رئيس التحرير
عصام كامل

رسائل داخل فيلم «الكنز» لم يفهمها الجمهور

فيتو

هناك نوعان من الأفلام في السينما، النوع الأول هو فيلم تشاهده، ثم تخرج من قاعة العرض، تسأل أصدقاءك بتلقائية شديدة: «أنا جعان، هناكل إيه بقى؟»، ونوع ثان، بعد أن تنتهي منه، تظل أحداثه وشخصياته في خيالك، لا تفارقك، تلاحقك، تفكر فيها، ترن في أذنك جمل حوارية لا يمكنك نسيانها، باختصار، تحدث لك ما يسمى بـ«الشبعة» الفنية، نظرا لدسامة الأفكار التي يغذي صناع العمل بها المتفرج الواع.


فيلم «الكنز» لشريف عرفة، والمؤلف عبد الرحيم كمال، ينطبق على النوع الثاني من هذه الأفلام، فالحالة الكاملة للفيلم لا يمكنك أن تشاهدها وتنساها بمجرد نزول تتر النهاية؛ إذ يشتبك العمل على جميع الأصعدة؛ صراعات داخلية وخارجية، إسقاطات سياسية ودينية، الاقتراب من النفس البشرية ورغبتها في الانتقام وتعلقها بالسلطة، ورغبتها في الاستحواذ على كل شيء في نفس الوقت.

«هل يستطيع الإنسان أن ينال كل ما يتمناه؟»

ربما هذه هي الرسالة الأولى في «الكنز»، والمشتركة في الثلاثة عصور التي تدور القصة حولها، إذ نرى في العصر الفرعوني صراعا داخل الملكة «حتشبسوت» بين كونها أنثى، وكونها أول امرأة تجلس على عرش مصر، تقاوم محاربيها والطامعين في العرش.

هذا الأمر جعل «حتشبسوت» الذي قامت بدورها النجمة هند صبري، تتضطر إلى أن «تسترجل» حتى يمكنها مواجهة الكهنة ورجال الدين الطماعين، ومن ناحية أخرى حتى تكبح جماح «تحتمس الثاني» زوجها وأخيها، والذي يرى أنه أحق بالحكم منها.

جسدت هند صبري، هذه الحالة بجمال وسلاسة تليق بموهبتها ومكانتها الفنية، إذ كانت طوال الفيلم تنتقل بين شخصيتين؛ شخصية المرأة الحاكمة التي تتظاهر بالقوة والرجولة أمام الجميع، وشخصية المرأة الضعيفة، والأنثى الحالمة، التي تقع في عشق إنساني وحالة حب مع خادمها «سننموت» الذي قام بدوره الفنان هاني عادل.

صراع آخر تعيشه الملكة، فلا يمكنها الزواج من خادمها الذي تحبه ويحبها، وإلا سوف تخسر العرش، فبين الحب وسطوة السلطة بداخلها، تعيش حائرة، تائهة؛ فالشخصيتين غير متكافئتين، أمام الناس والجميع، وأمام نفسهما أيضا، فكيف يمكن أن تحقق هذه المرأة الرغبتين؛ رغبتها في أن تكون مع حبيبها ومهندسها وخادمها، ورغبتها في الحفاظ على كرسي العرش.

في العصر العثماني، يتكرر نفس الأمر، مع قصة «علي الزيبق»، الذي جسده الفنان محمد رمضان، إذ يعيش على الزيبق صراعا، بين رغبته في الانتقام من «صلاح الكلبي» الذي قتل والده، وبين حبه لابنته «زينب» التي قامت بدورها الفنانة روبي.

«علي وزينب»، من أجمل قصص الحب التي يمكن أن تراها، ليس فقط لأداء محمد رمضان وروبي، ولكن للحالة التي خلقتها عين المخرج شريف عرفة، وتفاصيل وحوار المؤلف عبد الرحيم كمال، فلغة الحب التي كانا يتحدثان بها، مختلفة وتحمل عمقا يحترم عقل المشاهد.

فـ«الزيبق» كـ«حتبشسوت»، بين حبه لأرضه و«زينب» ورغبته في الانتقام من «الكلبي»، سوف يقع في مأزق، فماذا سيكون مصيره، هل سينال حبيبته وينال من والدها في نفس الوقت؟.

قصة أخرى في العصر الحديث، وبالتحديد في فترة الأربعينيات، بها نفس الرسالة، وهي أن الإنسان لا يمكنه نيل كل شيء يتمناه.

هذه القصة كان بطلها بشير الكتاتني، رئيس القلم السياسي، الذي قام بدوره الفنان محمد سعد، والمطربة نعمات رزق، التي قامت بدورها الفنانة أمينة خليل.

نرى في المشاهد الأولى لـ«بشير» كيف يضحى بشقيقه «مصطفى» من أجل كرسيه، والتي كشفت ومهدت للمتفرج، كيف أن هذا الرجل مغرم بالسلطة وكرسيه إلى أقصى حد.

يقول: «كل لما كرسيك يعلى، ممكن تعمل أي حاجة عشان متخسرش الكرسي ده»، إلا أننا نشهد فيما بعد الجانب العاطفي داخله، عندما يقع في حب المطربة نعمات رزق، وتتبدل أحواله كليا، ما جعل الملك فاروق يحذره من تأثير حياته الشخصية على حياته العملية، خاصة بسبب منصبه الحساس.

ويستمر «الكتاتني» في قصته ومحاولته لنيل قلب المطربة الشابة، لكن في نفس الوقت، يخشى من ارتباط اسمه بها؛ بسبب مكانته ومنصبه، فهل ينال كل شيء؟

لكن ما هو «الكنز»؟ سؤال ردده كل من شاهد العمل، حتى البطل «حسن» الذي يلعب دوره الفنان أحمد حاتم، وتتحرك القصة من خلال البرديات التي يقرأها، فهو نفسه يسأل عن «الكنز» الذي تركه والده، ويبحث في سر العلاقة بين العصور الثلاثة وعلاقة الكنز بما يقرأه، فرد فعل «حسن» هو نفس رد فعل أغلب الجمهور، الذي لم يستطع التقاط إجابة مؤكدة مما شاهده.

الإجابة بكل تأكيد ستكون في الجزء الثاني من الفيلم، الذي أعلن عنه صناع العمل، لكن هناك إشارات في الجزء الأول يمكن من خلالها الاجتهاد لمعرفة حقيقة هذا الكنز.

في أول مشاهد الفيلم نرى «حسن» الشاب يقول: «أنا حاسس إني ماليش جذر»، كما أن محاولته لبيع القصر وتراجعه عنه، ربما يكون هو الكنز، وهو الإسقاط الأكبر في الفيلم، كون أن التاريخ والأرض هما الكنز الحقيقي الذي يجب أن يحافظ عليه الإنسان، ولا يفرط فيهما، فكما قيل داخل الفيلم في أحد المشاهد، أن الذي لا يحافظ على تاريخه وأرضه لن يكون له مستقبل.

لا يقتصر فيلم «الكنز» على هذه القراءة فقط، ولكنها محاولة قد تكون «مفتاحا» لمن شاهدوا الفيلم ولم يفهموه، ودعوة لمشاهدته بعين أخرى مجددا، أو للذين لم يشاهدوه وتأثروا ببعض الآراء السلبية تجاه فيلم يعتبر من أهم أفلام السينما المصرية على الإطلاق.
الجريدة الرسمية