رئيس التحرير
عصام كامل

د. أحمد إسماعيل يكتب: في اليوم الدولي للفاقد.. الغذاء والأرض أمن قومي

الدكتور أحمد إسماعيل
الدكتور أحمد إسماعيل
"لنوقف فقد الأغذية وهدرها، من اجل البشر ومن أجل كوكب الأرض" هذا هو الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة في احتفالها لأول مرة باليوم العالمي للفاقد والمهدر من الغذاء، حيث خصصت اليوم التاسع والعشرين من سبتمبر يوما عالميا للتوعية بهذا الموضوع المصيري للبشرية كلها.


الفاقد والمهدر من الأغذية موضوع في غاية الأهمية، وتتشابه فيه الكثير من دول العالم إن لم يكن جميعها، وتتشعب طرقه وتختلف مسبباته، وتتشابه عواقبه والتهديدات الناجمة عنه.

وهذا ما دفع منظمة الأغذية والزراعة الفاو لإطلاق منصة خاصة بالمعلوماتية حول قياس الفاقد والمهدر من الأغذية، والتعريف بسبل الحد من هذه الظاهرة، في محاولة من هذه المنظمات الدولية للقيام بدورها في رفع وعي الشعوب بهذه القضية الخطيرة.

ووفقا لأحدث التقارير فإنه يفقد ويهدر ثلث الأغذية المخصصة للاستهلاك البشري على مستوى العالم بينما يعاني حوالي ٨٢٠ مليون إنسان من الجوع كل يوم في جميع دول العالم.

ارقام مفزعة تلك التي تطالعنا بها التقارير عن إهدار الغذاء. ففي بيان الأمم المتحدة تشير الإحصائيات (أنه عند توفير ربع الطعام المفقود أو المهدر يمكن إطعام ٨٧٠ مليون شخص جائع حول العالم)، وأن مراحل هدر الغذاء تبدأ من المزرعة مرورا بمراحل التخزين والنقل وصولا إلى السوق.

ومن المفارقات العجيبة ايضا أن الدول الأكثر فقرا أو الأقل في مستوى المعيشة هي الأكثر إهدارا للغذاء.. فنجد مثلا في دول افريقيا تصل نسبة الفاقد من الغذاء ما بين مرحلتي الحصاد والبيع بالتجزئة إلى ١٤%، بينما في البلدان المتقدمة مثل استراليا ونيوزيلندا لا تتعدى الـ 5.8%.. بالتأكيد هذا يعود إلى نظم حفظ وتعبئة ونقل الاغذية بطرق صحيحة واتباع تقنيات وتكنولوجيا متطورة واستيفاء مواصفات ومعايير الجودة في النقل والتسويق وغيره، هذا بخلاف ما يفقد بفعل المستهلك النهائي نفسه، ولا شك أن النمط الاستهلاكي في هذه المجتمعات مختلف عن مجتمعاتنا كثيرا.

وربما تدني أسعار المنتجات في بعض الأحيان مع زيادة العرض وقلة الطلب يدفع المستهلك غير الواعي بقضايا الموارد إلى شراء ما لا يمثل له ضرورة، يستهلك ما يلزمه ولا يعبأ بتلف أكثر مما يستهلك.

أيضا الرفاهة غير المنضبطة في بعض الطبقات الاجتماعية التي تعتمد على المظاهر الكاذبة والتباهي الغبي تدفع إلى إهدار الكثير من الموارد على طريقة السفرة المفتوحة في الفنادق والمطاعم والحفلات التي تجسد صور الترف واللامبالاة.

صور كثيرة من أنماط الاستهلاك علينا مراجعة أنفسنا فيها، لندرك اين نحن من معايير الاستهلاك المنضبط، إذا جاز التعبير.. هذا بعض ما يتعلق بأنماط الاستهلاك والشراء والتسوق وغيرها.

وفي رأيي أنها ليست فقط مراحل النقل والتخزين ونمط الاستهلاك الغذائي اليومي هي ما تؤثر على معدلات المهدر من الغذاء، ولكن أيضا عدم احترام الموارد الطبيعية التي حبانا الله بها من أهم صور إهدار الغذاء، وفي بلادنا ربما يكون الأمر الأشد خطورة والذي يؤدي إلي تفاقم معدلات المهدر من الغذاء - وبينما لا تتناوله العديد من التقارير - هو إهدار الغذاء قبل إنتاجه أصلاً.. بإهدار مصادره، وليس أبلغ ولا أفدح صورة لهذا الإهدار من تبوير الأراضي الزراعية أو التعدي عليها بالبناء. مما يؤدي إلي تقليص المساحات الزراعية، وفقدان المصدر الأساسي والرئيسي للحصول علي الغذاء ، وعندما نكرر أن اقل الاحصائيات أشارت إلي فقدان مصر مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية في السنوات العشرة الأخيرة فقط ، ندرك أننا لم نصبح في دائرة الخطر فقط ولكنا أوشكنا علي الانتحار البطيء دون أن ندرى. فدولة مثلنا هي الأعلى عالميا في معدلات الزيادة السكانية والأعلي عالميا في معدلات التأثر بكل عوامل التصحر ، أيضا نكون الأكثر تعدياً علي الأراضي الزراعية التي تكونت طبقتها الخصبة في عشرات الآلاف من السنين.
مفارقات لا تقل عجبا عن زيادة معدلات الهدر في الغذاء في الدول الأكثر فقرا مقارنة بالأغنياء.


الحقيقة أن مجتمعاتنا في حاجة ماسة لإعادة التفكير في كل ما يشكل هموما للعالم كله. علينا أن نعيد حساباتنا ، ونسأل اين نحن من البصمة البيئة مثلا، اين نحن من أنماط الإنتاج والاستهلاك. لندرك أن لدينا ممارسات كثيرة تمثل بها مجتمعاتنا ضغوطا علي المنظومات البيئة وتشكل سلوكياتنا
خطورة على مواردنا ومستقبل أجيالنا.

أما عن وقف التعدي علي الموارد الطبيعية ومن أهمها مورد الأرض المنزرعة والصالحة للزراعة فهذا أمر مصيرى وعلي كل منصف أن يدرك أهميته، وحجم المخاطر المترتبة علي إهدار الأراضي الزراعية تتعدي تأثيراتها الي ابعد حدود ، فقضايا البيئة والغذاء ليست ضروبا من الرفاهية وإنما هي قضايا أمن قومي.
وبمناسبة اليوم العالمي للفاقد والمهدر من الغذاء ، علي مؤسساتنا وهيئاتنا العلمية والبحثية والثقافية والإعلامية أيضا أن تقوم بدورها في توعية المجتمع بمثل هذه الفضايا، و الا تكون في معزل عن هذه الأحداث العالمية تماشيا مع جهود المنظمات الدولية للتوعية بهذه القضايا المصيرية.

------------------------------------------------------
( * )  الأستاذ المساعد بمركز بحوث الصحراء

الجريدة الرسمية