رئيس التحرير
عصام كامل

حيثيات حكم مؤبد اللبان بقضية «الرشوة الكبرى بمجلس الدولة»

فيتو

أودعت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، حيثيات الحكم في أكبر قضية رشوة اكتشفتها "هيئة الرقابة الإدارية"، وقضت بمعاقبة جمال اللبان، مدير الإدارة العامة للتوريدات بمجلس الدولة، بالسجن المؤبد، وتغريمه ميلوني جنيه، وعزله من وظيفته، وبمصادرة مبلغ مليون و239 ألفا و155 جنيها، والكرسيين المطرزين بشعار مجلس النواب.


كما قضت المحكمة بإعفاء كل من رباب أحمد عبد الخالق وزوجها مدحت عبد الصبور شيبة، ومحمد أحمد شرف الدين "الوسيط" من العقاب.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الواقعة حسبما استقرت في يقينها واطمأن إلى وجدانها استخلاصًا من سائر أوراقها وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة حاصلها أن المتهم الأول جمال اللبان، مدير الإدارة العامة للتوريدات، ويتولى عمله هذا بموجب قرار أمين عام مجلس الدولة، ويدخل في اختصاصه الوظيفي الإشراف على تلقى احتياجات إدارة وفروع مجلس الدولة من الأثاث المكتبى والإشراف على تشكيل اللجان الخاصة بالشراء والفحص والاستلام، وذلك على ما هو ثابت بالكتاب الوارد من مجلس الدولة، وآخر توفي هو "وائل سعيد أبورواش شلبي"، أمين عام مجلس الدولة السابق، الأول تدرج بالوظائف الإدارية بمجلس الدولة إلى أن صار مديرًا للإدارة العامة للمشتريات به أتاه الله بسطة في الرزق والمال والسلطات، إذ بوأه الله منصبًا رفيعًا في صرح قضائي كبير لطالما تحدث القائمون عليه ورجال القضاء أنه حصن من حصون الحقوق والحريات تولى وائل شلبي فيه منصب أمينه العام على حداثة عهده بالعمل القضائي بالنسبة لأقرانه وهو منصب يغبطه عليه من هم دونه درجة بحسب أقدميته".

وتابعت: "من أهم ما يجب أن يتصف به القاضي أن يعدل بين المتخاصمين ولا يقبل رشوة على حكم لقول النبى صلى الله عليه وسلم لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم – وألا يقبل هدية ممن لم يكن يهاديه قبل توليته القضاء لقوله عليه الصلاة والسلام من استعملناه على عمل فرزقناه فما أخذه بعد ذلك فهو غلول ( غلول يعنى سرقة )".

وأكدت المحكمة أنها لم تكن راغبةً أبدًا في تناول المتوفى وائل سعيد أبو رواش شلبي، أمين عام مجلس الدولة السابق، وأن يكون ذلك منهاج قضائها في الدعوى إلا أن الأوراق وواقعات الدعوى أبت ألا أن يكون المتوفى وهو فارسها وقاسمها الأعظم حاضرًا فيها فهو الشريك الأهم والفاعل الأكبر، ورأت المحكمة أن تمسه بذكر مشاركته وقدر أفعاله ودوره في وقائعها التي دارت رحاها بعلمه وإرادته كونه هو الإمام في الدعوى وما كان كل ذلك ليحدث لولا تخليه عن دوره ورقابته وحسن إدارة ومتابعة مرءوسيه".

وأضافت: "كان على المتوفى وائل شلبي وهو القاضي والأمين العام أن يخط في لوح الصرح الذي ينتمي إليه سطرًا ويُثَبِتَ في بنيان كيانه حجرًا ويترك بفعله الطيب أثرًا يُحدِثُ له بين أقرانه ذكرًا وفخرا وإتمام جميل عمل ينتفع به خلفه لكنه خرج على مألوف البواعث وإن ما أتاه المتوفى وائل شلبي والمتهم الأول لبدعة فهي ضلالة وقد غلب عليهما ولع التبطل وغواية الاستعظام وظنا أنهما في الحياة أحرارًا من قيود النظام والقانون فخرجا عليه وظنا نفسيهما أنهما بالغين في المتعة بملذات العيش والحظ الأوفر على ألا يقاسما الناس تكاليف العيش ومكابدة الحياة، فهناك نفوس إذا لم تُكبحُ تجمَح وإذا لم ترعو لا تستحى ونفوس تطمع".

وتابعت المحكمة في حيثياتها: "كان لِزامًا على المتوفى إزاء ما أنعم الله به عليه أن يسجد لله شاكرًا لنعمته التي حباه إياها وأن يؤدي حق شكر النعمة بواجب حسن أداء العمل وظهور أثر نعمة الله على لسانه ثناءً وطاعةً وأن يؤدي عمله بأمانة وصدق وبالحق وبعدل أقسم على أن يؤدي عمله به وعلى أساس منه بيد أنه وبدلًا من ذلك نحى وائل شلبي منحى آخر لا يليق بمقامه ومكانته وبالصرح الذي ينتمي إليه ولا يتفق أبدًا مع ما أؤتمن عليه من أمانة مطلقًا لشيطان نفسه العنان فعاث في الصرح وفى الأرض مفسدًا وللأمانة مبددًا ولحرمة الأعراض منتهكًا وأساء إلى حصنه بل إلى الهيئة التي ينتمي إليها ورمى حصانته وراح هو واللبان يعبثان بالوظيفة العامة ويقدمان ذمتهما قربانًا للشيطان وراحا أيضًا يعبثان بالمال العام بغير حسيب أو رقيب ولما الرقيب ومن أين ووائل شلبي هو الأمين العام، فلا حديث في هذا الأمر لأحد غيره ولا معقب على ما يقرر فتارة يمنح وتارة يمنع وأخرى يأخذ ذلك من "رباب "صاحبة مؤسسة السيف للتوريدات وزوجها المتهم الثالث صاحب مؤسسة الخلود لتوريد الأثاث المكتبى".

وأكدت المحكمة قائلة: "حدث أن تعرفت رباب على جمال اللبان وعلى المتوفى وائل شلبي إبان عملها بشركة عُهِدَ إليها توريد أثاث مكتبى لمجلس الدولة وطلب كل منهما إقامة علاقة جنسية معها على سبيل الرشوة وقبلت هي تلك العلاقة وقامت بمواقعة الاثنين من أجل الإخلال بواجبات وظيفة كل منهما وإثر ذلك علمت من جمال اللبان عزم المتوفى وائل شلبي ترسية مناقصة لتوريد أثاث مكتبى لمقري مجلس الدولة بمحافظتى المنيا والبحيرة لصالحها والمتهم الثالث زوجها واتفق المتهم الأول مع المتهمة الثانية على أسعار تلك التوريدات بل ذهب جمال اللبان إلى أبعد من ذلك بأن طلب منها تأسيس شركة لترسية المناقصة عليها فاتفقت "رباب" مع زوجها مدحت عبد الصبور على تغيير اسم ونشاط شركة مملوكة له إلى مؤسسة الخلود للأثاث المكتبى ثم تلقت المتهمة رباب عقب ذلك اتصالًا هاتفيًا من المتوفى وائل شلبي أخبرها فيه بعزمه إسناد أعمال التوريد لصالحها واستفسر منها عن أسعار التوريدات أخبرته بها كاتفاقها مع جمال اللبان وطلب منها المتوفى وائل شلبي كرسيين مطرزين بشعار مجلس النواب وطاولة صغيرة لإهدائهما لأمين عام مجلس النواب".

وتابعت المحكمة: "وكتعليمات المتهمة الثانية وتكليفها قام الشاهد الثالث بتنفيذ ذلك وإرسالها الطلبات إلى مجلس النواب وقدمت المتهمة رباب وزوجها أختامًا ومطبوعات خاصة بشركتهما لجمال اللبان ليتولى إعداد مظروف مالى وآخر فنى لتقديمهما في مناقصة صورية أجريت وتم ترسيتها بمعرفة المتهم الأول والمتوفى وائل شلبي على مؤسسة الخلود للأثاث المكتبي ملكها وزوجها المتهم الثالث، ثم بادر المتهم الأول باستصدار شيك لأمر مؤسسة الخلود بمبلغ مليون وستمائة وخمسة وستين ألف جنيه قيمة أمر التوريد قبل أن يتم توريد شيء، حيث قام المتهم الثالث بصرف قيمته من بنك الاستثمار وسلّم قيمته للمتهم الأول بواسطة المتهم الرابع، وقام المتهم الأول والمتوفى باحتجاز قيمة الشيك حتى قدمت المتهمة الثانية نفسها رشوة جنسية لكل منهما كطلبهما السابق واتفاقهما بأن بادر كل منهما بمواقعتها مقابل إسناد تلك الأعمال إليها بأسعار تزيد على قيمتها وصرف المستحقات عنها قبل توريدها".

وأكملت: (وإذ هاتفت المتهمة رباب المتوفى الذي طلب لقاءها لتنفيذ طلبه السابق بمواقعتها على سبيل الرشوة فالتقيا بمعرض بريمير هوم للأثاث بمدينة نصر يوم الأحد يوم عطلة المعرض، حيث قدمت نفسها وقام بمواقعتها ثم طلب المتهم الأول ذات الطلب أيضًا وهو مواقعتها كسابق طلبه واتفاقهما فالتقته وواقعها أيضًا على سبيل الرشوة وعقب تقديمها الرشوة الجنسية قدما لها مستحقاتها عن أمر التوريد بأن حصلت وزوجها المتهم الثالث من هذه العملية على مبلغ مليون ومائتي ألف جنيه واستأثر المتهم الأول بباقى قيمة الشيك وقدرها "أربعمائة وخمسة وستون ألف جنيه وخمسة"، منها "أربعمائة وخمسون ألف جنيه" رشوة متفق عليها للمتهم الأول وللمتوفى).

وأضافت: (كما استأثر المتهم الأول لنفسه بمبلغ "خمسة عشر ألف جنيه وخمسة" من قيمة هذا الشيك تنازلت له المتهمة الثانية عن هذا المبلغ بغير اتفاق سابق على سبيل المكافأة اللاحقة – وإذ بادر المتوفى وائل شلبي بدعوة المتهمة رباب إلى لقائه بمكتبه بمقر مجلس الدولة بالعباسية فحضرت في موعدها في وجود المتهمة رباب ووعدها الأخير ومعه المتوفى بإسناد أعمال توريد أثاث لمقر مجلس الدولة بمحافظة سوهاج لصالح المتهمين رباب وزوجها، ثم أنهى جمال اللبان إجراءات صدور شيك هذه العملية بمبلغ "مليون وسبعمائة واثنين وثلاثين ألفا ومائة وخمسين جنيها" لصالح شركة الخلود للأثاث على الرغم من عدم توريد المؤسسة لهذه الأعمال المطلوبة من أثاث وذلك بعلم المتوفى وائل شلبي).

وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها أنه تم استصدار إذن من النيابة العامة بضبط المتهمين الثلاثة الأول وتفتيش مساكنهم فتم ضبط المتهم الأول وبحوزته 24896315 جنيهًا "أربعة وعشرون مليونًا وثمانمائة وستة وتسعون ألفًا وثلاثمائة وخمسة عشر جنيهًا"، ومبلغ "أربعة ملايين وستون ألفا وسبعمائة واثنين وثمانون دولارا"، ومبلغ "مليون وسبعة آلاف وثمانمائة يورو"، ومبلغ "مليون ومائتان وسبعة وثلاثون ألفا وسبعمائة وثمانية وخمسون ريـالا سعوديا"، ومشغولات ذهبية والعديد من الخطابات الموجهة لمجلس الدولة للعام المالى 2016 – 2017، وهى تسع مناقصات وشيكات مسحوبة على حساب مجلس الدولة وفواتير مختومة على بياض بأكلاشيه لإحدى الشركات وفواتير مختومة على بياض لشركة أخرى، وأثبتت التحقيقات أن المتهم الأول جمال الدين اللبان هو الكاتب بخط يده صلبًا محضر الفحص المؤرخ في 26 نوفمبر 25016 والإمضاءات الثابتة عليه وثبت إصرار اللبان والمتوفى وائل شلبى على الإخلال بواجبات وظيفة كل منهما وحصلا على المبالغ المالية السالف بيانها لقاء ذلك، وحصلا على جعل آخر لقاء ذلك الإخلال هو مواقعة المتهمة الثانية، ومن أسف أن المتوفى وائل شلبي لم يرع لمجلسه حرمة ولا لوظيفته احتراما إذ واعد المتهمة الثانية أن تلتقيه بمكتبه بمقر مجلس الدولة بالعباسية، وأن المتوفى وائل شلبى في ذلك مضيعًا أمانته فأزال الله عنه نعمته فخسر دنياه وحياته والعلم عند الله فيما آل إليه في آخرته".

وأشارت المحكمة إلى أن الواقعة على النحو السابق استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهمين وما شهد به شهود الإثبات من هيئة الرقابة الإدارية وما جاء باعترافات المتهمين الذي قضت المحكمة بإعفائهما من العقاب لاعترافهما تفصيليًا أمام النيابة العامة وأمام هيئة المحكمة وما قرره المتوفى وائل شلبي بالتحقيقات وثبت بملاحظات النيابة العامة، وقالت المحكمة إنه وفقا لنص المادة 107 مكرر أنه يعفى الراشي والوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها، وتنوه المحكمة إلى أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محو المسئولية الجنائية بل هو مقرر لمصلحة الجانى التي تحققت في فعله وفى شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب.

وانتهت المحكمة إلى إدانة جمال اللبان في جريمة الرشوة بحسبان أن عقوبتها هي العقوبة الأشد، فالمحكمة تقضي بعزله من وظيفته عملًا بنص المادة 25 من قانون العقوبات، ومن ثم لم تر المحكمة معاملته بالرأفة وهو ما يتأبى على حكم العقل والمنطق ولا يتصور اتجاه إرادة المشرع إليه أو أن يكون قد قصده.

واختتمت المحكمة حيثيات الحكم بأن الثابت والذي اطمأنت إليه المحكمة وانتهت إليه واقتنعت به من الأوراق والمستندات وأقوال الشهود والمتهمين الثانية والثالث والرابع أن المتهم الأول والمتوفى وائل شلبي حصلا من المتهمين الثانية والثالث وبوساطة المتهم الرابع على مبلغ "أربعمائة وخمسين ألف جنيه" من الشيك الأول الخاص بعملية المنيا والبحيرة، ومبلغ "سبعمائة واثنين وثلاثين ألفًا ومائة وخمسين جنيهًا" من الشيك الثانى الخاص بعملية سوهاج، كما حصل المتوفى وائل شلبي على كرسيين مطرزين وطاولة وحصل أيضًا على مبلغ "خمسة وعشرين ألف جنيه" قيمة أقمشة وستائر حصل عليها دون سداد قيمتها، كما حصل المتهم الأول على مبلغ "سبعة عشر ألف جنيه" قيمة عدد 2 "بونكيت خشب" وحصل أيضًا على مبلغ "خمسة عشر ألفا وخمسة جنيهات" على سبيل المكافأة اللاحقة، وكل هذه المبالغ كانت على سبيل الرشوة إخلالا بواجبات وظيفتيهما وبيعًا لها، ومن ثم تكون هذه المبالغ محل المصادرة وقدرها "مليون ومائتان وتسع وثلاثون ألفا ومائة وخمسة وخمسون جنيها"، وذلك فضلًا عن مصادرة المستندات المزورة المضبوطة، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بحكمها المتقدم.
الجريدة الرسمية