رئيس التحرير
عصام كامل

سناتر الدروس الخصوصية.. ستارة تداري شروخ الحيط


في لقائنا التليفزيوني ببرنامج الطريق الثالث سألني الإعلامي هاني الديباني: كم مرة كتبت خبرًا حول "التعليم" تواجه فيه مراكز الدروس الخصوصية وتسعى لتجريمها؟ فأجبته أن الخبر كتبته وكتبه زملاؤنا محررو التربية والتعليم في الصحف والمواقع الإخبارية المختلفة عشرات المرات، وفي كل مرة يكون للخبر طابع مختلف حسب أسلوب شخص الوزير الجالس على الكرسي..


فمعالجة الأمر وتنفيذ القرارات تجاه مراكز الدروس الخصوصية من التوابع التي تلزم نفس الخبر، وكلها أمور متكررة منذ عهد الدكتور حسين كامل بهاء الدين أطول وزراء التعليم عمرًا في الوزارة، حتى من قبله كانت هناك محاولات كثيرة لمواجهة الدروس الخصوصية، وعلى الرغم من ذلك ذهب كل هؤلاء الوزراء وبقيت مراكز الدروس الخصوصية واستفحل أمرها وتوحشت، حتى أصبحت مثل الغول ينهش جيوب أولياء الأمور..

وأصبحت تلك السناتر بمثابة تعليم مواز للتعليم الرسمي، وبعض معلميها أصبحوا أباطرة الوصول إليهم للقائهم يتطلب وساطات كبيرة ومنهم "حوت شبرا" وملك الدروس في فيصل والهرم، وغير ذلك من الألقاب.

ولا يختلف اثنان حول ضرورة معالجة أزمة الدروس الخصوصية، ومكافحتها؛ لكن ما الإجراءات التي يمكنها مواجهة تلك آلافة، وهل ما تفعله وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في عهد الدكتور طارق شوقي هو الحل الأمثل لتلك الأزمة؟ أم إن الحملة التي تشنها الوزارة لها فيها مآرب أخرى؟

والواقع أن ما تفعله وزارة التربية والتعليم حاليا، يشبه حال صاحب منزل الذي لديه حائط مملوء بالشروخ والكسور، وتلك الشروخ تهدد بقاءه، وبدلًا من أن يعيد إقامة حائطه لجأ إلى وضع ستارة زاهية الألوان من أجل أن تخطف عين الناظرين فتصرفهم عن التفكير في شروخ الحائط، فإثارة الحديث عن الدروس الخصوصية والأموال التي تجمعها، وظهور المسئول عن المكتب الإعلامي للوزارة في فيديوهات وهو يشهر كيس النقود، ويستعرض أمام المشاهدين الغرض منه سحب الرأي العام في هذا الاتجاه للتعمية عن شروخ المنظومة الجديدة التي يزعمها وزير التعليم وفريق أحلامه..

وإلا فأين هم من أزمات كثافة الفصول، وغياب أعمال الصيانات، والأطفال الذين لقوا مصرعهم داخل المدارس، وتدريبات المعلمين التي لم تظهر لها أي نتائج، وأزمات المدارس الخاصة والتجريبيات، وغيرها العديد والعديد من الملفات الشائكة التي تتطلب حلولًا ناجعة.

وفيما يتعلق بقضية الدروس الخصوصية؛ فإن القراءة الأولية للمشهد تكشف أن سناتر الدروس الخصوصية هي عرض من أعراض التعليم وليست مرضًا من أمراضه؛ لأن المرض الفعلي في المدرسة والمنهج والمعلم وسوء إدارة العملية التعليمية في الحلقات الأدنى والأعلى بدءا من المدرسة حتى الإدارة التعليمية ثم المديريات والوزارة..

وحل تلك الأزمة لا يكون بالتركيز على العرض؛ لأنه طالما ظل المرض موجودًا فأعراضه باقية ولن تقضي عليها المسكنات، وإغلاق سنتر واثنين وألف وألفين لن ينهي الأزمة؛ لأنه هناك مشهد آخر يغفله القائمون على الأمر أو يتغافلون عنه، وهو أن القضية ليست في المكان الذي يحصل فيه الطالب على الدرس، إنما في المنظومة ككل التي تجعل ولي الأمر يفقد الثقة في المدرسة ويلجأ إلى الدروس الخصوصية مرغمًا، وربما استدان من أجل توفير نفقات الدروس..

وأيضًا الأزمة ستظل قائمة لارتباط الدروس الخصوصية لدى المعلمين أو القائمين عليها بفكرة "لقمة العيش" التي تحولت إلى عقيدة؛ لأن منطق هؤلاء أنهم بحاجة إلى حياة كريمة في ظل الارتفاعات الجنونية للأسعار وفي المقابل فإن رواتبهم المتدنية لا تفي بالتزاماتهم واحتياجات منازلهم..

وبالتالي فهم يمنطقون الأمور لصالحهم بالشكل الذي يحقق لهم مرادهم، إضافة إلى ذلك فتغير النظرة المجتمعية للدروس الخصوصية أمر يحتاج إلى دراسة، لأن تلك الثقافة قد تكون العقبة الأخطر في أي مواجهة، فالنسبة الغالبة من أولياء الأمور ترى الدروس الخصوصية أمر حتمي وهم في ذلك معذورون، لأنهم يرون الصورة من منظور مصلحة أبنائهم ومستقبلهم فقط، ولا يرونها من منظور المسئولين القابعين في كراسيهم الوثيرة..

وبالتالي فحقيقة الأمور بالنسبة لهم أن الدروس أشبه بالدواء المر الذي يجب عليهم تجرعه لكي يعبروا من نفق أمراض المدرسة، ولكي يتوقف هؤلاء عن تعاطي الدواء المر فيجب أن يتم القضاء على المرض نفسه، وإن حث ذلك وقتها سيلفظ المجتمع الدروس وتصبح بضاعة خاسرة وسيتناقص عدد مروجيها إلى أن تختفي تدريجيًا، وتصبح عارًا على من يلجأ إليها كما كانت قبل عقود مضت.
الجريدة الرسمية