رئيس التحرير
عصام كامل

النكسة الجميلة

18 حجم الخط

تخيلوا الأوضاع في مصر لو سارت الأمور عادية.. ولم تخرج الحشود في جمعة الغضب منذ خمس سنوات؟!

الكثيرون نسوا أن البيت المصري كان يجهز، على قدم وساق، لتزف رئاسة مصر إلى خطيبها المنتظر منذ فترة بعيدة "جمال مبارك".. وأن معظم المصريين كانوا كارهين لهذا الخطيب غير المؤهل، والذي سيرث العروس، بعد أن هدها الفقر والمرض والجهل والفساد.. وكل الأمراض التي يمكن أن يتصورها عقل بعد فترة ركود شارفت على الثلاثة عقود.


الوريث وأمه كانا يعدان العدة، يعاونهما في فكرتهما اللئيمة العديد من المسئولين بالحكومة، والحزب الذي كان حاكما، وإعلاميون منافقون، احترفوا الأكل على كل الموائد، مع جهاز أمني حديدي، ونظام للحكم لا يسمح بكلمة معارضة حقيقية.

قالت حكومة "نظيف"، وقتها، إن معدل الرفاهية لدى الشعب ازداد بوضوح، ودللت على ذلك بزيادة أعداد أجهزة التكييف التي يقتنيها المصريون.. وإن معدلات النمو تزيد، وبرهنت بأن هناك إعلانات عن "وظائف خالية" تنشر بالصحف!!

لمن ينتقدون ثورة يناير 2011، ويصفونها بالنكسة، أذكرهم ببعض الأسماء التي عشنا في نير فسادها ردحا طويلا: حسني مبارك.. ونجله جمال.. حبيب العادلي.. صفوت الشريف.. أحمد عز.. يوسف بطرس غالي.. إبراهيم سليمان.. زكريا عزمي... وغيرهم تطول بهم القائمة، وتنوء بهم الذاكرة.. أحالوا حياتنا إلى جحيم، وأفسدوا الحياة السياسية، ومنعوا عنا الماء والهواء... فازداد الفقراء فقرا، والجهلاء جهلا.. وانتشر المرض ينهش في جسد البلد.. وتدهورت الأخلاق.. وانحدرت آفاق التفكير.. وتم تجريف العقول والأفكار، حتى قال الناس: "ومن يصلح رئيسا سوى جمال مبارك؟!".

ما نراه اليوم ونلمسه من تدن للتفكير، وانحطاط للأخلاقيات، وتراجع داخلي وخارجي، ليس سوى نتائج لما قدمه نظام مبارك طوال فترة حكمه الممتدة.. هل يتصور أحد أن الحب والكراهية يتدخلان في سياسة حاكم يخاف الله، ويسعى لخدمة وطنه وتقدم شعبه؟! هذا ما كان يحدث أيام مبارك، بل والتفاؤل والتشاؤم أيضا!

لمن نسي من هو مبارك، وحاشيته، ورجاله.. وطريقة تفكيره، وأسلوب حكمه.. "خليهم يتسلوا".. هل يوجد هناك حاكم على وجه الأرض يشير بها إلى نواب تعرضوا للظلم، وتزوير الانتخابات.. فأسسوا برلمانا موازيا.. ألا تذكرون "عبَّارة السلام 98"، وضحاياها الـ1000 ويزيدون؟! هل نسيتم قطارات الصعيد، وضحاياها بالآلاف؟!.

يبدو أن كارهي يناير 2011 لديهم ذاكرة سمكة، أو أن كراهية الإخوان الإرهابيين دفعتهم لانتقاد الثورة.. أو أن حبهم للدكتاتورية المباركية يفوق كل حد، ويمحو كل ذكرى سيئة، ويغسل كل فساد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما أنا فأسجد لله شكرا، أن خلص مصر من حكم مبارك، وآله.. وأنقذنا من كارثة الإخوان في 30 يونيو.. ولو كانت يناير مؤامرة ونكسة، فما أجملها من مؤامرة ونكسة.

الجريدة الرسمية