رئيس التحرير
عصام كامل

"الممر" و"الكبير" والاجتماع الحزبي الطارئ!


في مكان ما.. في ساعة ما.. قبل سنوات طويلة استدعى رئيس الحزب الشهير -الذي يهرول الجميع لتنفيذ أوامره بأقصى سرعة- رئيس تحرير جريدة الحزب، وأمره أن يأتي ومعه مجلس تحرير الجريدة.. وبعد فترة، وهم وقوف أمامه، أمرهم بالجلوس، وهو يستمتع بتطاير دخان السيجار برائحته المميزة، ثم قال فجأة، وكأنه تذكر شيئًا جديدًا: "يونيو جاي.. عايز الشهر كله عن هزيمة 67 بقرفها بذلها بكل شيء"..


ابتسم رئيس التحرير ونائبه ومدير تحريره.. "دي أوامر الكبير ولازم تتنفذ".. لكن الكبير بنفسه باغتهم، وقال: "أنا عايز حودة هو اللي يكتب عن الموضوع"، ثم نظر إلى رئيس التحرير وقال: "صفحته ترجع.. معاك العدد كله طول الشهر افتح النار على قد ما تقدر"!

لا أحد، على وجه الدقة، يعرف السبب الذي جعل سكرتير التحرير الشاب، المنضم حديثًا إلى المجلس، يطلب الكلمة.. يبدو أنه لا يعرف التقاليد.. ولا يعرف النظام، ولم ينتبه أحد لتنبيهه قبل الاجتماع الذي تسببت العجلة في ذلك.. حيث رفع يده يطلب الكلمة.. وإذ بالسيجار، نقصد الكبير، يشير إليه، وفي يده السيجار، بأن يتكلم..

فقال الصحفي الشاب: "سعادتك احنا الملف ده عملته الجريدة السنة اللي فاتت.. والسنة اللي قبلها.. واللي قبل قبلها.. أعتقد سعادتك لو احنا المرة..."، وقبل أن يكمل قاطعه الكبير، وهو ينظر إلى رئيس التحرير، متسائلًا: "مين ده"؟! ياللا الاجتماع انتهى.. ابقوا اعملوا إعلانات عن التحقيقات دي من نهاية الشهر ده.. نهاية مايو يعني"!

لم ينتظر رئيس الحزب الرد.. جلبة الانصراف تغطي على المكان يحاولون السيطرة عليها، بينما رئيس الحزب يشير لسكرتيره بالاقتراب.. في الخارج ينقلب الحال إلى بركان.. رئيس التحرير ونائبه ومدير تحرير الجريدة، وباقي مجلس التحرير يدركون أن الكاميرات تراقبهم، واندفعوا جميعًا يهاجمون المحرر الشاب.. الذي اندهش من كل هذا الرعب الذي يشعرون به من رئيس الحزب، وعدم قدرتهم حتى على المناقشة، رغم أن إدارة الصحيفة المفترض -المفترض- من اختصاص الصحفيين وحدهم..

وبعد هدوء العاصفة، قال أيضا بهدوء: مهنيا كيف نكرر ملف "عملناه" قبل كدة؟!.. وسياسيًّا كيف نحتفل مع إسرائيل بذكرى النكسة؟! ما الفائدة من نقل الإحباط إلى أجيال تتطلع إلى المستقبل؟ لماذا لا ننشر لهم رفض الشعب للهزيمة ورفضه الانكسار والتسليم؟! لماذا لا ننشر عن بطولات الاستنزاف الأسطورية، وكل يوم، ورغم مرور أكثر من خمسة وعشرين عاما على حرب الاستنزاف، إلا أن مذكرات الاسرائيليين عنها تصدر كل يوم تتحدث عن هزيمتهم نفسيًّا وإحباطهم منها؟! لماذا لا نحتفل بأكتوبر؟! 

ستقولون إنكم ستفعلون ذلك في شهر أكتوبر.. يستحق النصر الاحتفال طول العام.. أليس من كان في 67 والاستنزاف وأكتوبر هو جيش مصر، أبناء شعب مصر؟! كيف تقبلون، لأسباب ثأرية وانتقامية، أن تفعلوا ذلك مع أبناء الجيش العظيم؟!

خرج بالطبع من مجلس التحرير.. ومن الجريدة كلها.. وسعى رئيس التحرير للاعتذار عما بدر في الاجتماع.. خوفًا من أي قرار مفاجئ.. بينما اندفع محمود "حودة" يجهز الحملة.. على جثة وطنه، ليست مشكلة.. الأهم أن يرضي الكبير، والمهم أن يستمتع الكبير نفسه بالانتقام والثـأر من عصر بأكمله!

ثم يأتي "الممر"، بعد سنوات طويلة من الواقعة ليصفع الجميع.. وفي الصف يقف كثيرون.. ممن حولوا الأمر من الاستفادة من الدرس إلى استمتاع بجلد الذات، وإلى شهوات مريضة بالانتقام والتبرع لأعداء الوطن بخدمات جليلة لم تستطع صحافة العدو نفسه أن تحققها.. وسيأتي دورهم!
الجريدة الرسمية