رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تغافلوا.. تصحّوا


لا تشغلوا أنفسَكم بنقائص الآخرين ولا تتربصوا بها، فإنَّ أحدًا لم يُخلقْ كاملًا، الكمالُ ليس مَنْ صفاتِ البشر، بلْ منْ صفاتِ خالقِ البشر، لا تغضبوا إذا غدرَ بكم صديقٌ، أو تخلَّى عنكم رفيقٌ، أو خاضَ في سيرتِكم زميلٌ، لكنْ تغافلوا.


"التغافلُ عن الزلَّاتِ من أرقى شيم الكرام، فالناسُ مجبولونَ على الزلّات والأخطاءِ، فإنْ اهتَمَّ المرءُ بكلِّ زلةٍ وخطيئةٍ تعبَ وأتعبَ".. بحسب "ابن الجوزي" رحمَهَ اللهُ. و"تسعةَ أعشارِ حُسْنِ الخُلق في التغافُل"، كما قال "ابن حنبل" رحمه اللهُ.. فتغافلوا.

وإذا صادقتم فلا تتبعوا هفواتِ أصدقائكم، ولا تتصيدوا لهم الأخطاء، بلْ تغافلوا، التغافلُ يُطفئُ شرًا كثيرًا، وقديمًا قالَ أحدُ العارفينَ: "تناسَ مساوئَ الإخوانِ تستدِم وُدَّهم"، أي تجاهلْ مساوئ رفقائك حتى يبقى الودُّ بينكم موصولًا وإلا تقطَّع، أما إذا لم تتغافلوا فإن قلوبَكم سوف تمتلئُ حُزنًا وغمًَّا، لأن أحدًا لن يترك سواه في حاله، ولن يُخلصَ صديقٌ في صداقةِ صديقِه طولَ الوقت، بل سوف يغتابُه ويبهتُه وينتقصُ من قدره ويجحدُ فضله.. إذن فتغافلوا.

وإذا أردتمْ راحةً لأنفسِكم فلا تُكثروا من التقصِّي، لأن الاستقصاءَ سوف يُضاعفُ أوجاعكم، لكن عليكم بنصيحةِ الشاعر: تغافلْ في الأمور ولا تُكثرْ تقصيَّها فالاستقصاءُ فرقة، وسامحْ في حقوقك بعضَّ شيءٍ فما استوفى كريمٌ قطْ حقَّه.. لذا فتغافلوا، واعلمْوا أنَّ منْ الدهاءِ، كلَّ الدهاءِ، التغافلَ عنْ كلِّ ذنب، لا تُستطاعُ العقوبةُ عليه، ومن عداوةِ كلِّ عدوٍ لا تقدرُ على الانتصارِ منه.. لذا فتغافلوا.

والتغافلُ عَّما لا يعني هو العقلُ، فتغافلوا، وقديمًا قالَ حكيمٌ: لا يكونُ المرءُ عاقلًا حتى يكونَ عمَّا لا يعنيهِ غافلًا.. فتغافلوا، وقال "أكثم بن صيفي": "من تشدّد فرّق، ومن تراخى تألف، والسرورُ في التغافل".. فتغافلوا، وأنشدَ أحدُهم: "ومنْ لا يُغمضْ عينَه عن صديقِه وعن بعضِ ما فيهِ يمُتْ وهو عاتبُ، أغمضُ عيني عن صديقي تغافلًا كأني بما يأتي من الأمر جاهلُ".. فتغافلوا.

وما يساعدُ على التغافل ألا تسيئوا الظنَّ بالناس، وأن تلتمسوا لهم الأعذارَ.. فتغافلوا، ولأنَّ التغافلَ فضيلةٌ محمودةٌ فإنه لا يدركُها إلا ذوو المقامِ الرفيع، لذا قال "جعفر الصادق": عظِّموا أقدارَكم بالتغافُل".. فتغافلوا.

فضيلة التغافل سوف تمنحُكم مساحةَ واسعةَ من الراحة النفسية والتصالُح مع الذاتِ والتمتُّع بما تبقى لكم منْ حياةٍ، وتطفئ في نفوسِكم، الأمَّارة بالسوء، نيرانَ الخصومة ولهيبَ الغضب، سوفَ تجعلُكم قادرينَ على استيعاب الصدمات وامتصاص المصائب وتجاوز النكباتِ، سوف تمنحُكم صمودًا وقوة يفتقدهما غيرُ المتغافلين.. فتغافلوا..

وأخيرًا، لا تكونوا مُغفَّلينَ، لكن تغافلوا، تغافلوا تصحّوا نفسيًا وعُضويًا، ففي التغافل السلامةُ، وفيما سواها الندامةُ، واعملوا بقوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".. لذا يجبُ أنْ تتغافلوا.
Advertisements
الجريدة الرسمية