رئيس التحرير
عصام كامل

ارفع رأسك أيها المصرى


يحاول مثقفو مصر وأدباؤها اليوم أن يصدوا الإخوان المسلمين عن الاستيلاء على مواقعهم الثقافية، ولهذا يعارضون تعيين وزير الثقافة الجديد في حكومة هشام قنديل.


"ارفع رأسك أنت مصري..."، كتبها الشاعر المصري حلمي سالم في مجموعته الشعرية التي نشرت زمن الثورة، وكانت تلك هي الفترة التي تجاوز فيها شعراء مصر أطوارهم لنظم قصائد متأثرة من جموع المواطنين الذين تدفقوا على ميدان التحرير طالبين تنحية حسني مبارك، كما يُرى في بعض أشعار الشاعر الشعبي الكبير الذلق اللسان أحمد فؤاد نجم والتي وجهها إلى مبارك.

إنها شعارات نادى بها المتظاهرون في الميدان وأصبحت قصائد ومصدرا للشعر الجديد ونُقلت كتابات جدارية إلى مجموعات شعرية وأحدثت النشوة التي تلت سقوط مبارك موجة جديدة من الأدب.

بعد سنتين من الثورة، وعلى خلفية فشل محمد مرسي في عرض أفق أمل وترجمة الثورة إلى فصل جديد في تاريخ مصر، نشأ نوع مميز من الأدب هو أدب اليأس.

فعلى هذا النحو مثلا يعرض كتاب محمد ربيع "سنة التنين" اليأس الذي يثيره عند المواطن نعيم أبو سبعة سلوك الحكومة والبيروقراطية اللتين لا تُخلصانه من الفقر الغارق فيه هو وعائلته: "الموظفون هم نفس الموظفين وعملاء الدولة يتسللون إلى كل زاوية"، كتب ربيع.

كُتبت قصة ربيع وهو مهندس شاب كتب مدونات في فترة الثورة قبل سنة وكأنه توقع التطورات التي تجعل مصر الآن في شلل.

ويتنبأ محمود عثمان أيضًا في كتابه "ثورة 2053، بداية جديدة" بأن الثورة ستفشل فشلا ذريعا إلى حد أن قيادة الدولة لن تستطيع تزويد المواطنين الخارجين جموعا للتظاهر بماء الشرب، إن سنة 2053 التي تظهر في عنوان الكتاب هي الذكرى المائة للثورة التي نقلت مصر من العهد الملكي إلى نظام الجمهورية. وهنا مع مرور فترة طويلة جدا لاتزال مصر غارقة غرقا عميقا في نفس المستنقع ويعاني مواطنوها نفس الأمراض التي ميزت فترة مبارك.

أثمر أدب اليأس واليقظة قصصا وروايات أخرى كتبها في الأساس أدباء شباب غير مشهورين، دفعوا بشعر التمرد والنشوة إلى الرفوف الخلفية في حوانيت الكتب. وفي مقابلهم أصبح الأدباء القدماء من أساطين الأدب المصري مثل علاء الأسواني، وجابر عصفور، ويوسف القعيد وفتحية العسال وآخرون أكثر اشتغالا بنضالات سياسية ترمي إلى صد اجتياح الإخوان المسلمين للأروقة الأدبية. 

وهدفهم في هذه المرة هو وزير الثقافة الجديد علاء عبدالعزيز، الذي عُين لمنصبه في مطلع الشهر باعتباره جزءً من خلخلة الحكومة وتطهيرها اللذين قام بهما رئيس الوزراء هشام قنديل.

كان عبدالعزيز محاضرا في معهد السينما بغير إنجازات أكاديمية أو فنية مذهلة. ووقع التعيين عليه بصورة مفاجئة لكنه لم يعتقد أن قدراته غير كافية. فهو يكفيه قدرته الأساسية فهو ابن محامي نشيط من الإخوان المسلمين، ونشر هو نفسه مقالة لاذعة في مجلة حزب الحرية والعدالة للإخوان ندد فيها تنديدا شديدا بالمتظاهرين الذين هاجموا قصر الرئاسة.

أحدث تعيين عبدالعزيز عدة تظاهرات غير كبيرة قرب مبنى الأوبرا وأمام وزارة الثقافة شارك فيها بضع عشرات من المثقفين الذين طالبوا بعزله. ووصف في مقالات في صحف المعارضة بأنه ذيل الإخوان المسلمين وبأن "وزنه صفر".

وأغضب المتظاهرين بصورة خاصة قراره المتسرع على تغيير اسم "مكتبة العائلة" إلى "مكتبة الثورة". كانت "مكتبة العائلة" مشروعا بادرت إليه سوزان مبارك لطباعة كتب نموذجية مصرية وأجنبية وبيعها بثمن رمزي لتشجيع المواطنين على القراءة.

وطُبعت على كل كتاب نشرته دار النشر الحكومية صورة للسيدة الأولى، وبذلك أصبح المشروع شبه مشروع خاص لها. ويزعم المثقفون الآن أن المشروع هو مشروع عام وأن نصيب سوزان مبارك في أنها "أسهمت" بصورتها، ولا سلطة لأحد حتى لوزير الثقافة أن يغير اسم المشروع بغير مشورة.

وهنا مكمن الأمر. فليس اسم المشروع هو المهم عند المثقفين بل تجاهل أساطين الثقافة الذين يجب أن يعطوا موافقتهم. وقد عرض أولئك المثقفون في كانون الثاني 2012 خطة صريحة تقضي بأنه ينبغي انتخاب وزير الثقافة. وطلبوا من جملة ما طلبوا ألا يكون الوزير نشيطا في أحد الأحزاب أو ذا أجندة سياسية، وعليه أن يؤيد حرية التعبير والتعدد الثقافي (لا ينبغي أن يكون شخصا رفضه الثوار والثورة)، ولا يجوز له أن يؤيد التطبيع مع العدو الصهيوني.

وليست هذه المادة الأخيرة بالمناسبة جديدة. فإن "الثبات الصلب" لأساطين الثقافة المصرية على معارضة التطبيع ميزهم قبل الثورة وسيظل أحد رموزهم بعدها أيضًا.

إن تسييس الثقافة في هذا الوقت كما يرى المثقفون هو أهم ميدان قتال. وهم يرون أنفسهم أنهم آخر عائق للإخوان المسلمين عن اجتياح مواقعهم. لكنهم نسوا كما يبدو أن أكثرهم كانوا "مثقفي النظام" في فترة مبارك وأنهم لم يخلقوا رموز الثورة .

نقلا عن صحيفة هاآرتس
الجريدة الرسمية