رئيس التحرير
عصام كامل

نص كلمة رئيس المجلس الأعلى للقضاء في احتفالات عيدهم بحضور السيسي

المستشار أحمد جمال
المستشار أحمد جمال الدين، رئيس مجلس القضاء الأعلى

أكد المستشار أحمد جمال الدين، رئيس مجلس القضاء الأعلى، خلال احتفالية يوم القضاء بدار القضاء العالي، أن القضاء ينأى بنفسه عن السياسة، موضحا أن القضاة يعملون في إطار نظام قضائي راسخ حافل وغني بالضمانات التي تكفل سلامة وعدالة أحكامه، مشيرا إلى أنه إذا أخطأ القضاة باعتبارهم بشرا، فإن منظومة الطعن في أحكامهم كفيلة بتصحيح كل أخطائهم.


وأضاف أن الدستور وقانون السلطة القضائية كفل استقلال القضاء، موضحا أن القضاء في مصر بخير، لافتا إلى أن اللدد في الخصومات من أشد المشكلات التي يواجهها القضاء، مطالبا بالسماحة والكف عن اللدد في الخصومات.

وجاء نص الكلمة كاملا كالآتي:

«مرحبا بالرئيس السيسي في دار القضاء العالي داري ودارك ودار المصريين جميعا التي استقر فيها وحدات الشعب وضمير الأمة أنها حضن العدالة وملاذ المصريين.

ولعلك يا سيادة الرئيس تتذكر مثلما أتذكر بل من المؤكد أنك تتذكر عندما كنت تأتي في مرحلتي الصبا والشباب من القاهرة الفاطمية إلى القاهرة الخديوية فترى من بعيد دار القضاء العالي لا تدخل إليها ولا حتى تفكر في الدخول إليها ولكنك كنت إذ تراها تعلو قائمتك وترتفع هامتك ويتعمق لديك الإحساس بوطنيتم والفخر والزهو بمصريتك ويتجلى الشعور الكامن في وجدانك بأن في مصر قضاء.

وأضاف جمال الدين أنني عندما أتكلم عن دار القضاء العالي فإن حديثي غير مقصور على الحجر والأثر بل إن حديثي ينصب أساسا على البشر وهم قضاة مصر الأجلاء الذين يقولون في الناس كلمة الحق لا تضعفهم رغبة أو رهبة لأنهم ينشدون العدل صفة من صفات الله العظمى.

وعندما أتكلم عن قضاة مصر لا يقتصر حديثي على من شرفت بحضورهم اليوم فلقد حال ضيق مساحة هذه القلعة دون حضور باقي القضاة الذين يؤدون رسالتهم في منظومة متكاملة العدالة في محاكمه ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية وقضايا الدولة والنيابة الإدارية بعيدا عن السياسة بما لها وما عليها.

القاضي الحق يا سيادة الرئيس هو من ينأي بنفسه عن السياسة ويتوقع عن الإعلان وهو من لا يعرفه أحد حتى المتقاضي لا يعرف عنه إلا أنه قاضٍ.

وأطمئنك وأرجو أن تطمئن المصريين جميعا أن قضاتهم يعملون في إطار نظام قضائي راسخ حافل وغنى بالضمانات التي تكفل سلامة وعدالة الحاكم وتؤكد شموخه.

إن تسبيب الأحكام من أعظم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة إذ هو مظهر قيامهم بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التي يعلنونها فيما يفضلون فيه من الأقضية وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم والاستبداد.

إذا أردت أن تعرف قاضيا فاقرأ أسبابه إذ لا محل لمعرفة القاضي إلا من خلال عمله القضائي المعلن فهو وحده الذي يشهد له أو عليه أما القاضي الذي يظهر بصفة قصدت في المحافل العامة وقد يصفق له العامة فهو الأردأ ومآله حتما أن يلفظه القضاء.

وإذا كان القضاة بشرا قد يخطئون فإن منظومة الطعن في أحكامهم كفيلة بتصحيح جل أخطائهم.

وإذا كان الدستور وقانون السلطة القضائية قد كفلا استقلال القضاء فمن المؤكد كما تقول المذكرة الإيضاحية لأول قانون استقلال القضاء الصادر سنة 1943 خير ضمانات القاضي هي تلك التي يستمدها من قرارة نفسه وخير حضن يلجأ إليه، فقبل أن تفتش عن ضمانات القاضي فتش عن الرجل تحت وسام الدولة فلن يصنع الوسام منه قاضيا إن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي وعزة القاضي وكرامته وغضب القاضي لسلطانه واستقلاله هذه المصانع الذاتية هذه العصمة النفسية. كما تقول المذكرة الإيضاحية هي استقلال القضاء التنبيهات نصوص ولا تعزيزها قوانين إنما تقرر القوانين الضمانات التي تؤكد هذا الحق وتعزيزه وأسد كل ثغرة قد ينفذ منها السؤال إلى استقلال القضاء .

وأضاف أنه ربما يكون من المناسب في هذا السياق أن نتذكر معا الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديجول عندما عاد إلى باريس بعد الحرب العالمية الثانية وسأل عن أحوال بلاده فأجابوه سلبا..فسأل عن القاضي الفرنسي فأخبروا أنه بخير..فقال إذا فرنسا بخير.

وأنا اليوم أطمئنك أن القضاء في بلادنا والحمد لله لازال وسيظل بإذن الله بخير وأرجوك أن تطمئن المصريين جميعا وأن تقول لهم وللعالم كله القضاء المصري. بخير إذا مصر بخير.

هذا عن القضاء والقضاة أما عن المتقاضين ونحن في المحاكم لانعرف أسماءهم بل نعرفهم بصفاتهم فنقول المدعي والمدعي عليه والمتهم والمجني عليه والطاعن والمطعون ضده وهم ليسوا جميعا كما قد يحسب البعض من الأشرار بل إن أغلبهم من الأخيار الذين ظلموا وطلبت حقوقهم فتشوقوا للعدل ولاذوا بمحرابه وإنصافهم هو هدف التظلم القضائي وغايته.

ولكنني اليوم أجد من واجبي أن أقرر أن اللدد في الخصومات من أشد المشكلات التي يواجهها القضاء ولقد كنت في السابق أجد من يتباهى بأنه وأفراد أسرته لم يدخل أحدهم محكمة أو قسم الشرطة ولكنني الآن مع الأسف الشديد أجد من يتباهى بكثرة دعاويه وبتردده الدائم على المحاكم ودور النيابة وأقسام الشرطة بل ويدعو باللدد في خصوماته.

ومن ثم فإنني أرجوك أم تتبنى الدعوة السماحة في الاقتضاء والكف عن اللدد في الخصومات ولنتذكر معا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام رحم الله امرأ سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى.

ومن المعروف أن الرسول الكريم وقد كان أول قاض في الإسلام عندما عرضت عليه قضية استحكم فيها النزاع قال عليه الصلاة والسلام للمتقاضين.. إنما أنا بشر مثلكم ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بشئ من حق أخيه ظلما فلا يأخذه لأنه بذلك يقاطع قطعة من جهنم في جوفه يوم القيامة.

وعندما أرسل أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه يطلب أموالا لتحصين مدينته أجابه حصنها العدل فلتكن هذه الكلمة دستورا لنا جميعا ولنتكاتف معا لتحصين بلادنا بالعدل وليكن كل منا عادلا في موقعه وعمال كل منا الله في عمله وفي سائر أمور حياته.

وقديما قالوا لو أنصف الناس لاشتراك القضاة ولو تأذن لي أقول لو أنصف الناس لاشتراك الحاكم وأن أكرر دائما ما قلته من قبل فلنيحب بعضنا بعضا وليحترم بعضنا بعضا وليست بعضنا بعضا.

ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بين المصريين جميعا وإذا كان اليوم أفضل من الأمس القريب فإن الغد إن شاء الله سيكون أفضل من اليوم وإلى لقاء قريب ومصر أكثر محبة وأمنا وأمانا ورفاهية وازدهارا.
الجريدة الرسمية