رئيس التحرير
عصام كامل

فيس بوك.. سقوط إمبراطورية «اللايك والشير».. اتهامات التجسس تطارد إدارته.. «تويتر» يتسلم شارة قيادة «السوشيال ميديا».. اختراق بيانات المستخدمين أبرز التهم.. وإدانات دولية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

«من مشروع صغير لتبادل الأخبار.. الصور.. الذكريات، إلى كيان ضخم تطارده اتهاماته بالتجسس والاختراق» الجملة السابقة تختصر التاريخ العريض لموقع التواصل الاجتماعي الأشهر «فيس بوك»، الذي لم تعد نشاطاته المشبوهة خفية عن أنظار العالم كما كان من قبل، بل باتت تفاصيلها تتكشف يوما بعد الآخر، حتى تسببت في حرج واسع لمؤسس الموقع «مارك زوكربيرج»، الذي انحصرت محاولاته في البداية حول تحقيق هدف المكاسب المادية، لكن الأمور توسعت حتى بلغت حد اتهامات التجسس والاختراق، مما نتج عنه تراجع ملحوظ في شعبية الموقع ومكاسبه.


«فيس بوك» يواجه منذ عدة أشهر اتهامات كثيرة، بعد تكشف فضيحة إساءة استخدام شركة كامبريدج أناليتيكا الاستشارية لبيانات مستخدمي الموقع قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2016، حيث حصلت على معلومات شخصية من حسابات نحو 87 مليونا من مستخدمي «فيس بوك» بطريقة غير مشروعة غالبيتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما نتج عنه انخفاض أسهم فيس بوك بنسبة 1.4%، كما تراجعت بأكثر من 16% منذ تفجير فضيحة كامبريدج أناليتيكا.

بيانات المستخدمين

ووفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أتاح «فيس بوك» لشركات تقنية كبرى، تتضمن مايكروسوفت ونتفليكس وسبوتيفي، حق الوصول إلى بيانات المستخدمين، بما في ذلك الرسائل الخاصة وفق طلبات منها، كما أنها سمحت للمحرك البحثي «بينج» برؤية أصدقاء المستخدمين، ومنح شركة أمازون معلومات شخصية عن حسابات المستخدمين، بالإضافة إلى 150 شركة أخرى.

سلسلة خروقات وجرائم انتهاك «فيس بوك» للخصوصية لم تتوقف عند حد الأمور ذات التماس بالسياسة، بل كشف خبراء تكنولوجيون قدرة الموقع على التنصت على مكان تواجد المستخدمين، حتى وإن كانوا لا يستخدمون خاصية التعرف على المكان من خلال هاتفهم الذكي، لا سيما وأن التقنيات الحديثة التي أضافها الموقع جعلت من المستحيل أن يمنع مستخدمو فيس بوك تتبع موقعهم من خلال استخدام عنوان «آي بي» الخاص بهم، بالإضافة لمعلومات حول تسجيلات الوصول والمدينة المدرجة بالملف الشخصي للتوصل لمكان تواجدهم واختيار الإعلانات المناسبة لعرضها لهم.

ضوابط

وحسب دراسة أجرتها إلكسندرا كورولوفا، الأستاذ المساعد في جامعة جنوب كاليفورنيا، حول تتبع «فيس بوك» لموقع المستخدمين، اتضح أن الموقع لا يوفر ضوابط قوية لحماية خصوصية مستخدميه، ليس هذا فحسب لكنه يمارس التضليل ضدهم، مشيرة إلى توفير عنوان الـ «آي بي» الخاص بالمستخدم فكرة تقريبية لشركات الإنترنت عن موقع تواجد المستخدمين بما في ذلك الرمز البريدي للمكان، وهي معلومات يتم استخدامها من قبل العديد من العلامات التجارية حتى يتمكنوا من عرض إعلانات المستخدمين ذات الصلة بمواقعهم واهتماماتهم وسنهم ونوعهم ومعلومات ديموجرافية أخرى.

تمثل هذه الانتهاكات تحولا في سياسة «فيس بوك»، التي تعهدت عام 2014 بتحكم المستخدمين في معلوماتهم الخاصة التي يشاركونها مع الموقع الأشهر، وأنهم سوف يرون الإعلانات فقط على أساس المواقع الأخيرة التي زاروها.

وعلى خلفية الضغوط القانونية التي واجهها مؤسسو «فيس بوك» لم يجدوا سبيلا سوى الاعتراف بالتراخي في منع التدخل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وضد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون والتي لعب «فيس بوك» دورًا كبيرا في هزيمتها.

من جانبها بررت شيريل ساندبرج، رئيسة العمليات في «فيس بوك» في شهادة أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، أنها استغرقت وقتًا طويلًا جدًا للتعامل مع مثل هذه الحملات التي أدت إلى خسارة المرشحة هيلاري كلينتون، حيث عانت الشبكة الاجتماعية من بطء كبير في التعامل مع مشكلة التدخل في الانتخابات.

دول العقوبات

تجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة المتحدة كانت على رأس الدول التي نفذت عقوبات بحق عملاق مواقع التواصل الاجتماعى، عقابا على خلله، حيث فرض مفوض المعلومات البريطاني غرامة قدرها 500 ألف جنيه إسترلينى، على «فيس بوك» وذلك على خلفية أزمة تسريب بيانات المستخدمين لشركة «كامبريدج أناليتيكا» البريطانية، وذلك بعدما أثبتت تحقيقات مكتب المفوض أن إدارة «فيس بوك» سمحت لمطوري تطبيقات إلكترونية بين عامي 2007 و2014 بالاطلاع على بيانات شخصية لمستخدمين دون إعلامهم أو موافقتهم.

في السياق ذاته، يدرس القضاء الأمريكي دعوى قضائية ضد «فيس بوك» من المرجح أن تؤدي إلى فرض غرامة مدنية قدرها 5000 دولار على الموقع لكل متضرر، مقابل كل انتهاك لقانون حماية المستهلك في واشنطن، مما يعني أن إجمالي الغرامة ربما تصل إلى 1.7 مليار دولار إذا كان على الشركة أن تدفع مقابل كل عميل متأثر.

لم يتوقف الأمر حد أمريكا وبريطانيا، ففي ألمانيا كشف المراقبون عن دور اليمين المتطرف، في تغذية عمليات نشر للأخبار الملفقة، عبر «فيس بوك»، والتي كانت تهدف بالأساس إلى تقويض الدور السياسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من خلال الترويج لقصص غير حقيقية عن وحشية اللاجئين، استهدافا للمستشارة التي انحازت لقضيتهم الإنسانية.

وكانت المفوضية الأوروبية قد تحركت باتجاه إنشاء شبكة أوروبية لتعقب حقائق الأخبار المنشورة والمذاعة على حد سواء، عبر إنشاء إطار يضم مجموعة من الخبراء للتفكير في تداعيات الظاهرة، واقتراح حلول لها، كما شكلت عدة حكومات أوروبية، في برلين وباريس فرق عمل خاصة لمواجهة إشكالية الأخبار الملفقة.

الدول العربية

وفي الدول العربية انضمت المغرب إلى سابقتها، وأصبحت تعمل على الابتعاد عن استخدام «فيس بوك» لمحاربة الأخبار الملفقة، فقد دخل قانون(محاربة الإشاعة والأخبار الزائفة)، حيز التنفيذ بداية من سبتمبر الماضي، والذي يعتمد على مبدأ المساءلة القانونية وعقوبات تصل للسجن لفترات تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات وعقوبات مالية تتراوح بين ألفين و20 ألف درهم.

قد يظن البعض أن كوارث «فيس بوك» توقفت عن حد التجسس على المستخدمين أو تسريب بياناتهم أو حتى مجرد التداخل بانتخابات لصالح أحد المرشحين، لكن الحقيقة أن انتهاكات الموقع تسببت في ضرب استقرار عدد من البلاد من خلال نشر آلاف الأكاذيب وتقديم وجبة من السموم الفكرية إلى القراء، فقد استغل «فيس بوك» اهتمام كبار القادة والمسئولين بالتفاعل عبر منصته الاجتماعية لما لها من تأثير كبير على الرأي العام، حتى إنه أصبح الوسيلة الأولى للتواصل مع شعوبهم بجملة من حروف قليلة لم يستطيعوا التعبير عنها في خطابات مطولة، فبدأ في ترويج الشائعات وبث الأخبار الكاذبة الأمر الذي أحدث بلبلة عالمية لا تتمكن أي جهة تداركها.

وكما يقولون «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فقد كشفت دراسة حديثة أن موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أصبح المنصة البديلة لـ«فيس بوك» بعد اعتماده على ترويج الشائعات والأخبار الملفقة والمواقع المزيفة التي تحمل أسماء شخصيات سياسية كبري وقادة العالم، كونه يضع علامة لتمييز الحساب الرسمي من الحساب المزيف.

وقد حاول قادة العالم الهروب من فخ التضليل من خلال تجنب استخدام فيس بوك نهائيا، واللجوء إلى «تويتر» كبديل رئيسي له، وهو ما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتبر «تويتر» ملاذه الآمن من الأخبار الملفقة، حتى أصبح لا يمر يوم إلا ويتفاعل ترامب عبر حسابه بموقع العالمي، وذلك من خلال التعليق الدائم على الأحداث حول العالم، كما يستخدم حسابه أيضا لشن هجوم على وسائل الإعلام أو الشخصيات السياسية وكذلك الدول أيضًا.

وأثبتت دراسة أمريكية أجريت مؤخرًا امتلاك نحو 123 رئيسًا حول العالم يمتلكون حسابات على موقع «تويتر» للتدوينات القصيرة، ومن بينهم ترامب الذي يفوق عدد متابعيه على تويتر 33 مليونًا، رغم تغريداته التي تحتوي في بعض الأحيان على أخطاء نحوية وهجائية، بالإضافة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي تمكن من ضم نحو 6 ملايين متابع، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبى الذي فضل الانضمام إلى «تويتر»، وأصبح يشارك متابعيه في أدق التفاصيل الخاصة به، كما أنه يعتبر واحدًا من أكثر الزعماء العرب الذين أصبح لهم نشاط ملحوظ على تويتر، كما بلغ عدد متابعيه أكثر من 7 ملايين متابع.

وبين مؤيد ومعارض لمستخدمي «فيس بوك» كان هناك زعيمان سياسيان في إيطاليا، ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو حرصا على استخدام موقع التواصل الاجتماعي للفوز بالسلطة، لكن بطريقة أكثر ذكاء تجنبًا للأخبار المزيفة من خلال استخدام البث المباشر«اللايف» لمخاطبة الشعب الإيطالي والتواصل معه بشكل مباشر وأكثر أمانًا حرصا على توسيع نفوذهم بشكل كبير، وهو ما مكنهم من الفوز على منافسهم الرئيسي رئيس الوزراء السابق من اليسار الوسط ماتيو رينزي.

مستبعد

من جهته، رأى خالد نجم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق أنه من المستبعد نهائيا عزوف المستخدمين عن شبكة التواصل الاجتماعية الأولى فيس بوك، خاصة مع العديد من الخدمات التي تقدمها لكل الأشخاص والأعمال أيضا، وأضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن قطاع الأعمال الذي أصبح يعتمد على فيس بوك بشكل كبير، جعل من الصعب إمكانية انهيار أسطورة فيس بوك خلال الفترة الحالية.

وأوضح نجم أن القضية الأساسية التي يجب التأكيد عليها هي شروط الاستخدام التي يوافق عليها المستخدم في بداية إنشائه لحسابه على فيس بوك، والتي تسمح بالتدخل في خصوصية المستخدمين بشكل كبير.

وأيده في الرأي المهندس أحمد صبري خبير الاتصالات، مؤكدا أن انهيار منظومة فيس بوك في الفترة الحالية ليس بالأمر الممكن، خاصة مع الاستثمارات الكبيرة التي تضخ في تلك المنظومة، مؤكدا أن العالم المتكامل الذي أنشأه فيس بوك للأفراد أصبح بمثابة عالم موازٍ لا يقل في أهميته عن العالم الواقعي، وأضاف في تصريحاته لـ«فيتو»: إن الاختراقات التي تعرضت لها الشبكة خلال العام الحالي أمر عادي وطبيعي جدا تتعرض له كل الشبكات، بل والأنظمة وليست شبكة فيس بوك فقط.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية