رئيس التحرير
عصام كامل

انقلاب اقتصادي!


أول شيء فعلته القوات الأمريكية بعد احتلال بغداد كان اقتحام البنك المركزي العراقي وسرقة ما فيه من أموال وذهب.. وبعد ذلك بسنوات طويلة كان أهم شيء فعلته الجماعات الإرهابية في ليبيا بعد أن سيطرت على العاصمة طرابلس هو فرض سيطرتها على البنك المركزي الليبي وما به ويرد إليه من أموال بيع النفط.


وهكذا البنوك المركزية كانت دوما هدفا لمن يريد أن يفرض هيمنته ويتحكم في البلاد.. لكن ذلك لا يتم الآن فقط عبر الغزو والاحتلال أو العنف والإرهاب، وإنما يتم أيضا عبر إهدار استقلال البنك المركزى في البلاد من قبل السياسيين والمسؤولين. انظروا إلى ما حدث قبل قليل في تركيا. 

فقد أطاح أردوغان بمحافظ البنك المركزى التركى لأنه رفض أن ينصاع له ولسياساته وتمسك باستقلاله الذي تم التعرف عليه عالميا للبنوك المركزية، التي تحدد مسار السياسات النقدية في البلاد، من خلال انفرادها بتحديد قيمة العملة الوطنية وتحديد مستوى معدل الفوائد على الودائع والقروض البنكية.

وانظروا أيضا إلى ما يفعله ترامب مع محافظ البنك المركزى (الفيدرالى) الأمريكى وما يمارسه عليه من ضغوط من أجل خفض الفوائد.. بل إن ضغوط ترامب لم تقتصر على البنك المركزي الأمريكي وحده وإنما يمارس أيضا ضغوطه على البنوك المركزية خارج أمريكا، وفى مقدمتها الصين، والذي علل آخر دفعة من العقوبات الاقتصادية عليها بأنها تنتهج سياسة تخفيض عملتها لتمنح صادراتها ميزات تنافسية.

وهكذا يبدو أننا مقدمون على زمن تفقد فيه البنوك المركزية في العالم استقلالها لتصبح أداة في يد الساسة والحكام في تنفيذ ما يبغون من سياسات وقرارات.. وكل ذلك يحدث تحت أردية الديمقراطية.. أن الحصانة التي كانت تتمتع بها البنوك المركزية في سبيلها إلى زوال.. والاستقلال الذي كانت الدول تحرص للبنوك المركزية عليه استُبيح وأهدر. 

وهذا يحدث في البلد صاحبة أكبر اقتصاد في العالم والتي تريد أن تسير هذا العالم على هواها!.. أنه بوادر انقلاب اقتصادى كبير، ربما يمكننا أن نتلمس بعض معالمه فيما كان يحدث لدينا قبل سنوات، حينما كانت البنوك تقدم قروضها طبقا لتعليمات حكومية، وايضًا عندما تم اتخاذ قرار بتخفيض الجنيه بدون استشارة محافظ البنك المركزى.
الجريدة الرسمية