رئيس التحرير
عصام كامل

«تعويم» طارق عامر.. خلافاته مع «المجموعة الاقتصادية» تضرب الاقتصاد.. والحكومة سقطت في فخ «سياساته النقدية».. محافظ البنك المركزي يربك حسابات الحكومة بـ«القرارات المن

طارق عامر
طارق عامر

>> وائل النحاس: قرارات محافظ البنك المركزى أكدت فشله في إدارة "السياسات النقدية".. و"عامر" يعمل فقط من أجل مجده الشخصى. 
>> عمر بلبع: ارتفاع في أسعار السيارات على خلفية التفكير في "تعويم الجنيه".. والسوق مهددة بـ"الانهيار". 



بعد ساعات قليلة من إعلان اسمه محافظًا للبنك المركزي، أصرت دوائر الحكم على الإشارة والتأكيد أن طارق عامر، محافظ البنك المركزي الجديد ينعم بحالة انسجام جيدة مع وزراء المجموعة الاقتصادية في حكومة المهندس شريف إسماعيل.
الإصرار على ترويج سيناريو "العلاقة المنسجمة" بين المحافظ والوزراء أرجعه البعض إلى رغبة القيادة السياسية لإزاحة كثير من الثلج المتراكم على العلاقة بين الطرفين إبان فترة تولى هشام رامز أمور إدارة "المركزى"، وفى الوقت ذاته محاولة تصدير صورة للرأي العام بأن القرارات التي ستخرج من مكتب "عامر" هي بالأساس تخرج من مكتب الحكومة"، وأن الطرفين لديهما من الوقت والمساحة ما يتيح لهما التنسيق في اتخاذ قرارات تصب في الصالح العام.

الأسابيع مرت، وحد تلو الآخر، وبدأت تلوح في الأفق حقيقة "علاقة الانسجام"، وبدأ الجميع يدرك أن سيناريو العلاقة الطبية ما بين محافظ البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية لم يجد قبولا لدى قطاع كبير من الجمهور، الذي تأكد أن العلاقة ما بين الإثنين لم تكن "سمنًا على عسل"، وأن "عامر" استطاع أن يروج نفسه في صورة "المنقذ"، لكن جاءت قراراته وخلافاته المحتدمة مع الجميع لتؤكد أنه "صانع أزمات" لا مثيل له.

سقوط الحكومة في "فخ عامر" أكدته عدة شواهد، بدءًا من قراراته المتتالية التي ضربت قرارات الاقتصاد القومى، وتحمل فاتورتها تلك المواطن الفقير أو ما يعرف بالمصطلح الاقتصادى "محدود الدخل"، فجميع القرارات التي أصدرها طارق عامر عادت الاقتصاد للوراء كما يقول بعض الخبراء، فضلا عن الخلافات التي نشبت بين محافظ البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية.

ولو ابتعدنا قليلا عن شاطئ الخلافات، وبدأنا البحث في "الأزمات"، مصدر مطلع بوزارة الاستثمار، أكد أن الخلافات الحالية المحتدمة بين محافظ البنك المركزى ووزير الاستثمار أشرف سالمان، من الخطأ التعامل معها كونها "خلافات شخصية" لأنها- وفقًا للمصدر ذاته، خلافات في السياسات، وأسلوب الإدارة الذي يتبعه محافظ البنك المركزي.
المصدر ذاته أكد أن "عامر" سبق أن أدلى بتصريحات تفيد أنه يختلف كثيرًا مع المجموعة الاقتصادية، وأن هناك محاولات للتوصل لحلول وسطية، موضحًا أن الاختلاف ليس في مصلحة مناخ الاستثمار، الذي يحتاج قدرا كبيرا من التوافق بين قرارات المسئولين فيما يخص السياسات النقدية والمالية.

وأكد المصدر ضرورة التنسيق وخلق مناخ للتفاهم بين وزارات المجموعة الاقتصادية وبعضها البعض وبينها وبين البنك المركزي، كخطوة نحو تحقيق أهداف الدولة، وفي مقدمتها جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومن ثم رفع معدلات النمو الاقتصادي.
كما ألمح المصدر إلى أن "سالمان" يعتبرا واحدا من أفضل الأشخاص الذين تولوا حقيبة "الاستثمار" في الآونة الأخيرة، لكنه – والحديث ما زال للمصدر ذاته- لا يمتلك السلطة التنفيذية التي تمكنه من الاعتراض على قرارات وزارات الصناعة والزراعة والسياحة بما يحمي بيئة الأعمال المصرية ومنعهم من اتخاذ قرارات تضر بمصالح المستثمرين.

خلافات "سالمان – عامر" لم تتوقف عند هذا الحد، فقد حدث تضارب بين وزير الاستثمار ومحافظ البنك المركزي فيما يخص إعلان الأخير عن توقيع مصر على اتفاقية بشأن 9 مليارات دولار استثمارات سعودية، في الوقت الذي رفض فيه وزير الاستثمار الحديث عن الأمر مطالبًا بالرجوع لـ"عامر" الذي أعلن الخبر.

وفى ذات السياق أثارت تصريحات محافظ البنك المركزى بأنه "لن تستطيع شركة الخروج من مصر نظرا لتحقيق كل الشركات متعددة الجنسيات أرباحًا طائلة خلال الفترة الماضية"، حفيظة المستثمرين الأجانب، في الوقت الذي أكد فيه وزير الاستثمار مرارا وتكرارا ضرورة تسهيل إجراءات التخارج بما يمنح المستثمرين حرية التحرك.

قطار أزمات "عامر" لم يتوقف عند محطة "الاستثمار" لكنه مر أيضًا على وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، حيث أكدت مصادر مطلعة أن الوزارة تسعى إلى التنسيق دائمًا مع القطاع المصرفى وعلى رأسه البنك المركزى لتحقيق السياسة النقدية بما ينعكس على الأداء الصناعى.
المصادر ذاتها التزمت بنفس حديث "مصادر الاستثمار" فيما يتعلق بالخلافات، حيث أكدت أنه لا توجد خلافات شخصية بين المهندس طارق قابيل وزير الصناعة، وطارق عامر محافظ البنك المركزى، موضحين أنه قد تكون هناك بعض القرارات تحمل اختلافًا في وجهات النظر لكن هذا لا يعنى أن هناك خلافا شخصيا.

المصادر ضربت مثلا يكشف "خلافات وجهات النظر"، حيث أكدت أن الفترات الماضية شهدت إحجامًا من البنوك عن إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتوجه إلى إقراض الحكومة؛ لأن البنوك حينئذ تضمن أموالها ولكن هذا الفكر بلا شك ينعكس سلبيًا على منظومة تطوير وتنمية المشروعات الصغيرة، ولعل المبادرة الأخيرة بشأن ضخ 5 مليارات جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة لا تزيد على 7% يمكن أن تحرك المياه الراكدة في هذا القطاع.

وأضافت المصادر أنه تم عقد اجتماع مشترك بين وزير الصناعة وبين محافظ البنك المركزى، قبيل الإعلان عن تعيينه؛ لمناقشة مدى التعاون ما بين الطرفين، وهذا في إطار سعى الوزارة لأن يكون هناك تعاون وتنسيق بين الطرفين.

وقالت المصادر إن البنك أعلن عن قرارات ومبادرات خلال الفترة الأخيرة بما ينعكس على معدلات النمو سواء في قطاع الصناعة أو الصادرات، مشيرين إلى أن عدم توافر العملات الأجنبية لشراء مستلزمات الإنتاج ما زال الأمر الأكثر سلبًا على حركة الإنتاج ومعدلات التصدير، والتي تعتبر من أكثر العقبات التي تطل بتأثيرها في الصناع والمستثمرين في الوقت الحالى، هذا في الوقت الذي يطالب فيه القطاع الصناعى بضرورة خطوات ملموسة وتنسيق واضح بين وزارة الصناعة والبنك المركزى لحل هذه الأزمة والتي تنعكس على استيراد مواد وخامات الإنتاج من الخارج مما ينعكس في نهاية الأمر على المنتج النهائى.

هذا في الوقت الذي أعلن فيه البنك المركزي عن تفعيل مبادرته لضخ 5 مليارات جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة لا تزيد على 7%، بينما لم يتحرك لإنقاذ المصانع المتعثرة والتي تمثل نسبة لا يستهان بها مما يتطلب ضرورة التحرك نحوها.

كما أن هناك إجراءات اتخذها البنك المركزى مؤخرًا للحد من فوضى الاستيراد، وتشجيع المنتج المصري أمام المنتجات الأجنبية، وذلك من خلال ضرورة الحصول على تأمين نقدي بنسبة 100%، بدلا من 50% على عمليات الاستيراد التي تتم لحساب الشركات التجارية أو الجهات الحكومية.

من جانبه علق وائل النحاس، المحلل المالى على الأمر بقوله: طارق عامر أصدر قرارات في ظاهرها يخدم الاقتصاد لكنها في حقيقة الأمر أضرت بالمواطن محدود الدخل، هذا بجانب أن هذه القرارات كشفت ضعف محافظ البنك المركزى في إدارته السياسة النقدية.

"النحاس" أكمل بقوله: محافظ البنك المركزى على ما يبدو يسعى إلى مجد شخصى لذلك فقراراته غير مدروسة ويبدو أنه يتم اتخاذها بشكل منفرد، كما أنه يفكر فقط في النجاح لشخصة دون الالتفاف للاقتصاد ومحدود الدخل.
وتعقيبًا على قرار "عامر" برفع سعر الإيداع الدولارى أكد المحلل المالى أن هذا القرار يؤكد أن محافظ البنك المركزى استنفد كل مصادر الحصول على العملة الصعبة من السوق المحلية، ولم يعد لديه المزيد لتغطية واردات السلع الأساسية، وهو ما شجع على رفع العملة بالسوق غير الرسمية.

أما عمر بلبع، رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية بالجيزة، فقد أكد أن "ارتفاع الدولار في مقابل الجنيه المصرى بشكل كبير وسعى الحكومة لتعويم العملة المصرية أو إرجاعها لمستواها الحقيقى، على حد زعمهم، سيرفع أسعار السيارات بشكل لافت للنظر خلال الأيام المقبلة، وهو ما قد يؤدى إلى انتشار السوق السوداء للسيارات.

"بلبع" أكمل بقوله: بعض تجار السيارات قد يمتنعون عن طرح السيارات للبيع تحسبا لزيادات جديدة في الأسعار قد تؤدى إلى مزيد من الأرباح لهم على المدى القريب في الوقت الذي سترتفع معه السيارات المستوردة.

وتابع قائلا: ارتفاع الأسعار سيفقد جزءا كبيرا من عملاء السيارات من أصحاب الدخول المتوسطة في الوقت الذي استقبل فيه شريحة أخرى من العملاء على الشراء للاستفادة من ارتفاع الأسعار في المستقبل، وهو ما يعد تخبطًا في السوق المصرية، وجميعها أمور أرى أن المتسبب الرئيسي فيها سياسات محافظ البنك المركزى الذي يصر على اتخاذ قرارات فوقية دون اللجوء للتجار والمتضررين من سياساته التي لا تراعى البعد الاجتماعى للمواطنين والمستثمرين على السواء.

من جانبه أكد الدكتور عادل المهدى، الخبير الاقتصادى، أن السياسة التي يتبعها محافظ البنك المركزى، وتحديدًا تلك المتعلقة بسوق الصرف وسعيه لتعويم الجنيه المصرى أو خفض قيمته سلبية للغاية، لافتًا إلى أنه يسير في سياسات غير مضمونة العواقب دون الالتفات للعواقب التي يحذر منها رجال الاقتصاد والمستثمرون ويتأثر بها المواطنون.

"المهدى" استطرد قائلا: الحكومة والبنك المركزى المصرى سيخاطران بالأمن القومى إذا ما أقدموا على خطوة تعويم الجنيه المصرى والتي سيترتب عليها ارتفاع في الأسعار ستعقبه موجة غضب شعبى بسبب الغلاء في الأسعار، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن للحكومة اتخاذ ذلك القرار إلا إذا انخفضت معدلات التضخم إلى 6%، مع الأمان في حجم الاحتياطي النقدى الأجنبي.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية