت، فلن تمنع أن تفرح قلوبنا بميلاد السيد المسيح -له كل المجد والتقديس والسجود- لأن ميلاده يأتي كل عام ليزف الفرح في قلوبنا، لا أن ندع فرصة لأي مشاعر أخرى سلبية أن تحتل قلوبنا.

 

ولكن أكثر ما يغضبني بالحقيقة، هو الهجوم الذي ينشأ إذا فكر أحد الشيوخ، أو الدعاة أن يقوم بتهنئتنا نحن المسيحيين، وكأننا لسنا بشرًا وللعلم فكلام العامة الذي يوجه إلى الشيوخ أو الدعاة في تلك الحالة يصيبنا نحن أيضًا بالحزن ليس فقط على حالنا ولكن على حال من لا يستحق أن يشتم أو يوجه له السباب لأنه فقط أراد أن يقدم المحبة لشخص غالي عليه.

تهنئة العيد

 

فخلال الأيام الثلاث الأخيرة عندما فكر الحبيب علي الجفري أن يهنيء الأخوة البروتستانت والكاثوليك بعيد الميلاد انهالت عليه الكثير من التعليقات السلبية التي وصلت إلى حد التكفير والتشكيك في إيمانه من الأساس، واعتباره خارج عن الدين وعن الملة.

 

أما عندما قررت أن تصرح دارالإفتاء المصرية -مشكورة ولها جزيل الاحترام والامتنان على كلماتها الرقيقة- أن تهنئتنا ليست حراما، كانت الكومنتات خليطا من الكوميديا السوداء بين التساؤل بأن من الذي يمسك بدار الإفتاء، مرورًا بسؤال أحدهم الذي استوقفني كثيرًا عندما قال لهم: "أنتوا هتفتوا؟".

 

أما اخيرًا، فكانت التعليقات الموجعة والتي جعلتني أريد أن أتقابل مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لأقبل يده، وأشكره على مشاعره النبيلة والرقيقة التي عبر عنها باللغة العربية والانجليزية والفرنسية وبلغات أخرى حتى يجعل رسالة السلام والحب تصل إلى العالم كله لكنها قُبلت بالرفض وبالذم بل وبالاشارة إلى أحد الشيوخ الشباب التابعين لمؤسسة الأزهر الشريف، وكأنه هو الذي يجب أن يرد على فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب!

 

الأديان في أساسها لم تأتي لتفرق أو لتنشر العداوة، بل آتت لتهذيب النفس، ولنشر السلام والمحبة، فالمسيح عندما سأله أحد "الناموسيين" ليجربه قال له: "أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟"، فكان رد المسيح عليه بسيطًا ورائعًا إذ قال له: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ.  هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ.".

 

 

تتلخص الأديان كلها في محبة الله ومحبة الناس، لأن المحبة لا ترتبط بالدين نفسه أو متعلقة بدين واحد دون الباقين، لكنها مرتبطة بالله ذاته، لأن الله هو أساس المحبة، ولأن الله هو المحبة، ومن لا يعرف الله حقًا لا يستطيع أن يعيش المحبة.

Twitter: @PaulaWagih

الجريدة الرسمية