رئيس التحرير
عصام كامل

«جزاءات الإفتاء حبر على ورق».. الفتاوى الشاذة تثبت فشل قائمة الـ50.. الأزهر والأوقاف في انتظار قانون الفتوى.. ولا حجر على الآراء العلمية ضمان «المشيخة» لحرية الرأي والتعبير

مشيخة الازهر
مشيخة الازهر

حالة من الفوضى شهدتها الساحة الإعلامية مؤخرًا بعد ظهور العديد من المشايخ الذين أثاروا البلبلة من خلال الفتاوى الشاذة والغريبة التي أحدثت حالة من الجدل والأخذ والرد سواء على القنوات الفضائية أو منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وتعالت في تلك الفترة الأصوات التي نادت بتطبيق العقوبات على أصحاب هؤلاء الفتاوى، ومنعهم من الظهور مرة أخرى.


محاولات سابقة
وفى محاولة منها لضبط عملية ظهور المشايخ في القنوات الفضائية أصدر الأزهر الشريف بالتنسيق مع دار الإفتاء والمجلس الأعلى للإعلام برئاسة الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد منذ فترة قائمة الـ«٥٠» التي شملت عددا من شيوخ وأعضاء هيئة التدريس بالأزهر وتم الإعلان حينها أن من شملتهم القائمة هم من لهم حق الظهور والتحدث في وسائل الإعلام، إلا أن هذا الأمر لم يقدم ما كان مرجوا منه بسبب عدم التزام القنوات الفضائية بالقائمة المعلنة وتكرر ظهور المشايخ التي لم تشملهم قائمة الـ٥٠.

قانون الفتوى
ويعد قانون الفتوى أحد أبرز المشروعات التي ينتظرها المؤسسات الدينية للضبط والتحكم في عملية الافتاء، ويناقش القانون اللجنة الدينية بالبرلمان منذ فترة وكان من أحد أسباب تأخره هو الخلاف الذي نشب بين قيادات الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بسبب اعتراض المشيخة على إعطاء الحق لأئمة الأوقاف بالإفتاء وهو ما اعترضت عليه الوزارة مؤكدا أن لها إدارة للإفتاء تابعة لها وتعمل منذ إنشاء الوزارة.

وكان آخر فصول تلك المعركة هو طلب اللجنة الدينية بالبرلمان من الأوقاف بتقديم ما يثبت وجود هيئة للإفتاء تابعة لها وهو ما قدمته الوزارة بالفعل، ومن المقرر أن يخرج القانون إلى النور خلال الفترة القادمة وسيكون من المقرر طبقا لبنوده اقتصار عملية الفتوى على الأئمة التابعين للأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف بعد التنسيق بين الجهات الثلاثة.

مراجعة الفكر
وكان الأزهر الشريف أصدر بيان مؤخرا أكد فيه أن منهجه القائم على الاجتهاد والتنوع وقبول الاختلاف، يعني بداهة توقع وجود آراء خاطئة، لم يُحسن أصحابها استخدام الأدوات المنهجية وفهم القواعد الكلية، وهذا الخطأ يصوبه النقاش العلمي الحر، وهو أمر مستقر وراسخ في الأزهر منذ القِدم، دون أن يترتب على ذلك أي قدح في كرامة صاحب الخطأ أو حريته، ما دام يخضع للاحتكام للمنهج العلمي وقواعده.

وأشار البيان إلى أن إقدام بعض أصحاب الاجتهادات والآراء الخاطئة على الظهور عبر وسائل الإعلام، وعدم الاكتفاء بطرح آرائهم في قاعات العلم، ما يدفع الأزهر وهيئاته لتوضيح تلك الأخطاء وتفنيدها، حتى لا يلتبس الأمر على غير المتخصصين وعلى العامة، وقد أناط الدستور والقانون بالأزهر ومؤسساته حق توضيح الأحكام الشرعية وبيانها، حتى يستبين للناس حكم الشرع الصحيح، وحتى لا يضطرب أمر المجتمع بسبب خلافات فقهية لا يدرك تفاصيلها إلا المتخصصون، الذين يناقشونها في قاعات العلم والدرس وليس وسائل الإعلام.

وأكد الأزهر أنه لا يحجر على فكرٍ، ولا يقصي عالمًا إذا أخطأ، ومناهجه تتسع لمختلف المذاهب الفقهية المعتبرة، حتى ما قد يراه البعض مهجورًا أو ضعيفًا، طالما أن له سندًا من شريعة أو فقه، فالعلم والعلماء في الأزهر سندهم: الدليل والنص ولا كبير في الأزهر إلا العلم الصحيح، ولا عصمة لأحد غير الأنبياء والمرسلين، ولا قداسة عندنا لأحد غيرهم، والخطأ يجب تفنيده وتصحيحه دون تشكيكٍ في نوايا صاحب الخطأ أو مساسٍ بشأنه.

-وتابع : إن الأزهر الشريف يُعلِّم أبناءه، ويوصي كل علماء المسلمين عبر العالم، بتجنب التسرع في الفتوى أو عرض أية فكرة أو رأي شرعي جديد على عامة الناس، قبل تمحيصها ومدارستها مع أقرانهم مع أهل العلم، تلمسًا للنصيحة والتصويب وحرصًا على الوصول إلى الرأي الشرعي الصحيح، وعليهم أن يتذكروا الحديث الشريف: (أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار)، كما يوصيهم بالتراحم والرفق فيما بينهم، وأن الخطأ في الأحكام الشرعية، وبخاصةٍ ما كان منه صادمًا للثوابت القطعية، يجب مواجهته ومناقشته فورًا دون تهاونٍ وبكل صراحةٍ وجِدِّيةٍ، والمخطئ يستحق كل رفق وصبر ومصاحبة بالمعروف، فعالمنا أصبح فضاءً مفتوحًا، لا تجدي معه نظريات المنع أو الحجر، وإنما يحتاج إلى أن يبادر أصحاب الفهم الوسطي المعتدل لتسليح أنفسهم بالمعرفة والأدوات التي تمكنهم من استيعاب كل جديدٍ نافعٍ، وتفنيد كلِّ فكرٍ مغلوطٍ شاذٍّ، وهو ما ينتهجه الأزهر الشريف.
الجريدة الرسمية