رئيس التحرير
عصام كامل

سورية بخير.. رغم كل سنوات الحرب!!


على مدار سنوات الحرب الكونية على سورية لم أنقطع عنها يوما، فكنت دائما ما أزورها لأطمئن بنفسي على أحوالها باعتبارها أحد أهم بوابات الأمن القومى المصرى، وأتابع أخبارها على مدار الساعة في حالة وجودى بمصر، ومنذ زيارتى الأولى في عام 2011 والتي تأكدت من خلالها بأن ما يحدث على الأرض العربية السورية هو مؤامرة أمريكية – صهيونية بامتياز، فلم يكن قد بدأ العدو بالتصعيد بعد ولم يكن قد أرسل الجماعات التكفيرية الإرهابية التي ستخوض الحرب عنه بالوكالة، وكانت غالبية المدن السورية هادئة ولم نرى في الزيارة الأولى أي معالم أو مؤشرات للثورة المزعومة.


وبالطبع لم تقنعنى الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي أطلقها العدو لقصف العقل الجمعى العربي بالأكاذيب والفبركات لتصور له أن هناك موجة للربيع العربي، انطلقت من تونس ووصلت لمصر وليبيا واليمن وأخيرا سورية، فإذا كانت للثورة دوافع اقتصادية وسياسية واجتماعية لذلك تبلور الشعار الرئيسي لها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فإن هذه الدوافع تفاوتت من دولة إلى أخرى. 

لكن تظل في الحالة السورية علامة استفهام كبيرة لدولة اقتربت من الاكتفاء الذاتى، دولة يأكل شعبها مما يزرع ويلبس مما يصنع ولا توجد فروق طبقية حادة بين مواطنيها وغالبيتهم ينتمون للطبقة الوسطى، ولا يمكن أن تجد فقيرا لا يجد قوت يومه، وهو ما جعلها دولة مستقلة في قرارها السياسي ولم تخضع يوما للعدو الأمريكى وحليفه الصهيونى، بل رفعت راية المقاومة في مواجهتهما، لذلك كان حكمنا على ما يحدث في سورية بأنه مؤامرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وخلال الزيارات التالية شاهدت بعينى كيف بدأت الحرب، وكيف تمت عمليات التصعيد، وكيف دخلت الجماعات التكفيرية الإرهابية عبر الحدود المفتوحة مع تركيا والأردن والعراق ولبنان، وكيف بدأت الشعارات الطائفية لتفكيك البنية الاجتماعية الصلبة والمتماسكة والتي تعد أحد أهم صمامات الأمان للأمن القومى الاجتماعى للمجتمع العربي السورى، فسمعنا شعارات طائفية بغيضة تقول:
"العلوية على التابوت والمسيحية على بيروت"، في محاولة لتفكيك وتقسيم وتفتيت النسيج الاجتماعى المتماسك والمتلاحم للشعب العربي السورى، وفى ذات التوقيت كانت الجماعات التكفيرية الإرهابية المسلحة تتغلغل داخل بنية المجتمع وتفرض نفوذها بقوة السلاح على المناطق السكنية في طول وعرض البلاد.

ووقف الجيش العربي السورى في البداية يتأمل الموقف ويفكر فيه جيدا، كيف سيتعامل مع هذه الجماعات الإرهابية التي تخوض ضده حرب شوارع وعصابات بتسليح أمريكى وصهيونى وأوروبي وبدعم مالى خليجى ليس له سقف، وبآلة إعلامية كاذبة وحاقدة تحاول طوال الوقت تصوير ما يحدث على أنه ثورة شعبية في محاولة لغسيل أدمغة الرأى العام العربي والعالمى، وفى الوقت الذي كان الجيش والقيادة السياسية الحكيمة تفكر كانت الجماعات الإرهابية تتغلغل أكثر وأكثر وتفرض نفوذها على مساحات واسعة من الجغرافيا العربية السورية.

وهنا كنت أشعر في كل زيارة أننى أختنق نتيجة لانتشار الحواجز الأمنية داخل العاصمة دمشق، وعندما كنت أطلب الخروج خارج العاصمة كان طلبى لا يستجاب له خوفا وحرصا على أمني وكان ذلك مؤشرا على عدم الأمان.

وعندما بدأ الجيش العربي السورى مرحلة التحرير بعدما وضع آلياته الجديدة والمبتكرة لمواجهة حرب الشوارع والعصابات، وهى مهمة صعبة على الجيوش النظامية لكن الجيش العربي السورى قرر أن يخوض المعركة بنفس أدواتها مع فارق وحيد أن مجموعاته المقاتلة تدافع عن أرضها وعرضها وشرفها ضد الجماعات المرتزقة التي جاءت إلى الأرض العربية السورية من كل أصقاع الأرض لتخوض حرب غير شريفة مع شعب مسالم وجيش عقائدى مؤمن بالدفاع عن ترابه الوطنى.

ومع تحقيق الانتصارات المتتالية عاد الأمن من جديد وخلال الزيارات التي أعقبت المعارك الكبرى كمعركة حلب ودير الزور كان الحصار يفك وتلقى ظلال الانتصارات على العاصمة دمشق فتتخفف من الحواجز الأمنية رويدا رويدًا، وعندما طلبت الخروج من دمشق كانت تتم الموافقة على استحياء.

وفى زيارتى الأخيرة منذ أيام وبعد أن تحرر ريف دمشق بالكامل وبعد المعركة الشرسة في الغوطة الشرقية، وجدت وجه جديد لدمشق فلم تعد هناك حواجز أمنية تخنق العاصمة وزائريها، وعاد الأمن والأمان يعم كل أرجاء المدينة التي عادت لتسهر من جديد حتى الصباح ويتجول مواطنيها وزائريها في كل شوارعها وحواريها، وعندما طلبت الخروج خارج دمشق سمح لي بترحاب شديد فذهبت إلى حمص وحماه وطرطوس وجبلة وبانياس والقرداحة واللاذقية وأرياف هذه المدن بكل سهولة وحرية، وشهدت حجم التضحيات التي قدمها الشعب العربي السورى في هذه الحرب فلا يوجد بيت مررت عليه لم يقدم شهيد أو أكثر، لكن الجميع فخور بتضحياته والكل يردد جميعنا فداء لسورية.

وما جعلنى أقول إن سورية بخير رغم كل سنوات الحرب هو الريف العربي السورى الذي تعرض لأشرس المعارك ورغم ذلك ما زال المزارع السورى يزرع أرضه وجباله الخضراء العامرة بالخير، فخلال رحلتى شاهدت بعينى كل أنواع الخضر والفاكهة التي لا مثيل لها في العالم، ودخلت إلى بيوت الأغنياء والفقراء فلم الحظ فروق واضحة بينها فعلى موائد الطعام تتشابه الأطباق سواء المقبلات أو الرئيسية، والخبز السورى الشهير موجود لدى الجميع، وأطباق الفاكهة التي تحمل عدة أصناف موجودة وحاضرة دون سابق تحضير لدى الجميع، هذا هو سر الحرب الكونية على سورية، لكن رغم ذلك لم يستطيعوا أن ينالوا منها وستظل عصية على عدوانهم، وستظل بخير مادام شعبها ما زال يزرع ويصنع، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية