رئيس التحرير
عصام كامل

الاحتجاجات.. القرارات وفروق التوقيت!


مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية المعروفة إعلاميا ب (أصحاب السترات الصفراء) في فرنسا، وانتقالها إلى بعض الدول الأوروبية الأخري مثل بلجيكا وهولندا حتى كتابة هذه السطور، أظن – وليس كل الظن إثم- أن الصورة تشير بوضوح إلى أن ما يحدث في بعض دول أوروبا هو تكرار لسيناريو ومشاهد حدثت – وما زالت تحدث– في منطقتنا العربية تحت ما سُمي بالربيع العربي حينذاك، والذي تحول بنتائجه الكارثية على دول المنطقة إلى ربيع عبري بامتياز!


وبعيدا عن المؤامرة التي تحولت من نظرية إلى واقع لا تخطئه عين مُبصرة، وبعيدا عن كل التحليلات والتأويلات التي يطلقها أصحاب الرأي والخبرة، وبعيدا عن مشاعر الشماتة التي يبديها البعض أو مشاعر الحزن من حرق وتدمير وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وتشويه الصورة الحضارية لإنجاز البشر الذي حدث ويحدث في أي احتجاجات في أي مكان، وبعيدا عن الغرق في تفاصيل ما يحدث من تدخلات خارجية من بعض الدول.

وما يشاع عن تصفية حسابات بين الرؤساء نتيجة مواقف متقاطعة حول قضايا دولية.. إلخ.. فإن بعض الاحتجاجات لها أسباب ودوافع موضوعية لا يمكن تجاهلها، وبعيدا عن كل ذلك تعالوا نفترض سيناريو آخر كان يمكن أن يحدث ويجنبنا كل هذا لولا السقوط في فخ (القرار وفرق التوقيت).

في ثورات الربيع العبري -باعتبار أن المستفيد الوحيد مما حدث هو الكيان الصهيوني- التي اشتعلت بالمنطقة كان القرار وفرق التوقيت هو القاسم المشترك الأعظم في كل الخراب والدمار الذي لحق بمفهوم الدولة الوطنية وحولها إلى أشلاء متناثرة وطوائف متناحرة تقاتل بعضها بعضا، وصرنا نسمع عن تحرير قرية صغيرة من قبضة داعش أو النصرة أو الجيش الحر في سوريا، وعن استرداد قطاع صغير في ميناء أو مدينة في اليمن، وعن عودة السيطرة على بئر نفط في ليبيا، وعن طرد إرهابيين من مدينة وتطهيرها منهم.

وعن عودة نازحين إلى بيوتهم المهدمة في مدينة في محافظة، وعن تشغيل جزئي لمطار في شبه دولة كانت من قبل دولة ذات سيادة وقدرة على الفعل، وغير ذلك من مشاهد وصور تحولت فيها الدولة الوطنية إلى أجزاء كل جزء منها يبحث عن هويته الوطنية، وكل حي في مدينة يبحث سكانه عن ممر آمن للوصول إلى حي آخر لقضاء مصلحة أو معاملة أو إنجاز عمل!

كان اللافت في كل ما حدث في منطقتنا هو توقيت القرار في ظرف لا يجب فيه التباظؤ في اتخاذ، ولا يجب أن يكون رد الفعل هو الاستعلاء أو الاستهانة أو الصمت على ما يحدث.. حتى في فرنسا وبعض الدول المرشحة لهذه الموجة.

في 25 يناير.. لو تصورنا أن مبارك قرر يوم 26 أو 27 يناير - بعد قراءة أمينة للموقف– إقالة وزير الداخلية أو تغيير الوزارة كلها وحل البرلمان المزور واستجاب لمطالب المحتجين المشروعة.. هل كانت عناصر المؤامرة تكتمل أو تجد المبرر لركوب الاحتجاجات وتغير مسارها؟ هل كان سقف المطالب سيرتفع إلى حد إسقاط النظام ثم إسقاط الدولة بفعل من ركبوها؟

في تونس التي بدأت بها الاحتجاجات قبل مصر.. ماذا لو استجاب زين العابدين بن على لمطالب المحتجين فيما يتعلق بالشغل والفساد وعالج آثار حرق بوعزيزي لنفسه محتجا على الأوضاع.. قبل أن يتأخر ليخرج بعد فوات الأوان ليقول (فهمت عليكم)؟ وماذا لو لم نقل (مصر مش تونس) وقرأنا الدرس جيدا؟

وفي ليبيا.. هل أفادت خطب القذافي من حصنه وهو يقول: من أنتم.. وزنقة زنقة.. دون أن يلتقط الرسالة ويحقق مطلبا واحدا للمحتجين قبل أن يتحول الوضع إلى الفوضى؟

وفي اليمن وفي سوريا وحاليا في فرنسا وفي الأيام القادمة في دول أوروبية أخرى.. ماذا لو انتبه من قامت ضدهم الاحتجاجات وتفحصوا الموقف جيدا بسرعة، وقاموا برد فعل صحيح وباهتمام مناسب.. هل كان أصحاب الأجندات يجدون الفرصة لتنفيذ أجنداتهم؟ وهل كان أصحاب المؤامرة وجدوا ضالتهم في الفوضي التي وقعت لتنفيذ أهدافهم؟

الخطر في كل الاحتجاجات التي تقع يكمن في عشوائيتها، وأنها تظل بلا قيادة واعية أو برنامج واضح، حتى تصل إلى نقطة اللاعودة عندما يرتفع سقف مطالبها.. وعند هذه النقطة يركبها ويسيطر عليها أصحاب المصالح والأهداف غير الوطنية للقفز على السلطة، وإن لم يستطيعوا يعملون على هدم الدولة الوطنية وإسقاطها ليصعب بعد ذلك عودتها وتظل رهينة من أسقطوها!

في النهاية، فإن الدرس المستفاد هو أن الشعوب هي من تدفع الثمن، وأكثر من يدفع الثمن من الشعوب هم الطبقة الكادحة التي تتحمل أعباء إصلاح ما حدث من تخريب وتدمير وخسائر، والدرس المهم هو أن نتعلم مما حدث وأن نقرأ ما فيه جيدا وندرك بوعي من الذي دفع الثمن وما زال، والدرس الأهم أن ضياع الوطن وغياب الأمان لا يعوضهما شيء في الدنيا.. أما الحكمة فهي القرار المناسب في الوقت المناسب في الظرف المناسب، وأن الانحياز للأغلبية هو طوق النجاة.. والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية