رئيس التحرير
عصام كامل

كبير أثريين يوضح أسباب تقديس المصريين القدماء للنظافة

مجدى شاكر كبير الأثريين
مجدى شاكر كبير الأثريين بوزارة الآثار

كشف مجدى شاكر، كبير أثريين بوزارة الآثار، أن المصري القديم حرص على تقديس النظافة وحرصت جميع الأديان على النظافة العامة والشخصية واعتبر الإسلام النظافة شطر الإيمان، وحث عليها قبل الصلاة وأمر بها في القرآن والسنة ولكن قبل ظهور الأديان كان أجدادنا المصريون القدماء لهم السبق في ذلك.


ويفند "شاكر" كيف كان المصريون القدماء يحرصون على النظافة حيث كانت النظافة من أهم الأشياء التي اهتم بها المصرى القديم وحرص عليها كإحدى الضروريات الأساسية في حياته اليومية، خاصة فيما ما تعلق بالعناية بنظافة جسده ومسكنه وملبسه فكانت النظافة عنده قبل أن تكون سبيلا للصحة فهي عقيدة وشرط أساسي لدخول المعابد والأماكن المقدسة.

ويقول المؤرخ الإغريقى هيرودوت الذي زار مصر في القرن الخامس قبــــل الميلاد إن قدماء المصريين كانوا من بين شعوب الأرض هم الشعب الأكثر صحة وسعادة ونظافة وإيمانا وقال المصريون هم أول من راعى السنة التي تحرم مجامعة النساء في المعابد كما تحرم دخولها بعد الجماع دون اغتسال وهم يمارسون الختان حبا في النظافة لأنهم يفضلون النظافة على حسن المظهر يقول أيضا أن قدماء المصريين كانوا يرتدون ثيابا كتانيــة بيضاء، وكانوا يهتمون دائما بالحفاظ على نظافتها ولونها الأبيض الناصع ولا يرتدون الصوف لأنه يجمع الحشرات.

وكانت النظافة أحد الركائز الأساسية في الحضارة المصرية، إذ كان أحد أهم التعاليم للوصول إلى معرفة الإله هو "تطـهير الجسد والروح" وتطهير الجسد كان يشـمل النظافة والاستحمام الدائم الذي كان يصل في بعض الاحيـان إلى خمس مرات في اليوم كما في حالة الملك والكهنة، وأيضا الحفاظ على نظافة الملابس وإجراء عملية الختان للذكور فقط، وحلق شعر الجسد بالكامل بالنسبة للكهنة.

أما تطهير الروح فكان عن طريق اتباع شريعة المـاعت (العدالة) وترسخ في عقيدة قدماء المصريين أن الإنسان الأكثر نظــــافة هو الأقـرب إلى الإله، وكان تطهـــــير الجــسد والمـلابس يحتل أهمـية كبرى عند قدماء المصريين، وكان الملك في مصر القديمة هو المثل الأعلى في ذلك، فنجد منذ بداية تاريخ مصر أن أحد أهم وظائف البلاط الملكى وظيفة "كبير مســـــئولى نظافة القصر الملكى"و أيضا "كبير مسئولي نظافة الملك"و "كبير الغسالين"، إذ كانت طقـوس الاغتسال والتطهر وغسل الملابس جوهرية بالنسبة للملك وأيضا الكهنة، وهم المثل الأعلى لبقية الشعب.

وكان غسـل الملابس يتم بطريقة يدوية حيث يقوم الغسالون بالغسيل على المجارى المائية بضرب الغسيل ضربات متكررة بعصى غليظة أو بدقها بحجر ويغسل في المياه الجارية ويجفف في الشمس ثم يطور ويرص في صناديق خاصة أما الطبقات الشعبية فكانت ربة المنزل من يقوم بذلك لم يكن الصابون معروفا لقدماء المصريين، وإنما كانوا يستخدمون سائلا مصنوعا من زيت الخروع ونترات البوتاسيوم، أو المطهرات المستخرجة من نباتات وأعشاب وكان لمهنة الغسالون تسلسل وظيفي غسال ومشرف ورئيس وكان هناك غسالي الملك ويكتب اسم غسال بوضع رمز طائر الزقزاق لأنهم لاحظوا أنه ينظف النيل من الديدان وكانت ملابسهم فضفاضة مصنوعة من الكتان الأبيض الذي يسهل تنظيفه أما الصوف فهو يفسد عند تخزينه.

كذلك عرف الحلاقين وقد حرص المصرى على حلق رأسه ولحيته وخاصة الكهنة الذين كانوا يحرصون على الحلاقة باستمرار خوفا من الحشرات وكان هناك الحلاق المتجول الذي يمشي في الشوارع، وكان كذلك الحلاق هو الذي يقوم بقص أظافر اليدين والقدمين وبالنسبة النبلاء كان يقوم بكل ذلك طبيب أو متخصص في ذلك وكانت هناك وظيفة هامة هو مزين أظافر الملك.

وهناك المزين وهو لقب يطلق على الحلاق في الريف وكان وظيفة للرجال والنساء وأول من اتخذته هي خونسو زوجة أحد أبناء الفرعون سنفرو والد خوفو واتخذته الأميرة (نن سجر كا) ابنة خوفو وكان الرجل الذي يحمله وظيفته تزيين الملك والعناية بمظهره العام وكان يمارس وظيفته في بيت الصباح مكان يتم فيه زينة الملك وكان كذلك كاتم لأسرار الملك لأنه يرى ويسمع منه الكثير أما السيدات التي كانت تحمل لقب مزين فهي مزينة أو محظية للملك وهناك مصفف الشعر ويختلف عن الحلاق والمزين ويمارسه رجال ونساء ومهمته تصفيف الباروكة وإضافة بعض الشعر لها لكبار القوم في بيوتهم ويخدم في القصر الملكى وخاصة أنهم كانوا يلبسون "الباروكة" بجانب أن هناك كان مشرفا على الحمامات الملكية، وكان يخدم الملك أثناء اغتساله في بيت الصباح بصب الماء ووضع العطور.

وكان عند المصرى القديم أدوات خاصة بالزينة منها الأمشاط التي صنعها من العاج وسن الفيل والعظم والخشب بل والحجر الجيري ومنها ذو أسنان طويلة وقصيرة وشكلها على هيئة حيوانات وهناك الأمواس لقص الشعر واللحية وكان يصنع من معدن النحاس أو البرونز ويحفظ في جراب جلد أو خشب وله شفرتين ومقبض وكان تسن على أحجار الرملية أو الكوارتزيت واستخدمت دهانات بعد الحلاقة لتنعيم الجلد.

وبالنسبة للأكل كان يأكل بأصابعه لذلك كان لا يقرب الطعام إلا بعد غسل يديه واستخدم اناء لصب الماء به مادة معطرة وملح النيترون ليساعد على نظافة اليدين وكان لديهم أوان وأطباق من الفخار للطبخ بجانب أواني معدنية من النحاس والبرونز أما في داخل منزله ولما كانت أرضية بيوتهم مرصوفة باللبن أو الطين فقد كان يستعمل مكانس تصنع من ألياف النباتات أو البوص أو عراجين البلح واستعمل بعضها كذلك للتهوية على الفحم ومازال ذلك حتى الآن بالنسبة للمراحيض.

وعندما زار هيرودوت مصر أثار دهشته وقال (اختلف المصريون كل الأختلاف في عاداتهم وسننهم عن بقية الشعوب الأخرى فهم يتغوطون في داخل بيوتهم ويأكلون في الطرقات معتقدين أن الضرورات القبيحة يجب أن تؤتى في الخفاء أما غيرها فتؤتى جهارا) لذلك كان المصرى القديم أول من ابتكر المرحاض الصحي وكان يصنع من الحجر أو الطوب اللبن وهي مراحيض ثابتة ومنها المتنقلة وتصنع من الخشب وكانت الحمامات بجوار غرف النوم وكان غالبا في الجزء الخلفى من المنزل متصلة بحجرة صاحب المنزل وبالحريم وبجوارها حجرة الزينة والتزيين بعد الاستحمام لتدليك جسم المستحم وتعطيره وحجرة لخلع الملابس وكان الاستحمام يتم يصب الماء من أعلى من خلال إبريق أو خادم ويوضع بالماء مادة النيترون وكانت أرضية الحمام تصنع من لوح حجرى املس جدرانه بالحجر الجيرى أو طلائه بالأبيض وكان هناك مواسير لصرف المياه للخارج تصب في أماكن تجعلها معرضة للشمس لسرعة جفافها لعدم تسبب الأمراض وقد أقام المصريون القدماء أول شبكة للصرف الصحي بمعبد ساحورع.

أما بالنسبة لنظافة الجسم فقد حرص المصرى القديم سواء كان غنيا أو فقير على نظافة جسده وذلك لمناخ مصر الحار فكان ضرورة وجود مكان للاستحمام في منزله وكان الاستحمام من ضروريات الحياة اليومية ويحرم من مباركة الآلهة من لا يستحم ويحرم من دخول المعبد وكان الكهنة يستحمون صباحا ومساء وكانوا يستعملون الدهون والعطور وظهرت المناشف لتجفيف اليدين.

وكانوا يعتنون بنظافة الشعر والعناية بحسن منظره رغم أنهم ارتدوا الشعر المستعار المصنوع من الشعر الآدمى خاصة في الاحتفالات ورغم ذلك لم يهملوا شعورهم الطبيعية فنظفوها وحرصت النساء على تطويل وتقصير وتضفير الشعر حسب الموضة الدارجة في كل عصر ورغم أن الكهنة كانوا يحلقون كل الشعر في أجسامهم إلا أن الطبقات العاملة حلقت شعورها للنظافة وتركوها معرضة للشمس مما أكسب جماجمهم صلابة وكذلك الأطفال ولكنهم تركوا لهم خصلة واحدة وكذلك حلقوا الذقن ولم يظهر مصرى بذقن طويلة إلا في حالة الحزن والحداد واعتاد بعضهم وضع اللحى المستعارة.

ومارسوا الختان واعتبروه من النظافة وكانت تمارس من سن السادسة حتى الثانية عشر وكان يقوم بها الحلاقون أو الأطباء ومساعدوهم ويرى البعض أن الكهنة هم من يقومون بها باعتبارها شعيرة دينية ويسمى الكاهن المختن ولم نر أي منظر يوضح ممارسة ختان الفتيات.

أما عن نظافة منازلهم فقد حرص على نظافة منزله ليكون مكملا لنظافته الشخصية ودليل عليها وبنيت منازلهم من الخامات المتوفرة في البلاد من الطوب اللبن والخشب وحرص على تهويتها ومقاومة الحشرات والآفات ولونها وزخرفها وتبخيرها وفرشها بالحصير وكان يكنسها بمكانس من البوص وعرجون البلح ونظف أثاث منزله وحافظ عليه.

واهتم بنظافة بيئته يكفى أنه من ضمن الاعترافات المنفية ٤٢ التي كان يذكرها أمام محاكمته في الآخرة أنه يقول إننى لم ألوث مياه النهر وهكذا نرى المصرى القديم قد حافظ على نظافته الشخصية والمنزلية والبيئية.
الجريدة الرسمية