رئيس التحرير
عصام كامل

رئيس لبنان يقدم «روشتة» علاج أزمات العرب.. «عون»: حل الأزمة السورية لن يكون إلا «سياسيًا».. سيطرة إسرائيل على المقدسات «عار».. والعلاقات «المصرية – اللبنان

 رئيس الجمهورية العماد
رئيس الجمهورية العماد ميشال

وصف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون العلاقات اللبنانية- المصرية بالتقليدية والجيدة، والسليمة للغاية، مشددًا على أن مختلف قطاعات التعاون الثنائي مرحّب بها من الجانبين.


وأكد عون أنّ الأوضاع في المنطقة ستكون موضع بحث في لقاء القمة الذي سيجمعه مع نظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي سيتوج بها لقاءاته أثناء الزيارة الرسمية التي سيقوم بها غدا إلى القاهرة.

وشدد عون على أن لبنان ومصر، كما سائر دول العالم، يواجهان "مشكلة مشتركة تتمثّل بالإرهاب الذي يضرب في كل مكان، وهو أشبه بمرض خبيث ينام ثم يعود للاستفاقة في مراحل معينة خاصة إذا واصلت بعض الدول تغذيّته. لذلك علينا منذ الآن أن نحاربه طالما هو ظاهر". 

وأشار إلى "أن الحرب عليه حاليا مهما كانت قاسية فإنّها ستكون أسهل من المرحلة القادمة إذا ما كان سيواصل هذا الإرهاب حربه علينا بشكل سري. وهذا أمر يحتاج إلى متابعة ويتطلّب تنسيقا بين الأجهزة الأمنية في الدول العربية حتى يتم وضع حد لظاهرته".

وأعرب رئيس الجمهورية اللبنانية عن "خشيته مستقبلًا من أن يتغلغل ضمن الوحدات العسكرية الظاهرة للإرهاب والتي تقاتله فيشكّل خلايا نائمة في المجتمعات العربية ومجتمعات أخرى"، فإنه اعتبر أن محاربته يجب أن تكون بأوجه عدة، مقدّما النموذج اللبناني كإحدى طرق هذه المواجهة.

وقال عون: "نحن في لبنان نمر أحيانا بانقسامات سياسية ولكننا لم نمر يوما بأزمات تتعلق بالفكر الديني، لأننا بلد حوار وتعلّمنا منذ الصغر احترام حرية المعتقد والحق في الاختلاف وحرية الرأي. ولبنان يمكن أن يكون نموذجا للعيش المشترك بعد مرحلة التطرف التي يمر بها العالم".

واعتبر الرئيس عون "أن الخلفية العسكرية التي يأتي منها هو والرئيس السيسي، من شأنها أن تخلق صراحة وصداقة لأننا كعسكريين نسلك الطريق الأقصر للتفاهم. وأعتقد أننا بدأنا تفاهما قبل أن نلتقي".

كلام الرئيس عون جاء في خلال حديث صحافي شامل أجراه معه رئيس تحرير صحيفة الأهرام محمد عبد الهادي علاّم، ونشر اليوم على الصفحة الرئيسية للرئاسة اللبنانية.

تناول فيه الرئيس ميشال عون مختلف المواضيع ذات الاهتمام المشترك.

طي الماضي
وردا على سؤال حول تجربته في طي صفحة الماضي بما فيها من خلافات، وما حققته هذه التجربة على الصعيد اللبناني العام، إثر عودته إلى لبنان في العام 2005، قال الرئيس عون: "في المرحلة الأولى، تعاونت مع جميع القوى السياسية الموجودة في لبنان بالرغم من محاولات البعض لعزلي عن الحياة العامة. وهذا البعض لم ينجح بسبب من الدعم الشعبي الذي ألقاه من كافة الشرائح اللبنانية".

وأضاف: "بعدها أقمت أول تفاهم مع حزب الله، وهو المقاومة التي كانت مستهدفة في حينه بالقرار الدولي ١٥٥٩ لأسباب كثيرة من بينها مقاومتها لإسرائيل وقد أثبتت ذلك بعد عام.

وتابع: "وبفضل الدعم الذي وفرناه لها وتغطيتها سياسيا رفعنا عنها الاتهام بأنها مقاومة شيعية فقط. فهى ليست شيعية بل هي وطنية ما أمّن لجانب كبير من الشعب اللبناني أنه ليس متروكا فكان ذلك مصدرا للتهدئة".

المرحلة الثانية
وقال: "في المرحلة الثانية، ومع تأجج الصراع في العراق، بعد الغزو الأمريكي له عام ٢٠٠٣، خشيت أن ينتقل هذا الصراع إلى لبنان، فكانت لي لقاءات صحفية عدة مع وسائل إعلامية خليجية تحديدا، حذّرت فيها من انتقال شرارة الحرب المذهبية بين السنة والشيعة إلى لبنان.

وأكمل "وأكدت أننا لن نسمح بانطلاق شرارة من لبنان لحرب سنية شيعية كما أننا لن نتلقى أي شرارة حرب سنية شيعية في لبنان. وكان ذلك من أجل الحفاظ على استقرارنا الوطني وسلامنا الداخلي".

وتابع "لكن الأهواء السياسية تختلف عن التمسك بالأمن الوطني والسلامة الوطنية لذلك انقسم اللبنانيون في ما بعد بين من يحبذ الحل مع سوريا أو ضد سوريا، لكن الجميع بقي متمسكا بالاستقرار في لبنان وهذا ما أنقذنا. وهكذا توصلّنا إلى حل يقارب الهدنة نحاول أن نصنع منه سلاما".

الموقف من حزب الله
وردا على سؤال حول ما إذا كانت مسألة اعتبار حزب الله منظمة إرهابية طُرِحت خلال الزيارة إلى المملكة العربية السعودية أو ستطرح خلال زيارته إلى مقر جامعة الدول العربية، أوضح الرئيس عون أنه "لم يطرَح هذا الموضوع، لأن حزب الله في لبنان يشكّل شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، وجزءا أساسيا من سكان الجنوب.

وأضاف "أفراد حزب الله ليسوا مرتزقة كما جاء المرتزقة إلى سوريا من مختلف البلدان. هم لبنانيون يدافعون عن أرزاقهم وأملاكهم بالدرجة الأولى وإن كانوا يتلقون العون من الآخرين. ونحن لا يمكن أن نكون مع إسرائيل ضد قسم من شعبنا".

وأكد "بالنسبة إلى فإن البيت اللبناني ليس شيعيا، والأرض اللبنانية ليست شيعية ولا سنية ولا مسيحية بل هي أرض لبنانية للجميع ولبنان لجميع أبنائه. ولكّل منا معتقده لكننا جميعا متضامنون ومتفقون على أن نعيش متفاهمين معا".

الحريري
وسئل الرئيس عون كيف أقنع حزب الله بقبول عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة اللبنانية، فأجاب: "لقد أقنعتهما بسؤال طرحته على كل منهما وهو: هل تريد أن تلغى الآخر؟ والاثنان أجابا بــ لا. فأجبت بأني أنا أيضا لا أريد إلغاء أحد، لذلك يجب أن نتكلم مع بَعضنا البعض. وهكذا كان، طبعا ضمن حدود سياسية لا تؤذى الآخر".

حالة الانقسام العربي
وتطرق رئيس الجمهورية اللبنانية، ردا على سؤال إلى سبل الخروج من حالة الانقسام العربي الحالي، وأشار إلى أن "الوضع غامض، فقد أصبح هناك تصارع مصالح بين الدول الكبرى ولَم يعد مع اللاعبين الصغار، إنّما يبقى هناك مدخل لهذا الموضوع وهو أن نعرف ماذا يريد المتصارعون".

وأكمل "فإذا كان ما يريدونه هو نزعة إلى السيطرة فلن نستطيع أن نسير معه، ولكن إذا كانت هناك مصالح يجب احترامها فهي لكافة الأطراف. من هنا علينا أن نجلس وندرس بعقلانية الحَكَم وليس بعقلية المؤيد لهذا الطرف أو ذاك حتى نستطيع أن نصل إلى حل ووفاق".

القمة العربية
وطالب الرئيس عون بوجوب أن تكون من أولويات القمة العربية المقبلة "العمل على احياء جامعة الدول العربية، فهي مشلولة ويجب إحياؤها. وإذا انطلق منها صوت صارخ يدعو الجميع للهداية فإنه بالتأكيد سيلقى صدى، لأن الجميع متعب".

وأكّد أنّه "لا بد من وجود روح المبادرة، فوجود الجامعة كجامعة كان أساسا بمبادرة عربية، ولا بد من أن تعمل الجامعة بنفس روحية تأسيسها، فهي لها ميثاق لو تم احترامه لما كنّا وصلنا إلى حالة صدام. وأنا في هذا الإطار، "متمسك بالمادة الثانية من ميثاقها التي تحرّم على أي دولة عربية التدخل في شئون دولة عربية أخرى".

العلاقات مع إيران وتركيا
وردا على سؤال حول الوضع الإقليمي ومستقبل العلاقات العربية مع إيران وتركيا، اعتبر رئيس الجمهورية أن "هذه الدول متجاورة من هنا يجب أن تحتفظ بعلاقات متميزة لأن هناك مصالح كثيرة مشتركة بين أي دولة ودولة أخرى مجاورة لها، أكثر مما بين أي دولة ودولة أخرى بعيدة عنها، وإذا ما وجد التفاهم فتتميز العلاقات.

وأضاف: ولأن الجغرافيا هي التي تتحكّم في السياسة، فلا بد من حسن الجوار الذي يتعلق بالدرجة الأولى بالأمن والمصالح الاقتصادية وتلك المشتركة مثل المياه والأحواض النفطية الحدودية والاستثمار المتبادل، وكلها أمور إيجابية، فلا شيء محرم لحسن العلاقة سوى شن الحرب.

وردا على سؤال حول ما إذا كان بإمكان لبنان أن يشكّل جسرا لتفاهم "خليجي - إيراني" أو "عربي – إيراني"، رد الرئيس عون: "ولَم لا؟ على الإنسان أن يحاول والمحاولة قد تنجح وقد لا تنجح، لكن تبقى هناك راحة الضمير بدلا من أن يبقى الإنسان متفرجا. وإذا لم نحاول يكون هناك الفشل الذريع من دون أن نقدِم أساسا على المحاولة. فالإقدام أفضل وعلى الأقل يكون هناك شرف المحاولة.

الحل في سوريا
وأكد رئيس الجمهورية اللبنانية أن الحل للأزمة السورية لا يمكن أن يكون إلاّ سياسيا "لأن المشكلات الداخلية في بلد يجب أن تنتهي بتسوية، فلا أحد يستطيع أن يحذف قسمًا من شعبه من حل سياسي. وقد شكلّ عدم القدرة على بلوغ حل الأزمة سلميًا سببًا في الوصول إلى هذه المرحلة الحامية من التدمير في الوطن إنسانًا وبنيانًا".

وأضاف "تجربتنا اللبنانية في هذا الإطار سبقت تجربة الشعب السوري، وهي حصلت في سبعينيات القرن الماضي وكانت جد مؤلمة بالنسبة لنا نظرًا للنتائج التي انبثقت عنها".

ولفت إلى أنّ "العمل المسلّح داخل البلاد يؤدى إلى الخراب حتى لو انتصر حامل السلاح لأنه يحتاج للكثير من الوقت لكي يعيد البلد إلى الحياة الطبيعية. من هنا فإنّ الحوار والإصلاحات المتدرجة تنقل البلد من مرحلة إلى أخرى".

النزوح السوري
وأشار الرئيس عون، في معرض ردّه على مسألة النزوح السوري إلى لبنان، إلى أن الأمر يشكّل "حملا كبيرا آثاره واضحة على لبنان من النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية، فالوضع بالفعل صعب جدا اليوم".

وتابع "أنا كلبناني، ومن كل قلبي، أقول أن الشعب اللبناني "قديس". فأنت لا تتصور كيف يتحمل شعبنا هذا العبء من جراء هذه المشكلة"، مؤكدا أنه "مع ذلك كله استطعنا بحمد الله الحفاظ على سلامة الحدود وسلامة الأهالي بيقظة من القوى العسكرية والأمنية".

توطين الفلسطينيين
وعن موقف لبنان من مسألة توطين الفلسطينيين، أشار رئيس الجمهورية اللبنانية إلى "أن موقفنا واضح وهو الدفاع عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والاعتراف بالوطن الفلسطيني. وموقفنا هذا وضعناه في مقدمة الدستور اللبناني ويقضي برفض التوطين في لبنان".

وقال الرئيس عون: "إن إسرائيل تريد إلغاء الهوية والأرض الفلسطينية وهي تعتبر ما تبقى من الفلسطينيين في فلسطين مجرد سكان ليسوا أصحاب أرض وأصحاب هوية. هذا خطر على العرب وعلى الإسلام نفسه".

وسأل: "هل يمكن أن نتصوّر الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في فلسطين من دون مسلمين ومسيحيين؟ هذا عار تاريخي يلحق بالعرب بل بالبشرية جمعاء، هل نتصور إلغاء أرض نشأت فيها الأديان التي بشرت العالم. انّ فلسطين مثل مكة المكرمة".

وتابع: فهل نقبل أن نهدم حضارة بحجة التفتيش عن هيكل سليمان الذي لم يعثر عليه تاريخيا حتى يهدموا المسجد الأقصى؟ ألا يَرى العرب أن إسرائيل تسعى إلى محو كل ما هو فلسطيني؟

الموقف من ترامب
وسئل الرئيس عون عن الموقف من الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وما تحدثه مواقفه، فلفت إلى أنّه "من الصعب التقدير مع ترامب. فأنت لا تستطيع التمييز بين الخطاب الانتخابي الشعبوي والحقيقة الأمريكية. فوفقا لما يقوله يحب قلب أمريكا رأسا على عقب قبل أن "يقلبنا نحن".

وأكمل: لأن هذا الوضع الذي يريد أن يخلقه غير طبيعي والمخاوف التي يثيرها في أمريكا نفسها أكثر من المخاوف لدينا في المنطقة، لذلك يجب علينا عدم التسرع بالتأييد وعدم التسرع بالمعارضة، لأن التسرع بالتأييد يمكن أن يكون خطأ وكذلك التسرع بالمعارضة، وأرجحية أن تصيب أحدهما مقامرة.

واعتبر أن "الأفضل هو الترقب والعمل على تعزيز وحدتنا الداخلية الوطنية بقدر ما نستطيع وألا يكون ذلك مرتبطا بالسياسة الخارجية".

الاستحقاق النيابي
وسئل رئيس الجمهورية اللبناني عن الموقف من إمكانية عدم التوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية، قبل الاستحقاق، فأكّد أنه "من الصعب عدم إقرار قانون مع وجود إرادة لذلك، لأن عدم إقرار قانون جديد يدفع بالبلد إلى المجهول ولا يجوز في الوقت عينه أن يكون هناك مجلس نواب منتخبا يتم التمديد له مرتين ليبقى ١٢ سنة، فهذه ستعتبر عندها ولاية ملكية وليس ولاية ديمقراطية تتجدد فيها الثقة على موعد محدد كل ٤ سنوات. من هنا يجب أن يكون لدينا قانون عادل."

وشدد على "أننا اليوم نريد التمثيل العادل مثلما نصت عليه وثيقة اتفاق الطائف، وهو تمثيل يراعي العيش المشترك وصحة التمثيل وفاعليته". 

العلاقة مع بري وجعجع
وسئل الرئيس ميشال عون عن الاعتقاد السائد بوجود جفاء بينه وبين رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه برى بسبب موقفه الرافض للتمديد لمجلس النواب، فأكد انّه "لا توجد خلافات. أحيانا هناك وجهات نظر تختلف وهذا أمر طبيعي في الحياة الديمقراطية، وأحيانا هناك تفاهم. وعند الاختلاف بالرأي نحتكم إلى مجلس النواب أو مجلس الوزراء. والاختلاف غير دائم وهو الاستثناء، أما التفاهم فهو الباقي".

وسئل كيف يكون التقارب مع رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع مفيدا للبنان، فأجاب: "انطلاقا من كونه تفاهما جامعا لا يفرّق، وهو جاء نتيجة أن الأحداث التي شهدها لبنان وزعت الطوائف، فأصبحت هناك كتلة سنية تمثل الأغلبية الساحقة من السنة وكتلة شيعية تمثل الأغلبية الساحقة من الشيعة، فيما المسيحيون موزعون أحزابا متصارعة على الانتخابات بين بعضها البعض.

وتابع عون "ووفق هذا الصراع لم تكن هناك من كتل مسيحية مؤثرة. ثم جاءت انتخابات الرئاسة التي خلقت الحاجة لنكون معا، وهذا محل خلاف ٣٠ سنة سابقة فتم الترحيب به حيث كان الصراع دمويا في ثمانينيات من القرن الماضي. وأنهينا بالاتفاق مرحلة كانت سيئة للمسيحيين واتحدوا حتى نستطيع أن نقول انّ هذه إرادة أغلبية المسيحيين في لبنان".

100 يوم في الحكم
وسئل رئيس الجمهورية اللبنانية عن تقييمه للمائة يوم الأولى له في الرئاسة، فأجاب: "في لبنان صعوبات غير موجودة في دول أخرى سببها إرث يحتاج إلى تصحيح، وأنا من الإصلاحيين الذين يريدون تصحيح طريقة الحكم وطريقة التعامل مع القضايا العامة من خلال تطبيق الدستور والقوانين. والعادات التي تسمح بتجاوز الدستور والقوانين لا بد أن تتوقف وكل شيء بإذن الله سيسير بطريقة جيدة".
الجريدة الرسمية