رئيس التحرير
عصام كامل

قطر والسعودية.. التاريخ يرسم سيناريو المصالحة المحتملة

فيتو

بدأت في الأونة الأخيرة تتحدث وسائل إعلامية حول مصالحة محتملة بين السعودية وقطر، واستندت هذه التقارير على التصريحات الدبلوماسية الإيجابية الصادرة عن شخصيات مهمة محسوبة على أطراف الأزمة.


سقف التوقعات

وارتفع سقف هذه التوقعات اليوم، مع وصول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى الدوحة، في زيارة ظاهرها المعلن إجراء مباحثات رسمية، ومناقشة التحضيرات لاجتماع اللجنة الإستراتيجية القطرية التركية العليا.

بداية التصريحات الملطفة للأجواء، جاءت على لسان ولى العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال كلمة له في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، الأسبوع الماضي، وقال بن سلمان في حديثه عن اقتصاد الشرق الأوسط: إن "اقتصاد قطر قوي، وسيكون مختلفًا ومتطوّرًا بعد 5 سنوات".

بعدها قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، السبت الماضى، على هامش حوار المنامة في البحرين إن "تركيا دولة صديقة، والتنسيق العسكري مع قطر لم يتأثر بالتوترات".

وأضاف الجبير: إن "دول الخليج العربي، ومعها مصر والأردن، ماضية بالمشاورات حول تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي، المعروف باسم ميسا، أو الناتو العربي"، معربًا عن اعتقاده بأن "النزاع مع قطر لن يكون له تأثير على التحالف".

تركيا وقطر

واعتبر المراقبون للمنطقة أن أزمة مقتل الصحفى السعودي، جمال خاشقجى، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وتورط شخصيات سعودية بارزة في الجريمة، دفع الرياض إلى حلحلة خلافاتها الإقليمية في وقت تتعرض فيه لحملة انتقادات خارجية، واختارت البداية مع تركيا الدولة المعنية بشكل أساسي بملف الأزمة، إضافة إلى قطر التي باتت حليفا أساسيا في أي معادلة إقليمية مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.

وبات من غير المستبعد في ظل التفاهمات التي دفعت الجميع للجلوس على طاولة السياسة، تطرق أردوغان لملف مقاطعة قطر، مع القيادة السعودية ضمن المباحثات التي أجراها الجانبان خلال الأيام الماضية تزامنا مع أزمة خاشقجى.

القمة الخليجية الأمريكية

الأمر الأخر الذي يعزز اقتراب هذه المصالحة المحتملة بين الدوحة والرياض، تأكيد نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، الخميس الماضى: إن القمة الخليجية- الأمريكية ستُعقد في يناير المقبل، مؤكدًا أن هذا الموعد هو المتفق عليه، وليس هناك أي جديد بشأنها.

ويعد تأكيد المسئول الكويتى لموعد القمة، الأول من نوعها، خصوصا أنها –أجلت- لأكثر من ثلاث مرات سابقا، في ظل احتدام الخلافات بين الأطراف الخليجية، والإصرار على رفض الجلوس على طاولة واحدة مع أمير قطر تميم بن حمد، بالرغم من طلب الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، المتكرر لعقد هذه القمة وتأكيده على ضرورة إنهاء الخلاف بين العواصم الخليجية.

تاريخ الخلافات

صحيح أن حديث المصالحة الآن بين الطرفين، لم يتخط حد التكهنات والتوقعات، لكن بالنظر إلى تاريخ الخلافات بين البلدين وانتهائها بجلوس الأطراف على طاولة الحوار، فالأمر ربما يكون قابلا للتطبيق وإعادة سيناريوهات الماضى التي جاءت كالتالى.

عام 1965 تم توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين السعودية وقطر، إلا أن الحدود ظلت دون ترسيم. وكانت السعودية قد تنازلت لصالح الإمارات عن أجزاء من واحة البريمي مقابل تنازل الأخيرة عن الشريط الساحلي المعروف بخور "العديد"، ولم تعد هناك حدود مشتركة بين قطر والإمارات وبات لزامًا على القطريين المرور عبر السعودية للوصول إلى الإمارات. وعبرت قطر عن تذمرها وعدم رضاها عن ذلك مرارًا.

عام 1992 وقع صدام مسلح على الحدود بين البلدين أدى إلى مقتل شخصين، وتعرف هذه المواجهة باسم معركة "الخفوس" وأدت إلى مقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين وسيطرة السعودية على منطقة الخفوس.

اتهمت الحكومة القطرية عددًا من أفراد قبيلة "بني مرّة" بدعم المحاولة الانقلابية عام 1996 بالتعاون مع الأمير المخلوع خليفة بن حمد آل ثاني، وقامت الدوحة بنزع الجنسية عن المئات منهم وطردهم للسعودية، وباتت هذه المسألة ملفًا خلافيًا في علاقات البلدين.

عام 2000 قاطع ولي العهد السعودي حينذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز، القمة الإسلامية التي عقدت في الدوحة احتجاجا على وجود ممثل تجاري لإسرائيل في قطر.

عام 2002 استدعت السعودية سفيرها لدى قطر بعد ظهور معارض سعودي على قناة "الجزيرة" القطرية انتقد الأسرة الحاكمة في السعودية.

عام 2005 ربحت زوجة أمير قطر السابق ووالدة الأمير الحالي الشيخة موزة، دعوى تشهير رفعتها ضد صحيفة "الزمان" التي كانت تصدر في العاصمة البريطانية حيث اتهمت الصحيفة الشيخة موزة بالتعامل مع إسرائيل. وخلال المحاكمة أبرز محاميها وثيقة تثبت "تمويل المخابرات السعودية للصحيفة وعمل الصحيفة كوسيلة إعلام للتشهير بقطر والأسرة الحاكمة" حسب قول المحامي.

وفي نفس العام وقعت محاولة انقلاب ضد الأمير حمد، بدعم سعودي حسبما زعمت الدوحة وقامت على إثرها الحكومة بتجريد 5 آلاف من أبناء قبيلة "بني مرة" بسبب ما وصفته الدوحة بتورط أبنائها في محاولتي انقلاب.

2007 أمير قطر ورئيس الوزراء يقومان بزيارة مفاجئة إلى السعودية وتحسن علاقات البلدين. وملك السعودية يحضر قمة مجلس التعاون الخليجي التي تعقد في الدوحة أواخر العام.

عام 2008 صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، تنشر اعتذارا لرئيس وزراء قطر وقتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني عن ثلاثة مقالات نشرتها عام 2006 واتهمت فيها الشيخ حمد بزيارة إسرائيل سرًا.

مطلع 2009 السعودية وعدد من الدول العربية تقاطع القمة العربية الطارئة التي عقدت في الدوحة لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة.

2010 بناء على طلب ملك السعودية الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، أصدر أمير قطر عفوا عن عدد غير محدد من السعوديين المعتقلين في بلاده بتهمة الاشتراك في محاول الانقلاب عام 1996.

ثورات مصر

لدى اندلاع ثورة يناير 2011 في مصر وقفت قطر مع المتظاهرين وسخرت قناة "الجزيرة" لهذا الغرض بينما وقفت السعودية إلى جانب نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

عام 2013 الأمير تميم بن حمد يتولى السلطة في قطر بعد تنازل الأب لابنه وسط توقعات سعودية بتحسن علاقاتها مع قطر وانتهاج الأمير الجديد سياسة خارجية تختلف عن السياسة السابقة.

في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، والتي أدت إلى عزل محمد مرسي، اجتمعت قيادات إخوانية في الدوحة، وتم استدعاء تميم إلى السعودية وإبلاغه بضرورة انتهاج سياسات تتوافق مع سياسات مجلس التعاون الخليجى إزاء القضايا الإقليمية وعدم التدخل في شئون الداخلية لدول المجلس.

2014 السعودية والبحرين والإمارات تستدعي سفراءها لدى الدوحة لمدة تسعة أشهر بسبب تدخل قطر في الشئون الداخلية لهذه الدول، في إشارة إلى خطب الداعية الهارب يوسف القرضاوي، واستضافة الدوحة عددًا من أعضاء جمعية الإصلاح الإماراتية المقربة من الإخوان والمحظورة في الإمارات.

منصب ولى العهد

2015 رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتحسنت العلاقات بين الدوحة والرياض، في عهد الملك سلمان، وولى عهد الأمير محمد بن نايف، وولى ولى العهد وقتها الأمير محمد بن سلمان، وشهدت العلاقات بين البلدين تحسنا ملحوظا للجميع من خلال الزيارات المتبادلة والاحتفالية الشعبية التي أقيمت للعاهل السعودي في الدوحة.

2017 مثل ذروة الخلاف بين الأطراف بإعلان المقاطعة العربية في الـ 5 يونيو، وبعدها اختارت هيئة البيعة الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد يوم 22 من ذات الشهر، وبالرغم من حرص تميم على تهنئته بالمنصب، ظلت الخلافات عالقة في النفوس بعد تسرب معلومات حول محاولة الدوحة إجهاض مستقبل ولى العهد السعودي الجديد وتأجيج الصراعات داخل العائلة المالكة.

والعام الجاري 2018 رغم استمرار الخلافات ووجود أطراف أخرى هذه المرة في قلب المعادلة، يبقى يناير المقبل من العام 2019، محل تكهنات حول المصالحة المحتملة بين الطرفين برعاية أمريكية.


الجريدة الرسمية