رئيس التحرير
عصام كامل

أن تكون عادلًا في مجتمع غير عادل بالمرة!


هل الحياة الأفضل ممكنة للجميع؟.. نعم ستظل كذلك، رغم تأكيد سائر علوم النفس والاجتماع ودراسات الفلسفة أن الأشخاص في أي بقعة من بقاع الأرض ليسوا حياديين بالمرة، مما يعني أن النزاعات على المصالح مستمرة، بل وستستمر لاحقا، ما بقيت الحياة.


أعتقد أن ما يجمع الناس ويجعلهم قابلين للتعايش رغم اختلافهم، بل وتصارعهم على المصالح، هو إيمانهم بمفهوم العدالة، الذي لا ينفي مطلقًا حرص الأشخاص على حاجاتهم الذاتية، ولكنه يؤسس لعلاقة بينهم قائمة على نوع من التعاون الآمن، وتحديد ما هو عادل بينهم وما هو غير عادل، ينطبق ذلك على الدولة والمنظمات والمؤسسات التي تسعى للاستفادة من طاقات أفرادها، وإعادة تدويرها لخدمة الكيان حتى لا تتحول خلافاتهم إلى صراعات، قد تصبح عبئا عليها.

تقاس موازين العدالة عادة في أي دولة أو حتى منظمة أو مؤسسة احترافية، بعملية توزيع المهام والواجبات، والتكافؤ المنصف في المعاملات والفرص، ولا يعني ذلك أن يصبح المجتمع مغلقا على أصحاب الكفاءات والمواهب، بل يجب احترام أصحاب القدرات البسيطة دائما ورعايتهم والاهتمام بهم، والابتعاد عن أي حجج لتجاهل الظلم الذي قد يقع عليهم من جراء سياسات عدائية، عفا عليها الزمن، في الغالب هدفها ليس التطور، بل مزيد من السيطرة والتفرد بالسلطة والقيادة لأبعد وقت ممكن.

لا توجد ضرورة مطلقا للبقاء تحت لواء سياسات غير عاقلة بالمرة، فالنظام الاجتماعي في المجتمعات ليس ثابتا، وكذلك السيستم الإداري لأي مؤسسة أو منظمة يمكن إعادة هيكلته وتغييره بل ونسفه، بما يساعد الفرد على التطور، ولن يحدث ذلك إلا لو كان كل فرد في دولة أو مجموعة أو مؤسسة، لديه القدرة على المشاركة في تقرير سياساتها تجاهه أولا.

يقول "جون رولز" الفيلسوف الأمريكي الشهير، في كتابه الهام «نظرية في العدالة» أن العدالة هي الفضيلة الأولى للدولة والمؤسسات الاجتماعية، وأي قوانين تحكمها ليست صادقة أو عادلة، لن تتيح الفرص أمام تطور المواهب وتفجير الإمكانات والطاقات الكامنة فيهم.

يركز "رولز" في كتابه صاحب الـ700 صفحة من القطع المتوسط، والذي صدرت طبعته الأولى عام 1975 على ضرورة تنمية حس العدالة لدى الأفراد، وإجراء تطبيقات عملية على ذلك، سواء على مستوى القرارات أو الإدعاءات والأحكام على الغير، بما يساهم في نقاء القلوب، فتمنح أصحابها القدرة على الرؤية بوضوح، بما يضع الجميع على مسافات متساوية من نظرتهم للعدالة وأهميتها القصوى في حياتهم، بدلا من المبادرات الفردية، التي لن تأتي لنا إلا بمجرد إنسان عادل في مجتمع غير عادل بالمرة !
الجريدة الرسمية