رئيس التحرير
عصام كامل

المقاومة الشعبية فى زمن الاحتلال الملكى الإنجليزى!

كانت ذروة اشتعال مقاومة الشعب المصرى للاحتلال البريطانى فى عام 1951 ، بعد إلغاء معاهدة 1936 من البرلمان المصرى فى 8 من أكتوبر 1951، ورفضت بريطانيا الاعتراف بإلغاء المعاهدة، واعتبرتها مبادرة من طرف واحد وأصدرت السفارة البريطانية فى مصر بيانا يؤكد عدم قانونية الإلغاء، بالاضافة إلى اتخاذ الانجليز خطوات ضد مصر، منها التوقف عن شراء القطن المصرى وتجميد الأرصدة للحكومة المصرية، وإلغاء معاهدة 1899 الخاصة بالسودان فى محاولة للضغط على الجانب المصرى..


ولكن كان رد الفعل من الشعب عظيما والأكثر تأثيرا على الاحتلال، بدأ بمقاطعة موردى الأغذية لإعاشة قوات الاحتلال التي تزيد عن 80 ألف فرد، وانسحب الموظفين من التعامل مع المعسكرات البريطانية الذى كان يصل عددهم نحو 60 ألف عامل من العمل فى المعسكرات البريطانية..

هذا العصيان الشعبى فى مواجهة الإحتلال الذى تزامن مع العمليات الفدائية، جعل الإنجليز يوقنون أن المقاومة هى مقاومة شعب وليس مجرد أفراد يمارسون العنف مما أفقد الإنجليز صوابهم مع تزايد ضربات المقاومة الشعبية، وكان من توابع إلغاء معاهدة 36 قرار مجلس الوزراء السرى بعدم تعاون العمال المصريين مع القوات البريطانية، مع تولى من يترك العمل فى المعسكرات بتوفير عمل بديل وصرف أجور لهم .

كفر عبده.. وبطولات شعبية أفقدت الاحتلال الإنجليزى عقله!

أما فى القاهرة كان للمواطن زمام المبادرة وليس الحكومة، فامتنع عمال وموظفو السكك الحديدية عن نقل الجنود البريطانيين ومهماتهم، وأخذت بريطانيا تستعد للمواجهة وبادرت بإرسال قوات حربية جديدة إلى منطقة القناة لتعزيز الحاميات البريطانية فى المنطقة، وبلغ حجم التعزيزات أكثر من ثلاثة آلاف عسكرى .

فى 16 من اكتوبر1951 كانت أولى المواجهات الاسماعيلية، يوم لا يمكن أن يتجاهله التاريخ وكل مؤرخ منصف بدأ اليوم بمظاهرات سلمية تأييدا لإلغاء معاهدة 36 ولكن قوات الاحتلال كانت فى حالة من الاستنفار والرغبة فى الإيقاع بالمصريين شديدة، لهذا تحرشوا بالمظاهرات وأطلقوا عليهم النار وسقط سبعة شهداء، عدا عشرات المصابين وإحتلت قوات الاحتلال الإسماعيلية بدعوى حماية الرعايا البريطانيين..

وفى نفس اليوم تكرر نفس الأحداث فى بورسعيد وسقط خمسة شهداء، ولم يمض أربعة وعشرون ساعة واحتلت قوات الإحتلال كوبرى الفردان الذى كان الجيش المصرى يتمركز فيه واستشهد جنديان، واتضحت استراتيجية القوات البريطانية فى إحتلال كافة المناطق والمرافق الحيوية فى المدينين، وتم عزل منطقة القناة وبعيدا عن الملك وحكومة الوفد –رئيس الوزراء وقتها كان مصطفى النحاس باشا– أعلنت انجلترا إن للمنطقة حكما عسكريا!

كل هذه الأحداث كان الثمن شهداء من فقراء الوطن، والملك وحكومة النحاس غارقين فى مشاكل الملكة نازلى وبناتها والزواج والطلاق، فلم يكن غريبا أن الذى أعلن مواجهة هذا الغرور والصلف لدى المحتل هم فقراء الوطن، أعلنت حركة التطوع، وتشكلت كتائب باسم "كتائب الفدائيين" و"وكتائب التحرير" فى القاهرة والقناة وأنشئت مراكز للتدريب فى الزقازيق ودمنهور، انضم لهؤلاء ضباط وتولى الفريق عزيز المصرى الإشراف على تدريب الكتائب. وفى نفس الوقت بدأت حملة شعبية للتبرع لتجهيز هذه الكتائب .

استقالة "ديوان المحاسبة" كشف فساد الملك فاروق

فى 17 من نوفمبر 1951 وقعت معركة عنيفة عندما قامت قوات المحتل البريطانى بإطلاق النار على رجال البوليس المصرى وهم فى ثكناتهم، فاضطرت قوات البوليس الرد على العدوان وقد أبلى شبابنا من رجال البوليس بلاء حسنا، واستمرت المعركة يومين سقط فيها الكثير من  الشهداء من مصر، وقتل عدد من القوات البريطانية .

 ما حدث أشعل روح الكفاح الشعبى، وكان واضحا تقاعس الملك والحكومة الوفدية، لهذا خرجت المظاهرات وربما للمرة الاولى فى 6 من ديسمبر 1951 تهتف ضد الملك والحكومة، مما رفع درجات الغضب هو عدم اتخاذ ردود فعل يشعر معها أن الملك والحكومة مع الشعب، ولم يكن مفاجئا أن تندلع معارك أخرى ضد المحتل البريطانى..

وشارك بعض من رجال البوليس أبناء شعبهم فى التصدى لغرور وصلف القوات البريطانية ، ومن المحاولات الخبيثة التى حاول المحتل البريطانى إثارة الفتنة بين الشعب المصرى فى اوائل يناير 1952 ، عندما قام عملاء للمحتل بإشعال النار فى كنيسة بمدينة السويس أثناء غارة بريطانية على المدينة، ولكن أثبتت التحقيقات أن مجموعة يطلق عليها "إخوان الحرية" التى تمولها المخابرات البريطانية قامت بالحادث وفشل إلصاق التهمة بالفدائيين..

وتكررت المواجهات بين الفدائيين والمحتل البريطانى فى أبى صوير والمحسمة وغيرهما وصولا للمعركة الأهم أو المجزرة التى ستظل تلطخ إسم الامبراطورية التى تغيب عنها الشمس، وهى "معركة أو مجزرة الاسماعيلية" التى وقعت فى 25 من يناير 1952.
والحديث له بقية
الجريدة الرسمية