رئيس التحرير
عصام كامل

"عربية الدفا".. حكاية مبادرة شبابية لتدفئة أبناء الشرقية بشوربة العدس

عربية الدفا تجوب
عربية الدفا تجوب الشوارع

مساء أمس الأحد، وبينما كانت أشعة الشمس تنكسر شيئا فشيئا تاركة خلفها دفعات متتالية من الهواء البارد، الذي يضرب جسده وعظامه المختبئة خلف بطانية صوف ثقلية، أحضرها معه لتقيه برودة الطقس وساعات الانتظار أمام مستشفى الأحرار بمحافظة الشرقية، عله يسمع أي نبأ عن مريضه الراقد في الداخل، الساعات تنقضي، وإذا بالشاب العشريني ابن مدينة الزقازيق ينزل من سيارة صفراء اللون تحمل عبارة "عربية الدفا" ممسكا بعلبة كرتونية مغطاة، "كنت بقرب عليه وكان بردان جدا وواضح إنه منتظر من فترة كبيرة أمام المستشفى ومش هنسى رد فعله كان إزاي وأنا بديه الشوربة".

 

ما إن تدق عقارب الساعة وتعلن تمام الحادية عشر مساء، تستعد عربية الدفا صفراء اللون نسبة إلى لون شوربة العدس، المشروب الرسمي للمصري في مثل هذا التوقيت من العام، للخروج إلى الشارع، العشرات من الشباب ممن هم في نفس سن مصطفى أو يصغرون وربما يكبرون عنه، ينتشرون في شوارع محافظة الشرقية، حاملين كميات هائلة من عبوات شوربة العدس، يجوبون الشوارع شرقا وغربا بحثا عن أي شخص يحتمي تحت شجرة ما أو يستلقي فوق أحد الأرصفة، أو ربما عامل دفعته الظروف للبقاء في الشارع حتى هذا الوقت، "بننزل بعد 11 بالليل لأنه ده أكتر وقت الدنيا بتبرد فيه، بندور على أي شخص ماشي في الشارع أو قاعد نديله الشوربة يشربها يتدفى ويدعي لنا". 

 

 

"إحنا تبع مبادرة مطبخ التكية الخيري"، عبارة يلقيها كريم أو أي من الشباب المنتمين للمبادرة، على كل سائل "إنتو جايبين الشوربة دي منين"، معربين عن دهشتهم، بوجود مجموعة من الشباب في الشارع في هذا التوقيت ورغم لسعات البرد التي تشتد وطأتها كلما تأخرت ساعات الليل، "الناس في الأول كانت مستغربة إيه منزلنا الشارع في الوقت ده وبنعمل إيه إحنا من أول الشتاء ما بدأ، كل يوم بنوزع حوالي 500 عبوة شورية عدس على الناس في الشوارع، سواء محتاجين أو لا فقراء أو أغنياء"، لا تهم ماهية أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص الذي يقدم إليه كريم العدس، ما يهمه هو تدفئته و تخفيف حدة الشعور بالبرد شيئا فشيئا عند شرب القطرة الأخيرة من الشوربة. 

 

 

ليلة أمس وبحلول الساعة الثانية صباحا موعد انتهاء الجولة اليويمية لعربية الدفا، كان كريم وأصدقاؤه نجحوا في توزيع 150 عبوة فقط على أهالي المرضى الراقدين على الرصيف المقابل لمستشفى الأحرار، شيئا فشيئا تلاشى الشعور بالبرودة، عم الدفء وتسلل إلى أجساد المنتظرين، تلاشت الرعشة التي تسللت إلى جسد الصغير المنتظر رفقة والدته فوق الرصيف، "دعوات كتير بنسمعها من الناس في الشوارع عمال النظافة وأي شخص اضطرته الظروف للبقاء في الشارع لحد الساعة 1 و 2 صباحا". 

 

 

على الجانب الآخر وفي الجزء الصباحي من يوم مبادرة "عربية الدفا"، ثمة حركة نشطة تدب في مقر "مطبخ التكية الخيري" الكائن في أحد شوارع مدينة الزقازيق، والقائم على مساحة 150 مترا تقريبا، مروة حازم 36 سنة وعدد من السيدات والفتيات المشاركات في المبادرة، منهمكات في طهي 15 كيلو جراما من العدس الأصفر، تتوزع المهام بين من تقطع الطماطم والبصل، وأخرى تتابع الأواني الضخمة الموضوعة على النار، وثالثة تتولى مهمة تعبئة الشوربة في العبوات، تقول مروة "لأنه نشاط العربية كله من 11 لـ 2 بالليل وصعب البنات تلف، فبتكون مهمة الشباب إحنا بنطبخ فقط ونجهز الأكل، لكن من بكرة هنبدأ ننزل نوزع الشوربة الصبح بدري على عمال النظافة وأي شخص متواجد في الشارع". 

 

 

مطبخ التكية الخيري، بذرة ألقاها كريم مصطفى فودة 27 عاما في رأس مجموعة من أصدقائه ومعارفه منذ حوالي 6 سنوات، كان هدفها طهي الطعام في منزل أحدهم وتوزيعه على المحتاجين في رمضان وطوال أيام العام، ولكن منذ حوالي سنة واحدة، وبعد أن وصل عدد متطوعي التكية إلى حوالي 100 شخص، نجح كريم ومروة وبعض المؤسسين في تخصيص مقر للمطبخ في مدينة الزقازيق، وباتت علامة مميزة لمحافظة الشرقية، وكل أسبوع وعلى مدار 3 أيام يتم توزيع الطعام المكون من البروتين والخضروات كعناصر أساسية به، على المحتاجين والمغتربين بعد عمل حصر لهم، "إحنا بنوزع فقط على المحتاجين، لكن العدس لكل بردان ماشي في شوارع الشرقية".  

الجريدة الرسمية