رئيس التحرير
عصام كامل

أتوبيس القاهرة.. حكايات تبدأ بالدردشة وتنتهي عند المأذون

فيتو

حينما سيسأل المصري عن عمره فيما أفناه، حتمًا سيجيب "في الأتوبيس ومواقفه المختلفة"، في هذا الصندوق المعدني مستطيل الشكل، تحاك القصص وتقام صداقات وتفض أخرى فيه، يموت أناس ويحيا آخرون، يمر العمر هباءً في انتظار أن يسير كوبري "المحور" بسلاسة.. فقط في مصر قد تجد خلف كل موقف أتوبيس أو حي ممتليء بالباصات، عشرات الحكايات أبطالها هم من صنعوها بدافع تمرير الوقت أو الطبيعة "العِشرية" للمصري. 



"أنا ساكن في قليوب وشغلي في المنطقة الصناعية الثانية، بقعد نحو ساعتين في الطريق، حياتي نصها قضيتها في الأتوبيسات، بقالي 27 سنة شغال في الشركة، بشوف هنا العجب وياما قصص وصداقات طلعت من الأتوبيس، مفيش قدامي غير كدة علشان الوقت يعدي"، يتحدث عم محمود (54 عامًا) عن يومياته في أتوبيسات المحروسة، بينما يبحث عن سيارة تنقله إلى مدينة قليوب بمحافظة القليوبية، فيومه يبدو متكررًا لا تبديل فيه، "كل يوم نفس النظام أجري على الباب أنا وعشرين واحد واللي يلحق يركب والباقي ربنا معاه يا يقع يا يقف بالساعات منتظر دوره".



تأتي "أم سعيد" من محافظة الشرقية في التاسعة صباحًا، حاملة آنية ألومنيوم كبيرة مغطاة بملاءة بيضاء، "ببيع فطير مشلتت للناس هنا في مصر، أنا اللي بعمله في البيت، قالولي روحي الأتوبيس هتلاقي رزق حلو"، تتجول بين هذا "الباص" وغيره وحين تنتهي من بيع البضاعة، تتخذ أحد مقاعد الأتوبيس المتجه إلى ميدان المؤسسة بشبرا الخيمة، ومنها إلى بيتها في إحدى قرى مركز منيا القمح، "بروح بمبلغ كويس الحمد لله وبدعي كل يوم الأتوبيسات دي تتزحم محدش يعرف يقف!".

وجوههم لا تتبدل من أتوبيس لآخر، أما عن موظفي الثانية ظهرًا، كما يطلق عليهم "عم أحمد"، كمسري الأتوبيس المتجه إلى شارع شبرا، "الساعة تدق 2 بالظبط تلاقيهم كوم لحم"، وبحكم التكرار أصبحوا أصحاب مكان.

"أنا افتكر من 3 سنين كان الدائري واقف وقعدنا 3 ساعات في الأتوبيس، اتعرفت على واحد كان قاعد جنبي ودلوقتي احنا نسايب، الأتوبيس المصري عالم تاني"، هكذا يتحدث "إبراهيم السويفي"، عن أغرب موقف يمكن أن يتعرض له شخص في حياته، أن تجلس بجوار أحدهم في المواصلات العامة، فيصبح صهرًا لك، وتظل المودة بينكما قائمة حتى بعد وصول كل منكما إلى وجهته.
الجريدة الرسمية