رئيس التحرير
عصام كامل

العالم المصري الحائز على جائزة الدولة التقديرية: الإصلاح الزراعي أبرز سلبيات «أيام عبد الناصر»

فيتو

  • الطلاب السودانيون «ضربونا علقة» بعد أزمة «مارس 54»
  • التقيت مبارك مرة واحدة في حياتي.. وأرى أنه خلال أول 10 سنوات كان يريد أن يقدم شيئًا لمصر
  • السيسي أول رئيس مصري يهتم بـ«البحث العلمي»..
  • قابلت عبد الحكيم عامر في السودان وقلت له « لن أدخل الكلية الحربية وسألتحق بكلية العلوم»

الخطوة الأولى لم تكن على الأراضي المصرية.. النظرة الأولى أيضا كانت خارج الحدود، وتحديدًا إنجلترا التي شهدت ميلاد الدكتور نبيل عبد المجيد، الحائز على جائزة الدولة التقديرية، والمولود لأب مصري سافر إلى إنجلترا قبل الحرب العالمية الثانية ليدرس، وهناك تزوج من سيدة إنجليزية سرعان ما أنجبت له «نبيل».

لم يكن الطفل «نبيل» تخطى السابعة من عمره بعد، حين تعرض التاج البريطاني لخطر النازية.. أصوات القنابل والقذائف تصم الآذان، ورغم مرور سنوات طويلة على مشهد الدمار هذا إلا أن «د. نبيل» لا يزال يتذكر اللحظات القاسية تلك، حيث قال: «كنا لا ننام في بيوتنا، ننزل مخابئ ونحن نرتعش خشية الموت، كنت طفلا لا أعي الكثير، لكن ملامح الخوف لم تفارق ذاكرتي، كما ما أزال أتذكر لحظات النجاة، حيث خرجت أسرتي في أول قافلة من البواخر البحرية التي خرجت من إنجلترا متجهة إلى الإسكندرية، ثم انتقلنا للسودان بسبب عمل والدي، حيث كان كبير مهندسي التخطيط في السودان، وعشت هناك حتى الثانوية العامة.

السودان.. محطة ثانية ملامحها مختلفة عن إنجلترا، قال عنها «د. نبيل»: كانت الحكومة المصرية تنشئ مدارس نموذجية من أكفأ المدرسين المصريين، وذلك أحببني في التعليم والأنشطة التي كنت أشارك فيها.

قطار ذكريات «د. نبيل» لم يغادر بعد محطة «المدرسة»، حيث يتذكر أنه عاصر اثنين من عمالقة الكوميديا المصرية، أحمد المصري الذي اشتهر في السينما المصرية بشخصية «أبو لمعة»، الذي قال عنه: «كان يدرس لنا الرسم وعلى عكس الظاهر على الشاشة كان شخصا مثقفا جدًا ويتقن ويحب ما يفعله قبل أن يتركنا ويسافر لمصر لاحتراف التمثيل، أما الثاني فكان أمين الهنيدي مدرس الرياضة قبل أن يتجه للمسرح، وكان دائم الحرص على الأخلاق والتربية». 

وأضاف: حين كنت في السودان كان ابن قائد الجيش المصري يدرس معي، وفي أحد الأيام اصطحبني إلى بيته وهناك وجدت والده مع عبد الحكيم عامر وصلاح سالم وجمال سالم، وأول حاجة قالها لي: «هتدخل الكلية الحربية طبعا"..فقلت له "لا أنا هدخل علوم".

د.نبيل انتقل بنا للحديث عن فترة قرارات مارس 1954 عندما تمت تنحية محمد نجيب من الحكم يقول : بمجرد إذاعة بيان إقالة محمد نجيب، كان الغضب في الشارع السوداني كبيرًا، باعتبار «نجيب» سودانيًا، ولا أنسى أن الطلبة السودانيين في المدرسة ضربوا كل الطلبة المصريين وكنت منهم، «علقة ساخنة».

في العام 1956 حصل الطالب نبيل عبد المجيد على الثانوية العامة بمجموع 65%، ليلتحق بعدها بكلية العلوم، يقل :"كانت المواد التي تدرس في كلية العلوم هي ذاتها المواد التي تدرس في إعدادي طب، حيث من الممكن التحويل من العلوم للطب بعد أول عام، واقترح مسئول التنسيق أن انتقل إلى كلية الطب بجامعة الإسكندرية بعد قضاء السنة الأولى في العلوم، لكن تم إلغاء هذا النظام».

وأكمل: بعد التخرج.. المركز القومي للبحوث كان حلم كل طالب علمي، فوقتها المركز كان يحظى بثقة عالمية، ورغم أنني لم أكن أخطط لشيء بعينه، فقد تقدمت عام 1960 بطلب الالتحاق بالعمل بالمركز، بعد أن أعلن قبوله لدفعة جديدة، وبالفعل اجتزت الاختبارات وتم تعييني في نفس العام، وكان المركز برئاسة أحمد رياض من مؤسسي القومي للبحوث، وكان متخصصا في الكيمياء النووية، لكن كثيرين لا يعرفون شيئا عنه الآن.

طريق النشر العلمي بدأ ايضًا من القومي للبحوث، فـ«د. نبيل» الذي يمتلك في رصيده 145 بحثًا، قال: بمجرد دخولي للقومي للبحوث بدأت النشر في المجلات المحلية والعالمية، قبل أن تتحول المجلات العلمية إلى تجارة في بعض الأوقات، أما أول بحث أعددته أثناء تحضيري للماجستير فكان عن نباتات المانجو وبعد حصولي على الدكتوراه تم تعييني في قسم دباغة الجلود، والذي تحول بعد ذلك لقسم المنتجات والنباتات الطبيعية.

لم تكن التجربة مثمرة، لذلك غير «د.نبيل» تخصصه بالكامل، وعن تفاصيل هذا التحويل قال: تحويلي من قسم دباغة الجلود جاء نتيجة تجربة نزلنا المصانع 6 أشهر، ولم نشعر أن هؤلاء الناس يريدون بحثا علميا أو الاستفادة منه، فشغلهم الشاغل التصنيع والمكسب السريع، فالجلود والمعدات والكيماويات تأتيهم من الخارج واعتادوا على ذلك.

7 سنوات بين المختبرات العلمية والدرجات الوظيفية ونشر الأبحاث العلمية، كان الشاب «د.نبيل» طوالها مؤمنًا بما يفعله داخل المركز القومي للبحوث، وقال عن السنوات تلك: لم أكن أصدق كل ما قيل عن قوة مصر خاصة في مجال العلم، لكن جاءت نكسة يونيو التي أعتبرها «كابوس» لتثبت صحة رأيي، كنا نعيش في حالة أثرت على الجميع، ولكننا لممنا شتات أنفسنا في حرب أكتوبر، وكما كانت الهزيمة غير متوقعة كان النصر غير متوقع أيضًا. 

وعن عصر الرئيس جمال عبد الناصر، قال العالم المصري: كانت لها سلبيات وإيجابيات، أبرز السلبيات هي قانون الإصلاح الزراعي الذي تسبب في ضياع الأرض الزراعية، فحين أخذ كل فلاح 5 أفدنة وزع منها على أولاده الذين بنوا العقارات وراحت الأرض، فقديمًا حين كنت أسافر للإسكندرية وأخرج من محطة مصر لم أكن أرى إلا أراضي زراعية الآن لا نرى شيئًا. 

السفر وتغيير التخصص طريق صعب خاضه العالم المصري، وقال: لم أستمر في العمل سوى 15 عاما بعدها سافرت لأغير التخصص والاتجاه للنباتات والمنتجات الطبيعية، وكيمياء المنتجات الطبيعية، والتي من الممكن أن تستخدم في الصناعات الدوائية، وتعلمت في أحسن المدارس المتخصصة في إنجلترا وألمانيا لأسافر إلى كندا بعد ذلك، وكان المستوي العلمي عالٍ جدًا في إنجلترا خاصة في النباتات الطبيعية، بعدها بعامين سافرت لألمانيا لأتعلم تخصصا آخر ذا صلة لكنه مرتبط أكثر بالكيمياء الحيوية وكنت أدرس لدى أبرز علماء هذا المجال.

منتصف سبعينيات القرن الماضي عاد «د.نبيل» لمصر، لكنه هذه المرة عاد أقوى، محملًا بخبرة دولية في مجال تخصصه، أتاحت له أن يصبح اليد اليمنى لرئيس المركز وقتها محمد كامل، وقال: «لقد تعلمت الإدارة من خلاله، ولقد أرسل 45 باحثا إلى أمريكا وإنجلترا لتعلم الإدارة، وكنت منهم فتعلمت التخطيط وطبقت ذلك في عملي».

الخبرة في صناعة الدواء كانت كلمة السر التي فتحت الأبواب أمام «د.نبيل»، وكشف أنه خلال هذه الفترة عُرض عليه العمل في الولايات المتحدة الأمريكية بمزايا مغرية لكنه رفض، كان في هذا الوقت قد كون أسرته الصغيرة، وفضل أن يتربى أبناؤه في بيئة عربية متمسكين بالقيم الدينية بدلًا من ثقافة الغرب.

وتابع: في عام 1992 تم تعييني أمينًا عاما للمركز، وكان رئيس المركز الدكتور على الشربيني، وفي تلك الفترة قابلت لأول مرة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وكانت هي المرة الوحيدة، وكان مرحا ومتواضعا، وأرى أنه خلال أول 10 سنين من حكمه حاول أن يقدم ما يفيد البلد، ولن أنسى دوره في تحرير سيناء واستعادة طابا. 

وواصل: تم تعييني رئيسًا للمركز بعد ذلك بفترة وجيزة، وذلك كان في عهد الدكتور عادل عز وزير البحث العلمي الذي لم يكن يريدني أتولى المنصب، لذلك اندلعت بيننا مشاحنات كثيرة بسبب آرائي التي كثيرًا ما خالفت آراءه، وكان ينحاز لآرائه ما سبب الكثير من المشكلات وكان يعرف في النهاية أنني محق. 

ولأن لكل طريق نهاية إلا طريق العلم، لذلك حين سألناه عن تركه للقومي للبحوث أوضح أنه ترك ذلك ثم بدأ العمل مع أكاديمية البحث العلمي وإصدار مؤشر البحث فيها، والآن يسافر لدول أوروبية من أجل غرض البحث العلمي. 

عدم توقعه للحصول على جائزة الدولة التقديرية لم يكن أكثر من نظرية يؤمن بها، حيث قال: كنت أحلم بالحصول عليها لكني لم أكن أتوقعها فكثير من العلماء لا يسمع عنهم أحد، وهناك آخرون متفرغون للشو وليس للعلم ناهيك عن وجود الغش العلمي. 

وأخيرًا.. سألناه عن حال المركز القومي للبحوث فأجاب: بالطبع يحتاج للكثير من التطوير، فهذا المركز وقت تأسيسه كان به قسم مخصص للصناعات الحربية والكيميائية وتطويره أمر ضروري.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية