رئيس التحرير
عصام كامل

«زعفرانة المنيا».. تجدد الخلافات بين الإنجيلية والأرثوذكسية.. الكنائس تتبادل اتهامات بالخيانة واستغلال الفقراء واستقطاب الشباب بـ«الديسكو».. وحرب البيانات تكشف حقيقة الصراع القائم

فيتو

لأشهر طويلة ظلت الخلافات بين الطوائف المسيحية في مصر خارج نطاق الأزمات، غير أن أحداث قرية منشية الزعفرانة بمحافظة المنيا، أعادتها من جديد إلى صدارة المشهد، ليس هذا فحسب، بل شهدت تطورًا خطيرًا، حيث تبادلت الأطراف اتهامات بالخيانة، وتحديدًا بعد بيان مجمع الكنيسة الإنجيلية الذي اعتبره البعض محاولة من جانبها لـ«غسل الأيدي» من الأحداث التي طالت أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الفترة الأخيرة.


وكانت قرية منشية الزعفرانة بمحافظة المنيا، شهدت اعتراض متشددين مسلمين بالقرية على صلاة قداس عيد الميلاد في أحد الأماكن، وحاصروه بتجمهر نحو ألف مسلم أمام المبنى ما أدى لتوقف الأقباط عن صلواتهم، حتى تدخلت أجهزة الأمن وأخرجت الكهنة المتواجدين في الداخل، وأصدرت إيبارشية المنيا وأبو قرقاص في محافظة المنيا، بيانا كشفت فيه تفاصيل الواقعة قالت فيه: «التظاهرات كانت تضم أكثر من ألف شخص من المتشددين ضد الكنيسة، مرددين عبارات مسيئة وتحريضية في وجود قوات الأمن».

وتابع البيان: «قوات الأمن نجحت في إخراج الموجودين من المكان، وإغلاقه وخرج الآباء ومن معهم بالفعل وسط الهتافات المسيئة من المتشددين، وصيحات الانتصار والشماتة، والزغاريد»، واستنكر بيان الكنيسة ما وصفه بـ«رضوخ أجهزة الأمن لمطالب المتشددين الذين فرضوا إرادتهم»، لافتا إلى أن ذلك جاء بعد عدة أيام من التصريحات الإيجابية للإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حول الكنائس وموقف الإسلام منها.

خطاب صادم
في ذروة الأحداث خرج بيان صادر عن مجمع المنيا الإنجيلي أشعل غضب أبناء الكنيسة الأرثوذكسية، واعتبروه «خيانة»، وتوجيه فوهة المدفع نحو الكنيسة الأرثوذكسية، وممثلها في المنيا الأنبا مكاريوس، أسقف عام إيبارشية المنيا وأبو قرقاص.

بيان مجمع الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالمنيا، الموقع من القس مدحت زاهيان، والشيخ أشرف ناصح رئيس المجمع، أكد أنه لا يوجد في القرية كنيسة سوى الإنجيلية فقط منذ 100 عام، وهم يصلون بحرية تامة ويتمتعون بعلاقات طيبة مع المحافظة وجيرانهم، وهو ما أثار ثورة الأرثوذكس، الذين اعتبروا أن الإنجيلية منحت المتشددين سكينًا لذبحهم.

أبناء الكنيسة الأرثوذكسية رفضوا كل محاولات التبرؤ من البيان، والتشكيك في الجهة الصادر عنها، حتى إن بعضهم رفض الاعتذار الذي قدمه القس أشرف نادي حبيب، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، لا سيما وأن القس إكرام لمعي خرج على إحدى الفضائيات ليؤكد صحة ما جاء في البيان.

السلام
الأنبا مكاريوس، أسقف عام كنائس المنيا وأبو قرقاص، لم يلتزم كثيرًا ب«الصمت» حيث علق قائلا: «نحن دائمًا نسعى للسلام والتهدئة، لكننا نرفض الذلّ والهوان والذمّية والتنازل عن الحقوق»، وأضاف الأنبا مكاريوس عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «سواءً توجد كنيسة بروتستانتية أم لا فهو أمر لا نناقشه، وما يعنيناهو توفير مكان لأولادنا للصلاة فيه، إذ ليس هناك مبرّر للانتقال إلى قرية أخرى للصلاة هناك، والذين يتطاولون علينا لا نرد عليهم بل نصلي لأجلهم، فلدينا قضية واهتمامات تستحق الوقت والجهد».

وتابع : « أعجب من استمرار معاتبة الضحية، لأنها تحتجّ على الظلم، بينما يُترَك الجناة دون عقاب، بل ويتم التماس الأعذار لهم، وإلى الذين يدّعون بأن هناك مخالفة في إنشاء الكنيسة، فالجهة المنوط بها المراجعة، هي الدولة وليس المتشددين»، كما أشار إلى أن «الاتهام الذي يوجّهونه لنا هو أننا نرغب في الصلاة، وهو حق لنا.. ونحن فيما نصلي نطلب أيضًا من أجل مُضطهِدينا والمسيئين إلينا، والعجيب أنه، وبعد الاعتداء علينا وغلق الكنيسة بحضور ممثلي الحكومة، وعدم ملاحقة الجناة، يستمر آخرون في توجيه الإهانات والسخرية»، ونوه أسقف عام المنيا وأبوقرقاص إلى أن «اعتماد فكرة ومبدأ أن الجناة معذورون بسبب الثقافة والجهل، وأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، من شأنه توفير المبرّر لاستمرارهم في التعديات، وطمأنتهم بأن لديهم متسعًا من الوقت لتنفيذ المزيد من الهجمات»، وواصل: «الكنيسة هي الصخرة التي تحطمت عليها جميع محاولات النيل منها، وفي هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا، نثق أن الله سيتدخل في الوقت المناسب، فهو يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر».

منشية الزعفرانة
أحداث قرية منشية الزعفرانة أعادت للأذهان الخلافات بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والإنجيلية، حيث اندلعت أزمة بين الكنيستين في أوائل فبراير من الماضي على مبنى في قرية الأبعدية التابعة لمركز المنيا، وكل منهما تدفع بأحقيتها بالمبنى، وقالت الكنيسة الأرثوذكسية وقتها إن «المبنى عبارة عن قاعة عزاء آيلة للسقوط حصلت عليها الكنيسة الأرثوذكسية بموجب حكم قضائى، بعد نزاع قانونى بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الإنجيلية، ونفت ما تردد حول أن المبنى كان كنيسة إنجيلية تم هدمها واستولى عليه أبناء الكنيسة الأرثوذكسية».

على الجانب الآخر قال القس إكرام لمعى، رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة الإنجيلية: إن «المبنى المتهدم عبارة عن كنيسة إنجيلية تأسست بقرية ببنى سلطان عام 1886 تابعة لمجمع المنيا الإنجيلى لخدمة القرية والقرى المجاورة لها، حتى إنها قامت ببناء عدة كنائس حولها»، وتبادل الطرفان الاتهامات والبيانات على مستوى القيادات، فيما وصل إلى حد الاعتداء والتطاول بين الشعبين بالقرية، حول أحقية كل واحد بهذا المكان الذي صدر حكم قضائي في 26 أبريل 2017، باستخدامه كقاعة مناسبات لجميع الطوائف المسيحية في البلدة.

رفض الصلاة
«رفض الصلاة على جثمان عروسين ينتميان إلى الإنجيلية في الكنيسة الأرثوذكسية»، يعد أيضا فصلا جديدا من الخلافات بين الطائفتين، حيث رفض كاهن الأرثوذكس، الصلاة على عروسان توفيا ليلة زفافهما خنقا بالغاز، لأنهما ينتميان إلى الكنيسة الإنجيلية، رغم أن القس الإنجيلي لم يكن متواجدا في تلك الليلة، كما أن مهرجان «احسبها صح»، الذي تنظمه الكنيسة الإنجيلية، سنويا، أشعل أزمة كبيرة بين الكنيستين، حيث إن قيادات من الكنيسة الأرثوذكسية هاجمت المهرجان، بزعم أنه يستقطب الشباب الأرثوذكسي، من خلال الموسيقى والفقرات المرنة التي لم تعتد عليها «الأرثوذكسية»، وذلك قبل أن يخرج القس سامح موريس راعي الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، مسئول المهرجان، ليؤكد أن غرض المهرجان أن تصل رسالة المسيح إلى الجميع وليس استقطاب شباب.
الاتهامات بالعزف على «وتر الفقر»، مستمرة بين الطرفين، حيث يتبادل الجانبان بين الحين والآخر، اتهامات باستقطاب الفقراء من خلال تقديم خدمات عينية، بشرط الصلاة في الكنيسة التي يتبعها، مقابل ذلك تفتح لهم الخزائن للحصول على سكر وزيت ولحوم، ولا مانع من راتب شهري.

محاولات للتوفيق 
وعلمت "فيتو" أن محاولات تجرى للتوفيق بين الكنيستين في المنيا، حيث اقترح أحد النشطاء الأقباط في المنيا، أن يزور وفد من مجمع المنيا الإنجيلي، الأنبا مكاريوس، لتفويت الفرصة على المتربصين، والراغبين في إحداث شرخ بين شعب الطائفتين، فيما قال الكاتب والباحث كريم كمال رئيس الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن: إن أحد أسباب تجدد الخلافات بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الإنجيلية، هو الاختلاف العقائدي ، الذي يتسبب في بعض التراشق بين الحين والآخر، ومنها بسبب التنافس الذي يحدث على جذب الشعب المسيحي في المناطق المختلفة، ومنها رفض الآخر وهو مؤاشر خطير، وأشار كمال أيضا إلى أنه بكل تأكيد هناك أطراف خارجية تريد إشعال فتنة مسيحية- مسيحية وهو أمر خطر للغاية ويجب أن ينتبه له الجميع، لأن هناك من يتربص بمصر ويريد إشعال الفتن داخل الوطن، وطالب كمال العقلاء من الكنيستين بالتواصل وتهدئة الأوضاع بين الكنيستين، والعمل على عدم إثارة شعب كنيسة ضد الآخر لأن من الممكن أن نصل إلى أوضاع لا يريدها أحد، وأضاف كمال: العلاقة بين الكنائس المختلفة وأبنائها يجب أن تكون جيدة دون الدخول في المسائل العقائدية.

نقلا عن العدد الورقي
الجريدة الرسمية